غونول تول،
آرون ستاين،
و ريتش أوتزن*
« خاطب كل من غونول تول، وآرون ستاين، والعقيد ريتش أوتزن، منتدى سياسي في معهد واشنطن. وتول هي المديرة المؤسسة لـ «مركز الدراسات التركية» في «معهد الشرق الأوسط». وستاين هو زميل أقدم مقيم في «مركز رفيق الحريري» لدراسات الشرق الأوسط التابع لـ «المجلس الأطلسي». وأوتزن هو مستشار اقدم في «الجيش الاميركي» وعضو في «فريق تخطيط السياسات» في وزارة الخارجية الاميركية. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم.»
غونول تول
تشير استطلاعات الرأي إلى أن 80 في المائة من الأتراك يدعمون عملية «غصن الزيتون» – ذلك التوغل العسكري الذي نفذته أنقرة في شمال غرب سوريا. ولعل الأمر الأكثر غرابة هو أن 90 في المائة من المستطلعين يعدون أن الولايات المتحدة تشكل تهديداً للأمن القومي [التركي]. وتنبع هذه المشاعر من قرار واشنطن عام 2014 بإسقاط أسلحة عن طريق الجو إلى «وحدات حماية الشعب»، الجماعة الكردية السورية المتحالفة مع «حزب العمال الكردستاني» – عدو تركيا منذ زمن طويل. كما أن رفض الولايات المتحدة تسليم المتهم الرئيسي بتخطيط الانقلاب فتح الله غولن يطرح أيضاً مشكلة لكثير من الأتراك.
وكان السبب الرئيسي الذي دفع أنقرة إلى إتمام عملية عفرين هو تعزيز سمعة الرئيس رجب طيب أردوغان قبل الانتخابات المبكرة، المقرر إجراؤها في 24 حزيران/يونيو. وتتجه كل خطوة من سياسته الخارجية نحو السياسة المحلية، كما أن عفرين عدت بمنزلة نجاح على الصعيد المحلي لأنها مكنته من جعل تركيا طرفاً فاعلاً في سوريا.
ومن الناحية الجغرافية -السياسية، أرادت الحكومة التركية التحرك لأنها وجدت نفسها معزولة ومخذولة في سوريا وسط تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة و«وحدات حماية الشعب». وبعد أن أعلنت واشنطن أنها ستدعم قوة حدودية قوامها 30,000 فرد بقيادة «وحدات حماية الشعب» والميليشيات الزميلة لها في «قوات سوريا الديمقراطية»، استنتجت أنقرة أن علاقة الولايات المتحدة مع الأكراد لم تعد انتقالية فحسب. وبدا أن روسيا تكن المشاعر نفسها وسرعان ما مَنحت تركيا الضوء الأخضر لإطلاق عملية «غصن الزيتون».
ونتيجة لذلك، علقت تركيا كل آمالها على روسيا، وما تزال الشريك الأضعف في العلاقة الثنائية. وتشير دلائل قيام أفراد القوات التركية ببناء مكاتب بريد وتعليم لغتهم الأم في المدارس السورية أن أردوغان يريد البقاء في سوريا لفترة طويلة، لكن الكلمة الفصل تبقى لموسكو. وبالفعل، أشارت روسيا إلى ضرورة انسحاب تركيا من المنطقة، كما بعثت إيران رسائل مماثلة.
ورداً على ذلك، حاولت أنقرة على ما يبدو إعادة التوازن إلى علاقاتها مع واشنطن من خلال دعم القصف الذي قادته الولايات المتحدة مؤخراً ضد منشآت الأسلحة الكيميائية السورية، برغم أنها لم تسمح باستعمال «قاعدة إنجرليك الجوية» في تلك العملية. وعلى نطاق أكثر اتساعاً، سيحاول أردوغان على الأرجح الاستفادة من المشاعر القومية التي بلغت ذروتها في البلاد منذ عملية عفرين من خلال المضي قدماً بالتدخل قبل أن تضغط عليه موسكو للانسحاب.
وعلى الصعيد السياسي، كان الاستفتاء على الدستور عام 2017 لتحويل تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي فوزاً محدوداً وصعباً بالنسبة لأردوغان. فقد باءت المبادرة بالفشل في المدن الرئيسية، وتأمل أحزاب المعارضة الآن بالاستفادة من تلك المشاعر لتحقيق انتصارات انتخابية. وإذا اتحدت المعارضة وأعلنت أن الرئيس السابق عبدالله غول هو مرشحها، قد تتمكن من الحصول على بعض الأصوات من «حزب العدالة والتنمية» الذي ينتمي إليه أردوغان.
