«النخلة والجيران» درة المسرح العراقي

بغداد – الصباح الجديد:

ان كانت هناك مسرحية يمكن استذكارها كلما ذكر الإنجاز على الخشبة، فهي النخلة والجيران، اذ شغلت هذه المسرحية منذ عرضها وحتى الان عقول كل المهتمين بالمسرح وخشبته.
النخلة والجيران، رواية ألفها الكاتب العراقي غائب طعمة فرمان, ووقع اختيارها كواحدة من ضمن أفضل مائة رواية عربية. أعدت الرواية مسرحيا،وقدمتها فرقة المسرح الفني الحديث،وكانت في مقدمة المسرحيات العراقية التي نالت أعجاب واستحسان الجمهور.
بُنيتْ أحداث رواية «النخلة والجيران» لـلروائي العراقي غائب طعمة فرمان على خلفية آثار الحرب العالمية الثانية في العراق، إذ صيغ نظام الحياة اليومية لشخصياتها في ضوء تداعيات تلك الحرب في بغداد، فظهرت منزوعة الإرادة، ومجرّدة عن أي فعل إيجابي، وما لبثت أن مضت في حال يكتنفها اليأس إلى نهايات مقفلة أدّت بها إما إلى الموت أو القتل أو الغياب، وبذلك تكون الرواية قد طرحت قضية التاريخ الراكد للأمة حيث يتلاشى الأمل بالتغيير، فكل شيء في تراجع مطّرد، إذ تستسلم معظم الشخصيات ليأس عام يخيّم عليها من كل جانب، وتذوي النخلة الوحيدة، وتباع الدار، ويهدم الإسطبل، وتكاد الحواري الطينية الضيقة تخلو من الحركة، وتبدو المشاركة الاجتماعية مشلولة، بل معطّلة، فقد انسدت الآفاق أمام شخصيات مهمّشة جرى تقييد إرادتها من طرف غامض، وأصبحت طيّ النسيان. فشرعت في الاقتصاص من بعضها بالطمع والقتل والخداع.
وكتب عنها المبدع الكبير يوسف العاني رحمه الله:
لحديث عن (النخلة والجيران) لا يمكن ان ينصب على المسرحية وحدها قبل ان نلقي ضوء على (الراوية) ذاتها ……. والتي كتبها القاص العراقي غائب طعمة فرمان واحدثت ضجة كبيرة في أوساطها الأدبية لما تميزت به من اصالة في تصوير قطاع كبير من شعبنا في فترة الحرب العالمية الثانية وما كان يلف حياتهم واجوائهم وسلوكهم . رواية (النخلة والجيران) ، قد اضافت الى الرواية العربية جهدا ادبيا يعتز به ادبنا العراقي .
هذه الرواية كانت محط اعجاب المخرج الشاب (قاسم محمد) وهو ينهي دراسته في موسكو …… فتوفر بعد موافقة الكاتب على (مسرحتها) واعدادها اعدادا فنيا يتلاءم مع متطلبات المسرح ، مع الحفاظ على على طابع الرواية وشخصياتها ، والتأكيد على ابراز مشاكلهم وابعاد شخصياتهم …… باذلا كل جهد ممكن لتجسيد احداث الرواية تجسيدا فيه الصدق في التعبير والاصالة في العرض .
وظل النص قيد الدرس بين المؤلف والمعد …….. وأحيل عرض النص على فرقة المسرح الفني الحديث ونوقش مرة اخرى ،وبحضور المؤلف (غائب طعمة فرمان) الذي زار العراق ، تم اجراء تعديلات طفيفة حرصا على ابقاء (النكهة) العراقية الصميمة في كل مشهد من مشاهد المسرحية ، وتأكيدا على اهمية البناء الدرامي الذي لابد وان يظل على نموه وصعوده في المسرح .
وبدأت التمرينات منذ اشهر طوال ….. فالعمل ليس سهلا ، وتكاد المسرحية تبتلع معظم اعضاء الفرقة فالشخصيات كثيرة ، ولابد من اختيار الممثلين الجديرين بتجسيد هذه الشخصيات ، واعطاء سماتها الاصلية ، ولايمكن التساهل في حذف شخصية ما ….. فالمؤلف قد طرح مجموعة من (الناس) ظلوا على ارتاباط مصيري فيما بينهم بالرغم من بعد كل واحد منهم عن الاخر .. وكان لابد للمخرج من ان يختار وجوها شابة تشارك ممثلينا المعروفين هذا العمل الكبير …… فلا غرابة اذن اذا ما شاهدنا في (النخلة والجيران) فتاة تقف على المسرح لاول مرة (تماضر عبد الوهاب) لتمثل شخصية (تماضر) ومعها (زينب) و(ناهدة الرماح) …… وشابا مازال في مراحل دراسته الفنية (فاضل خليل) يمثل دور (حسين) ومعه (يوسف العاني) و(وخليل شوقي) و(سامي عبد الحميد ) و(كريم عواد) .
وتجربة (النخلة والجيران) لا تكمن اذن في تحويل رواية عراقية الى المسرح ….. بل هي تتسع فتدخل في اكثر من مجال ….. حتى التجربة التكتيكية البحتة ……. في وضع (12) منظرا على قاعدتين متحركتين صممها الفنان (كاظم حيدر) .. لتسهل على الفنيين وعلى المشاهدين ايضا … نتابع المشاهد والمناظر .. بلا اسدال ستارة وضياع وقت في تثبيت منظر او ازالة اخر …. وحين تأتي الموسيقى التي وضعها (حسين قدوري) …….. مستوحاة من اغاني عراقية شائعة في تلك الفترة ….. فترة الحرب العالمية الثانية ، تصبح التجربة مدعاة اعتزاز ،بالذين توافروا على خلق هذا العمل المسرحي الكبير الذي سننتظره بفارغ الصبر ، ليقول الجمهور رأيه فيه ..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة