وأنا جالسة صباحاً في حديقة الدار أسمع صوتاً يشوبه تعب العمر والحياة. اسأل عما يريد فيقال انه يتعاطى مع الأغراض العتيقة.
بعد لحظات تمر سيارة وهي تطلق معزوفة موسيقية رتيبة. اسأل، فيقال أنه بائع قناني الغاز.
ولا ينتهي المساء إلا وتكون سيارة بائع الخضروات قد توقفت عند المنعطف.
منذ وصولي بغداد، بعد غياب قسري دام 25 عاماً تقريباً، أجد نفسي أمام ظواهر جديدة لم أعرفها من قبل، وحتى لو كانت موجودة فهي لم تكن على هذا النحو من الوضوح، وعندما أبحث عن تفسير لها، أجدها ترتبط بالبطالة والفقر المستشري في كل مكان من الوطن.
وكلما تلفت أرى آثار الحروب والحصار مازالت عالقة بالوجوه، وأزمة اللاجئين تزداد تعقيداً، والعنف وحالات السرقة وعمليات الاختطاف تنتشر وسط أجواء انتخابية محمومة، والفساد يتفشى في جميع مفاصل الدولة، مع استمرار ضعف الحكومة المركزية، واستمرار “داعش” في الاستيلاء على أجزاء من الشمال الغربي، والمناطق المتاخمة لسوريا.
وإذا كانت هناك قلة تتمتع بالمال والامتيازات، فالغالبية العظمى من العراقيين تعاني من المشاكل الاقتصادية القاسية، ويضاعف منها تراجع فرص العمل، وضآلة اللائق منها بكرامة الإنسان وحقوقه ومتطلباته الأساسية.
كانت البطالة قد بلغت 16 في المئة عام 2016، وعدد السكان حالياً 34 مليون نسمة، وفي التوقعات، أن يصل إلى 50 مليوناً بحلول عام 2030، فكيف سيكون الحال عند ذاك؟
لقد تسبب السياسات الحكومية وأحزابها المهيمنة على مقدرات العراق وثرواته في توسع قاعدة التوظيف إلى مديات خطيرة، حيث باتت تمثل 40 في المئة من السكان، لكن 48 في المئة من الوظائف لا يمكن العثور عليها إلا في المدن. وتفيد تقارير دولية أن 50 في المئة من العراقيين هم دون سن التاسعة عشر، لكن الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و24 سنة، يتأثرون بشدة بالمشاكل الاقتصادية التي تؤدي إلى البطالة، وأن 18 في المئة منهم عاطلون عن العمل.
لست متشائمة لكنني غير متفائلة بما سيفصح عنه المستقبل، فالحكومة المنشغلة بنفسها وبترتيبات بيتها المتداعي عاجزة عن إحداث فرق في مستويات الفقر، وقد سبق لوزارة التخطيط أن أعلنت عام 2015 عن خطة خمسية للقضاء عليه بنسبة 10 في المئة إلا أنها في نهاية العام نفسه، أعلنت أن خطتها فشلت، ولم تُبذل أية محاولات جديدة منذ ذلك الحين.
من الواضح أن العراق، الذي يعتمد في إيراداته على النفط بنسبة 90 في المئة، بحاجة إلى استراتيجية جديدة للمساعدة على استعادة اقتصاده قبل أن يقع في أوضاع أكثر سوءاً. ولكن من سينهض بهذا العبء.. ومتى.. وكيف؟
فريال حسين
متى.. وكيف؟
التعليقات مغلقة