ومع ذلك، لن تكون فرص النجاح في انتخابات حزيران/يونيو متكافئة. فهناك العديد من الشخصيات الرئيسية المعارضة في السجن، وما يقرب من 90 في المائة من وسائل الإعلام اصبحت تحت سيطرة الحكومة، وقد فتح التشريع الجديد الباب أمام حدوث تلاعب كبير بالأصوات. وهذه الانتخابات هي الفرصة الأخيرة أمام المعارضة، لذا سيبذل أردوغان كل ما بوسعه للفوز بها.
آرون ستاين
أظهرت عمليات تركيا في سوريا عدم ترابط استراتيجي معيّن، إذ تتأرجح أنقرة بين التصرف بمفردها والعمل كملحق للتحالف السوري-الإيراني-الروسي. فالعوامل التي تقود سياستها تتعلق معظمها بالأمن. وقد جدّد «حزب العمال الكردستاني» نشاطه في تركيا منذ تموز/يوليو 2015، وتصمم أنقرة على منع الجماعة الإرهابية من الحصول على ملاذ آمن. وخلافاً للقادة الأوروبيين، يَعتبر أردوغان تنظيم «الدولة الإسلامية» على أنه مشكلة تتعلق بإنفاذ القانون بينما يرى «حزب العمال الكردستاني» على أنه مشكلة عسكرية. ووفقاً لذلك، دمرت القوات التركية بعض ملاذات هذا «الحزب» في سوريا وتهدد بالقيام بالشيء نفسه في سنجار بالعراق.
وقد أحرزت كل من عملية «غصن الزيتون» وعملية «درع الفرات» – التي هي توغل تركيا السابق في سوريا، تقدماً كبيراً بما يكفي لتقسيم «وحدات حماية الشعب» وإرغامها على التراجع. وتصب الولايات المتحدة تركيزها على هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» ولديها شريك سوري واحد فقط لهذه المهمة، وهو «قوات سوريا الديمقراطية». غير أنه يتعين على واشنطن أيضاً أن توازن بين الدعم الذي تقدمه لهذا الشريك وبين الاعتبار الذي توليه إلى تركيا – الدولة الزميلة العضو في حلف «الناتو». وقد نجحت عمليات التوغل التي نفذتها أنقرة لأن الولايات المتحدة أخذت تبتعد تدريجياً عن «قوات سوريا الديمقراطية»/«وحدات حماية الشعب»، حيث استنتجت واشنطن على ما يبدو أنها لا تستطيع تحقيق كافة أهدافها لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا من دون تقديم تنازلات إلى تركيا. وقد أصبحت حالياً مدينة منبج التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» محور المحادثات الاميركية -التركية، وسوف تحاول أنقرة مرة أخرى انتزاع تنازلات من واشنطن.
ومع ذلك، يتقلص مسار التعاون الثنائي بسبب عدد من المشكلات المتفاقمة، بما فيها إعلان أنقرة عن نيتها شراء أنظمة الدفاع الجوي «أس-400» من روسيا وقرارها القاضي بملاحقة القس الاميركي أندرو برونسون بتهم الإرهاب والتجسس. ويتمثل أحد مخاوف واشنطن إزاء عملية بيع منظومة «أس-400» من إمكان دمج المنظومة الروسية في النهاية ضمن نفس شبكة البيانات العسكرية، كما حصل مع الطائرات الاميركية من طراز «أف-35» التي نُقلت إلى تركيا، مما أحدث انتهاكاً أمنياً. وقد نقلت واشنطن مثل هذه المخاوف مراراً إلى الحكومة التركية، إلّا أنّ أنقرة لم تستمع إليها – وهو مؤشر على أن تعاون روسيا قد يأتي مرتبطاً بشروط سياسية.
وبالنسبة لانتخابات حزيران/يونيو، ما زالت حظوظ أردوغان مرتفعة برغم الاتجاهات السلبية في قطاعي الاقتصاد ومكافحة الإرهاب. ولزيادة حظوظ الأحزاب التركية إلى الحدّ الأقصى، عليها تعيين مرشحيها الخاصين في الجولة الأولى من التصويت قبل تقديم مرشح مشترك في الجولة الثانية – على افتراض عدم استطاعة أردوغان الفوز بأكثرية 50 بالمائة من الأصوات خلال الجولة الأولى.
