شهد الراوي في «ساعة بغداد» الأثنوجرافيا النسوية

عبد الغفار العطوي

يمكننا ان نعرف الاثنوجرافيا بمعناها العام هي شكل من اشكال البحث، يطرح اسئلة عن الممارسات الاجتماعية و الثقافية لمجموعات بشرية، و تشير شيري اورتنر الى ان ( الاثنوجرافيا) تعني دوما بايجاز و تصغير بالع: محاولة فهم دنيا اخرى بواسطة الذات (2) والاثنوجرافيا ملائمة تماما لدراسة الحياة اليومية في المناطق المحلية (3) وعادة ما يمكن تتبع اصول المنهج الاثنوجرافي وارجاعها الى بدايات القرن العشرين عندما سعى علماء الانثربولوجيا الى فهم اساليب الحياة التي تختلف اختلافا بالغا عن اساليب حياتهم (4) والبحث الاثنوجرافي يركز على انشطة النساء حيث نجدها في الابحاث الاكاديمية قد تضمنت وصفا و تحليلا تفصيليا في كتاب اودري ريتشاردز (5) وصار المنهج الاثنوجرافي يتعامل مع الكتابة النسوية في تجارب مشتركة بين الباحثات النسويات و النسوة كما فعلت روث بيهار (6) و سواها
ساعة بغداد رواية تعتمد استقصاءات بحثية خالصة، عبر سرد تفاصيل حيوات متعددة منفصلة بين تواريخ و حوادث تطرحها الكاتبة في سرد بسيط و مطرد تتناول فيه الاشارات لظواهر متغيرة لعالم بشري يتحول كثيرا ودوما نتيجة الحروب و الهجرات التي تصاحبه او تعقبه، و مع ان الكاتبة تستقصي نسوتها ببيانات امبيريقية و تعمل على جدولة سلوكياتهن على الرغم من تفاوت اعمارهن بين جيلين او اكثر من الجدات والامهات والفتيات اللاتي يجمعهن التجمع الاثنوجرافي و يفرقهن المتخيل الذي تفرضه اجواء المحلة التي صورتها البطلة اوالراوية كأنها سفينة بقبطان او دونه، و تبقى العتبات النصية للرواية الخارجية والداخلية هي التي تؤشر على ان الرواية ! ذات بعد استقصائي، فالخارجية تتكون من (الغلاف الاسود و صورة الذئب المقعي تجاه قمر تام مشرق فيه شكل جمجمة من جهة وصورة الكاتبة الشخصية واقتباس من متن الرواية ) و الداخلية (الى – وعتبة الدخول في الحلم، وخاتمة، و اقرار ان كل ما كتب في متن الرواية عبارة عن احلام و خيالات و أخيرا المحتويات ) من هنا ندرك ان ما جاء في المتن هو مضمون اثنوجرافي حيث لا بد ان تكون هناك منطقة فاصلة بين ممارسة الكاتبة النسوية و بين تحليل المضمون الذي هو بدوره متغير، والعتبات تحول دون اندماجه، بسبب ان العتبات وثائق موجودة و ما غيرها مفقود، نجدها في الانساق القائمة بين السرد و سلطة الكاتبة ، لأن الكاتبة تتعامل مع نسوتها ( نادية، مروة، ملائكة، باجي نادرة، منال، ام الراوية، أم نادية الخ) ليس بناء على أساليب السرد إنما وفق بحث متداخل المناهج( 7) لأن الكتابة السردية التي انتهجتها الكاتبة تشبه الروبرتاجات البحثية التي تقوم بإجرائها الباحثات النسويات في الاثنوجرافيا، فيمكننا القول ان سلطة الكاتبة تفرض نمطا بحثيا على هيأة رواية، لاسيما ان ضمير الكاتبة ( أنا) يعطي هذا الملمح الشعري الانفعالي السيري، و يقربها الى عالم الحقائق، كأنما شهد الراوي تعيش ذلك العالم اللآيل للسقوط
2= ساعة بغداد ليست رواية قد يتقبلها القراء او لا فيها الكثير من الخيال التخييل والفنطزة و الرعب والتشاؤم و الجمال والحب و العلاقات العاطفية الحميمة (نادية و احمد و الراوية وفاروق، شروق خليل! بل هي نزعة نسوية في ضرب التاريخ العراقي الحديث السياسي والثقافي في ادراك شهد الراوي بعمق التحولات الجيوبوليتكية التي عصفت بشدة بالمنطقة، و تعصف بالعراق، لأننا نقرأ التحريات الاثنوجرافية في شكل الرواية، فهي جاءت على ترتيب امبريقي يقبل الجدولة ويصطنع الارشفة و يخضع لحلقة نقاش خارج المتن إذا ما أخضعت الرواية للبحث والدراسة خاصة في افق التوقعات التي المحت اليها الكاتبة، لأن شهد الراوي من جيل وعى المتغيرات الدقيقة الحساسة التي تقف وراء الانحدار القيمي للمجتمع العراقي، لهذا جعلت الرواية كأنها استقصاءات اثنوجرافية وحشدت لها أدوات البحث الامبريقي، الشخصيات الإشكالية التي خضعت للتيئيرعمو شوكت والمشعوذ، وباجي نادرة الاشارات الخفية للمسببات التي فرضت هجرة اغلب العوائل ووضع (ساعة بغداد) رمزا لعالم مهدد بالانسحاق تحت عجلة الزمن، فالزمن لدى الكاتبة يعني صورة الصراع بين الثابت و المتحول، في تاريخ معين، و ان اهتمام الكاتبة به امر طبيعي، لأن ميلها اليه يخدم رؤيتها في التاريخ والانثربولوجيا والاسطورة التي تسوغ لها الظهور الامبريقي، و لطالما اكدت النسوية على هذا المجال (8) من هنا انا أرى ان (رواية) ساعة بغداد بحث امبريقي في التحولات المجتمعية صورت بعين امرأة تخيلت ان ما يحدث هو بداية النهاية في زوال نمطي للمجتمع العراقي بقيمه القديمة بحلوها ومرها وصنع مجتمع هجين مغترب، ولعل محاكاتها للغرائبية في عرض المشاهد مبعثه الشطحات التخيلية للكاتبة، لكن مبرراتها ان احداث الرواية قد خرجت من الاحلام و الخيالات لتفرض واقعا محسوسا نراه حقيقة، و هذا ما تحرص عليه الاثنوجرافيا
إحالات
1==ساعة بغداد رواية شهد الراوي دار الحكمة – لندن الطبعة الخامسة 2018
2- مدخل الى البحث النسوي ممارسة و تطبيقا شارلين ناجي هيسي – بايبر باتريشا لينا ليفي ترجمة و تقديم هالة كمال القاهرة 2016 ص 285
3-المصدر نفسه ص 286
4-المصدر نفسه ص 287
5-المصدر نفسه ص290
6- المصدر نفسه ص 291
7- المصدر نفسه ص 373
8- مدخل في نظرية النقد النسوي و ما بعد النسوية حفناوي بعلي الطبعة الاولى الدار العربية – ناشرون 20009ص 168

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة