خمس رسائل كتبت من خمس فنانين تختلف اتجاهاتهم على مستوى العالم، اخترنا اثنتين منها ليس لأنهما
الأقرب الينا، ولكن لأنها تحمل الهم المشترك، الهم في ان يبقى الانسان وان يعم السلام.
رسالة اليوم العالمي للمسرح للكاتبة اللبنانية مايا زبيب
اختارت الهيئة الدولية للمسرح خمسة شخصيات مسرحية من خمس دول مختلفة لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح.
واختارت الكاتبة مايا زبيب، لبنان ممثلة عن الدول العربية، وهي مخرجة وممثلة وكاتبة مسرحية، عضو مؤسس لفرقة زقاق المسرحية، وعن أفريقيا تم اختيار ويري ويري ليكينغ من ساحل العاج، وعن أوروبا سايمون ماكبرني، المملكة المتحدة وهو ممثل وكاتب ومخرج مسرحي والمؤسس الشريك لمسرح كومبليسيت، وعن الأمريكتين المؤلفة والكاتبة المسرحية سابينا بيرمان من المكسيك، وعن آسيا ومنطقة المحيط الهادي تم اختيار المخرج المسرحي والممثل رام غوبال باجاج من الهند.
وينشر “البوابة نيوز”، رسالة اليوم العالمي للمسرح عن الدول العربية والتي قامت بكتابتها المخرجة المسرحية والكاتبة مايا زبيب، لبنان، والتي جاء نصها كالتالي:
“هي لحظةُ من التواصل، هو لقاءٌ لا يمكن أن يتكرّر ولا يمكن وجوده في أي نشاطٍ علمانيٍ آخر. إنها ببساطة بادرة من طرف مجموعةٍ من الناس اختاروا أن يجتمعوا معًا في نفس المكان والزمان للمساهمة في تجربةٍ مشتركة. إنها دعوة لأفرادٍ كي يشكّلوا مجموعة، ويتبادلوا الأفكار، ويتصوّروا سبل تقسيم عبء الأفعال الضرورية… كي يستعيدوا ارتباطهم الإنساني رويدًا رويدًا، ويجدوا أوجه التشابه بينهم. إنه المكان الذي يمكن فيه لقصةٍ معينة أن ترسم خطوط العالمية… هنا يكمن سحر المسرح حيث يستعيد التمثيل خصائصه القديمة.
في ظل ثقافة الخوف من الآخر المستشرية عالميًا، والعزلة والوحدة، يصبح تواجدنا معًا هنا والآن، فعلًا من المحبة. أن تبتعد عن الإشباع الفوري والانغماس الذاتي في مجتمعاتنا ذات النزعة الاستهلاكية العالية والتطور المتسارع وتقرر أن تأخذ الوقت للتفكير والتأمل في الآخرين، فذلك بحدّ ذاته فعلٌ سياسيّ وهو عملٌ فيه ما فيه من السخاء.
كيف يمكننا إعادة تصوّر مستقبلنا بعد سقوط الأيديولوجيات الرئيسية وبعد ثبوت فشل النظام العالمي الحالي على مرّ العقود؟ ولما كانت السلامة والراحة هما الشاغل الأساسي وذو الأولوية في الخطابات السائدة، فهل ما زال يمكننا الخوض في نقاشاتٍ غير مريحة؟ هل يمكننا أن نخطو تجاه المناطق الخطرة دون الخوف من فقدان امتيازاتنا؟
اليوم أصبحت سرعة المعلومات أكثر أهمية من المعرفة، وأصبحت الشعارات أكثر قيمةً من الكلمات، وصور الجثث أكثر تبجيلًا من الجسد الإنساني الحقيقي. هنا يأتي المسرح، ليس فقط ليذكّرنا أننا مصنوعون من لحم ودم وأنّ لأجسادنا وزنًا، بل ليوقظ جميع حواسنا، ليقول لنا أننا لسنا بحاجةٍ للاستيلاء والاستهلاك بما تراه أعيننا فقط، فالمسرح يأتي ليعيد للكلمات قوّتها ومعناها، ليستردّ الخطاب من السياسيين ويعيده إلى مكانه الصحيح… إلى ساحة الأفكار والمناقشة، حيث الرؤية الجماعية.
من خلال قوّة الحكاية والخيال، يمدّنا المسرح بطرقٍ جديدة لرؤية العالم ولرؤية بعضنا البعض، وهذا من شأنه أن يفتح المجال للتفكير المشترك وسط الجهل الساحق للتعصّب. عندما يعود مجددًا وبكل سهولة الخوف من الآخر وخطاب الكراهية وسيادة الرجل الأبيض بعد سنواتٍ من العمل الشاق وتضحيات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم لمحاربة كل تلك الأمور المخزية… وعندما تُطلق النار على الأولاد والبنات في عمر الزهور في الرأس ويُسجنون لرفضهم الامتثال للظلم والفصل العنصري… وعندما يحكم متطرّفين غير متّزنين بعض الدول الكبرى في العالم… وعندما تلوح في الأفق الحرب النووية كلعبة افتراضية بين رجالٍ وصبيةٍ في مواقع السلطة… وعندما يصبح التنقّل مقصورًا أكثر فأكثر على عددٍ قليلٍ من المختارين، في حين أن اللاجئين يموتون في البحر، في محاولةٍ للدخول إلى الحصون العالية للأحلام الوهمية، حيث يتم بناء جدرانٍ أكثر وأكثر تكلفة، فأين يجب أن نسائل عالمنا؟ خاصةً في حين أن معظم وسائل الإعلام قد باعت مبادئها. ليس لنا إلا ألفة المسرح حيث يمكننا أن نعيد التفكير في حالتنا الإنسانية، وأن نتصور النظام العالمي الجديد بشكل جماعي، ليس فقط بالحبّ والرحمة ولكن أيضًا بمواجهةٍ بنّاءة من خلال الذكاء والمرونة والقوّة.