ريتش أوتزن
بعد العمل مع المسؤولين الأتراك عبر الزمن، يشعر المرء أن تفكيرهم الجغرافي السياسي يتمحور حول فكرة أن الأراضي تمنح الشرعية. وتعزز هذه الذهنية المقاربة العنيدة تجاه المياه والأراضي المحيطة – وبالفعل، ازدادت حدة المشكلات في العلاقات الثنائية عندما أصبحت الولايات المتحدة أكثر نشاطاً في المناطق المجاورة. وما يزال العديد من المسؤولين الاميركيين لا يعدون الشراكة مع «وحدات حماية الشعب» على أنها خطيرة، ولكن تلك كانت وجهة نظر تركيا وروسيا منذ أن بدأت الجماعة تكتسب الشرعية.
وفي النهاية، تريد واشنطن أن تقوم الحكومة السورية بإعادة بسط سيادتها في جميع أنحاء البلاد في أعقاب حدوث انتقال سياسي بمعزل عن نظام الأسد، لكن خفض مستوى التواجد العسكري الاميركي يشكل هدفاً مركزياً ايضاً. ويكمن التحدي في كيفية التوفيق بين هذه التناقضات.
لقد كانت القوات التركية تنشط في شمالي العراق منذ عام 1992، لذا فهي ترغب في البقاء في سوريا إلى حين بروز وضع سياسي يبدد مخاوفها الأمنية بالحدّ الأدنى. وكان هناك العديد من المفاهيم الخاطئة لدى المسؤولين الأجانب إزاء مكانة أنقرة وقدراتها قبل عملية عفرين. أولاً، اعتقد الكثيرون أن تركيا لن تتخذ إجراءً قوياً في سوريا لكن تعيّن عليها القيام بذلك بعد أن استنفَذت الخيارات الأخرى. ثانياً، شككوا في تحقيق تركيا نجاحاً في عملية عفرين لأن جيشها كان في حالة من الفوضى بعد الانقلاب الفاشل وحملات التطهير اللاحقة. ومع ذلك، كانت أنقرة على استعداد تام للقيام بمهمة ناجحة لأنها تعلمت من أخطائها في عملية «درع الفرات». ثالثاً، رأى الكثيرون أن دمشق وروسيا قد تمنعان أنقرة من استعمال المجال الجوي السوري، لكن موسكو وافقت على ذلك بعد اجتماعات ثنائية مع مسؤولين أتراك في كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير. رابعاً، لم تقع بتاتاً أزمة إنسانية ضخمة أو إصابات مدنية كبيرة كما اعتقد البعض بأنها ستحدث في عفرين.
وحالياً، تُعد منبج نقطة رئيسة في العلاقات الثنائية، حيث اتفقت أنقرة وواشنطن على أنه يجب أن تخضع المنطقة لحكم السكان المحليين عوضاً عن «وحدات حماية الشعب». ومن غير المرجح إلى حدّ كبير أن تقوم تركيا بتوسيع عملياتها العسكرية هناك، لكن القضايا الأكبر المطروحة على الطاولة قد تكون مبعث قلق. وينفذ صبر المسؤولين الاميركيين إزاء أنقرة ليس لأنهم يتجاهلون آراءها فحسب، بل لأن الكونغرس لم يعد يرغب في التسامح مع الاستفزازات المتوقعة مثل شراء منظومة «أس-400» من روسيا، واعتقال موظفين في بعثات أميركية في تركيا، وسجن القس برونسون. ولا تتمثل المشكلة الرئيسية في منظومة «أس-400» بالصواريخ التي تضمها، بل برادارها الذي قد يسمح لروسيا بمراقبة بعض التقنيات الاميركية الأكثر تطوراً. فالولايات المتحدة قوة عظمى ولن تقبل بأي تهديدات مباشرة لمصالحها أو بإبقاء مواطنيها في السجون، لذا لا يجدر بتركيا أن تقلل من شأن الأثر المحتمل لأفعالها.
على الرغم من [أن العلاقات] بين الولايات المتحدة وتركيا شملت عقود من النوايا الحسنة يعود تاريخها إلى الحرب الباردة، إلّا أنّ الانكماش الحالي يهدد هذه العلاقة بشكل خاص. ويحاول المسؤولون من كلا الجانبين الحدّ من الأضرار والعمل على تخطي هذه الصعوبات. إن التاريخ الدبلوماسي حافل بأمثلة عن كوارث تمّ تجنبها، لكن أيضاً بفرص ضائعة لتعاون لا يقدر بثمن. والمفتاح إلى تجنب هذين الخطرين هو الدبلوماسية الصبورة، التي توفر الأمل في الحفاظ على تفاهم مشترك في المستقبل.
* أعدت هذا الموجز لمعهد واشنطن إيغيكان آلن فاي