لم تسيء دولة للديمقراطية كما أساء ويسيء لها العراقيون من السياسيين الآن. كان العراق من أول الدول بالشرق الأوسط ممن خضعت للمفهوم الأميركي الجديد المسمى “الفوضى الخلاقة” الذي أطلقته وزيرة الخارجية كونداليزا رايز نيابة عن دولتها. وكان ذلك في العام 2003 ولحقت به الدول العربية التي شنت ثوراتها على الحكام المفسدين والمهترئين في مصر وليبيا وتونس. حتى أن التجربة العراقية سبقت هذه التجارب المفتعلة والتي أسقطت مصداقيتها الجمهورية العربية السورية بفضل القراءة السياسية الواقعية والرؤيا الواضحة للمخططات الأميركية للمنطقة العربية خصوصا والشرق الأوسط عموما. حتى تلك التجارب على مقدار دمويتها وحروبها الأهلية هي أخف بكثير من دموية ودمار التجربة العراقية والسورية التي مازالت تدفع الأثمان الكبيرة بسبب هذه التجربة ـ اللعنة، تجربة الديمقراطية.
الديمقراطية بالعراق وسوريا تشبه طفلة مؤودة بالمهد من قبل الأجلاف والمتعصبين الجاهليين الذين يريدون حكم العراق الحضاري العريق وبلاد الشام عن طريق داعش وخليفة المسلمين الجديد المجرم ابراهيم البدري الملقب بأبي بكر البغدادي. عذرا للديمقراطية التي تريد جعل المجتمع أكثر نورا بالعلم والمعرفة والتعليم والحقوق الاجتماعية والعدالة والمساواة أمام القانون. لا سني ولا شيعي ولا كردي ولا تركماني ولا مسيحي ولا شبكي ولا أيزيدي، الكل لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات تحت ظل دولة موحدة منذ الأبد أسمها العراق.
عذرا للديمقراطية التي أساء لها رجال متخلفون يقتربون إلى مستوى الهمجية التي تفوق وتتفوق على همجية عصر ما قبل الإسلام. أراد بهم الإسلام التحضر والتطور وإذ بهم يقبعون بذات القوقعة الظلامية من الجهل ومحاربة العلم والمعرفة والفنون وجمال الشعر والأدب الرفيع والموسيقى والغناء الجميل. عذرا للديمقراطية التي حلت بالعراق مثل حورية عذراء فضّ بكارتها الكثير من السياسيين المتخلفين والهمجيين. عذرا للديمقراطية التي وفدت على بلد ناضل رجاله ونسائه لنيل حرياتهم الشخصية والعامة لتقع بين ايدي رجال بالبرلمان يخشونها وبيدهم الخناجر الغادرة والحاقدة لتحطيمها ووأدها بالمهد. عذرا للديمقراطية المغتصبة بالعراق الحديث، وعذرا لجميع الرجال الأفذاذ ممن ناضلوا صادقين من أجل تحقيقها كمنقذ للشعب من المهانة والذل الأبدي الذي يقع بين ايدي الساسة المتسلطين الأغبياء. عذرا للديمقراطية من هذا الشعب المظلوم الذي أفعل فيه رجال الساسة والدين الدجالون افعالهم المشينة وجعلوا من الديمقراطية اضحوكة يتندر بها الأغبياء من الساسة الجهلاء. عذرا للديمقراطية التي وقعت ضحية لمثل هذا البلد ومثل هؤلاء الساسة ومثل الذين يصفقون ويطبلون ويزمرون لكل من يحكمهم على العمى وتخمة البطون.