ايام معدودات تفصلنا عن نهاية الماراثون الانتخابي الذي ستشهده البلاد .. هذا الماراثون انطلق بقوة وكل المشاركين فيه الذين ناهز عددهم السبعة آلاف مشارك ، جميعهم يسعى الى تحقيق الفوز وارتقاء منصة التتويج التي سيقررها الشعب العراقي في ١٢ ايار المقبل .. وماراثوننا الانتخابي يختلف عن تلك التي يشهدها العالم بنحو مستمر .. وطبيعة هذا الاختلاف ناتج عن الوضع الخاص عندنا وحداثة تجربتنا.. فعلى الرغم من خوضنا نسخا سابقة الا ان الظروف ربما لم تتغير بنحو واضح .. فعمليات اسقاط الخصوم في اثناء مشاركتهم في الركضة الماراثونية قائمة على قدم وساق ، مع تغاضي الحكم احيانا عن تلك «الفاولات»برغم ان بعضها من الشدة ما يستوجب الطرد من الماراثون ! ، ومن بين تلك «الفاولات» تمزيق صور المرشحين او تشويهها ، فمثلا يقومون بقلع عيون هذا المرشح او (شق) فم ذاك ، من خلال العبث بالصور التي تمثل كل شيء بالنسبة للمرشح ، فالدعاية الانتخابية للكثير من المرشحين ترتكز على امرين ، الاول هو الانتماء للعشيرة والثاني اختيار صور ولقطات حالمة ورومانسية احيانا ،.. فهذه المرشحة تجد في اغماضة عينيها غنجا شديدا ..وأخرى نفشت شعرها بطريقة توحي اليك بأنك تشاهد (فديو كليب) لاليسا ! .. وثالثة بلغت من العمر عتيا ولكنها اختارت صورة وهي في عمر العشرينيات لكي لا يستفزها سعدون جابر بقوله ، (عمر وتعدى الثلاثين) !! .. ولكي لا يتهمني دعاة حقوق المرأة بمخالفة المعايير الجندرية الحديثة واني اتحدث سلبا عن النساء من دون الرجال .. فأقول .. ان مرشحينا من الجنس الخشن لايقلون تفننا في اختيار صورهم التي يستعملونها في دعايتهم الانتخابية عن الجنس الناعم .. والفضل كله يعود طبعا للمبدع (فوتوشوب) الذي بات يلعب دورا (انسانيا) كبيرا في تحسين هذه الصور وإخفاء العيوب ..وإصلاح كل ما افسد الدهر !!.. وان اردنا ان نحسب تكاليف هذه الصور التي اصبحت مثل الغابة المتشابكة فاني اعتقد ان مليارات ممليرة انفقت على طبعها وتعليقها وهذه الاموال لو جُمعت في صندوق لكانت كافية ربما لبناء مدينة عصرية متكاملة .. ولست هنا بوارد الحديث عن مصادر هذه الاموال !! ..
وليت الامر يتوقف عند تخريب الصور ، انما وصل الحال إلى ما هو اخطر وامر ، فبعض المشاركين في المارثون الانتخابي ، اكتشفوا طرقا اكثر تأثيرا في اسقاط خصومهم ، وليس هناك ما هو اقوى تاثيرا من اثارة الفضائح الجنسية والاخلاقية بنحو عام ، فمثل هذه الفضائح حتى وان كانت مفبركة او غير صحيحة فهي كفيلة بالقضاء على الخصم وتدمير مستقبله السياسي والاجتماعي ، فيما ذهب اخرون إلى اسلوب اخر , عندما لم يجدوا نقطة سلبية يمكن من خلالها احراج الخصم ، حين لجأوا إلى اسلوب التصفية الجسدية ، فقد شهدت الايام الماضية محاولات لاغتيال بعض المرشحين ، ولكن ولله الحمد كانت فاشلة .. وسوى ذلك من الاساليب الرخيصة التي تجعلنا نذهب بعيدا في تفسير مايحدث ، ولنا هنا استنتاجان ، الاول ، هو ان المنظومة القيمية الاخلاقية للمجتمع تعرضت للاصابة «بفايروس» فتاك بسبب الذبح المفرط وليس الجلد للذات العراقية ، فثمة ضغط هائل تعرضت له هذه المنظومة ومازالت على مدى آماد زمنية طويلة تسببت بحالة من الانهيار شبه التام لها ، وبالتالي ، فالنخبة المثقفة والواعية مطالبة اليوم اكثر من اي وقت مضى إلى العمل على «فرمتة» هذه المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع ، والسعي إلى تغيير مسارات الخطاب المترنح المتشنج الذي كان سببا وراء حالة التردي والانهيار وانتج كل هذه «الفيروسات» المدمرة التي اصابت «سوفت وير» المجتمع ! .. اما الاستنتاج الثاني ، فاعتقد ان ثمة اصابع خفية تعمل على نسف كل ما لدينا من ثوابت يٌعتد بها وتجردنا من الرمزية الايجابية وصولا إلى خلق مجتمع متخبط تتقاذفه التيارات وبالتالي يمكن توجيهه إلى اي وجهة يريدها اصحاب تلك الاصابع .. وكلا الاستنتاجين لايقلان خطورة احدهما عن الاخر .
عبد الزهرة محمد الهنداوي
مطبات الماراثون الانتخابي !
التعليقات مغلقة