بما أنني من منطقة عربية، فإنني أستطيع أن أتحدّث عن الصعوبات التي يواجهها الفنانون في العمل، ولكنني أنتمي إلى جيل من المسرحيين الذين يشعرون بالامتياز لأنّ الجدران التي نحتاج إلى تدميرها كانت دائمًا جدران واضحة. وقد دفعنا هذا إلى تعلّم كيفية تحويل ما هو متاح ودفع التعاون والابتكار إلى أقصى حدوده، فقد قمنا بالعمل المسرحي في الأقبية وعلى أسطح المنازل وفي غرف الجلوس وفي الأزقّة وفي الشوارع. وكنّا نجمع جمهورًا حيثما ذهبنا، في المدن والقرى وفي مخيّمات اللاجئين. لقد كانت لدينا ميزة بناء كل شيء من الصفر في بيئاتنا، وتصوّر طرقٍ للتهرب من الرقابة، في حين أننا لا نزال نعبر الخطوط الحمراء ونتحدّى المحظور. تواجه اليوم هذه الجدران جميع المسرحيين في العالم، حيث لم يسبق للتمويل أن يصل لهذه الندرة وأن يتحول التهذيب السياسي إلى رقابةٍ جديدة.
وهكذا، فإنّ لمجتمع المسرح الدولي دورًا جماعيًا يلعبه اليوم أكثر من أي وقت مضى لمواجهة هذه الجدران المتنامية، الملموسة وغير الملموسة. اليوم هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة ابتكار هياكلنا الاجتماعية والسياسية بصورةٍ خلاقة، وبأمانةٍ وشجاعة لمواجهة أوجه القصور لدينا وتحمل المسؤولية تجاه العالم الذي نشارك في صنعه.
وبِوَصفنا صنّاع مسرح العالم، فإننا لا نتبع أيديولوجية أو نظام يرتكز على معتقدٍ واحد، ولكن نشترك في بحثنا الأزلي عن الحقيقة بجميع أشكالها، وفي مساءلتنا المستمرّة للوضع القائم، وفي تحدينا لأنظمة القوة القمعية، وأخيرًا وليس آخرًا، في نزاهتنا الإنسانيّة.
نحن كثيرون، نحن لا نعرف الخوف، ونحن باقون ههنا!
سيمون ماك ينشر رسالة اليوم العالمي للمسرح
اختير الكاتب الأمريكي «سيمون ماك بورني» المؤسس المشارك للمسرح من كومبليسيتي، لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح، عن قارة أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، والذي يمتاز بأسلوبه المسرحي المميز الذي يرتكز على الصورة القوية والمادية والشعرية للمشهد المسرحي.
وقال سيمون في رسالته: «نصف ميل من ساحل سيرنايكا في شمال ليبيا هو المأوى الصخري الشاسع، الذي يصل إلى 80 مترا بعرض 20 مترا باللهجة المحلية، اسمه «هوه فتيه» في عام 1951، أظهر تحليل التعارف عن طريق الكربون الاحتلال البشري من دون انقطاع ما لا يقل عن 100 ألف سنة، ومن بين القطع الأثرية المكتشفة، كان هناك عظم الناي من 40 إلى 70 ألف سنة مضت، وعندما سمعت هذا، سألت والدي «كان لديهم موسيقى؟، ابتسم في وجهي قائلا: «مثل كل المجتمعات البشرية» معربا عن سعادته أن يكون الممثل الأوروبي في يوم المسرح العالمي لهذا العام.
وأعلن سلفي وآرثر ميلر، في 1963 أن التهديد بحرب نووية كان له تأثير كبير على العالم في الوقت التي كانت فيه للسياسة والدبلوماسية وسائل مأساوية ضعيفة ومحددة، فإن المهمة الضعيفة والمتناقضة أحيانا في العمل الفني مكلفة بالمهمة الكبيرة المتمثلة في الحفاظ على الروابط بين جميع الرجال.
وأكد أن معنى كلمة «دراما» تأتي من اليونانية «دران» معنى «القيام، وكلمة المسرح تأتي من اليونانية «ثيترون»، الذي يعني حرفيا «مكان الرؤية»، وليس فقط للمشاهدة، ولكن نحن نفهم قبل 2400 سنة، بوليكليتوس الأصغر تصور المسرح الكبير من إبيداوروس بسعة 14000 شخص، والصوتيات مذهلة من هذا الفضاء في الهواء الطلق هو معجزة، يمكن أن تسمع مباراة في وسط المسرح، في 14000 مقعدا، كما في المسارح اليونانية، وعندما شاهدت الممثلين، رأيت أيضا المشهد وراء هذا لم يجمع فقط العديد من جوانب العالم اليوناني في وقت واحد والمجتمع والمسرح والعالم الطبيعي، ولكن أيضا جمع كل الأوقات، كما أثارت المسرحية الخرافات من التوتر الحالي، هل يمكن أن ننظر على خشبة المسرح ما سيكون مستقبلك النهائي الطبيعة.
وفي واحدة من أبرز البحث عن إعادة بناء مسرح شكسبير في لندن يرتبط أيضا ما تراه هذا الوحي خفيف وتضيء كل من المسرح والقاعة، ويمكن للفنانين والجمهور رؤية بعضهم البعض. دائما أينما نظرتم، هناك أشخاص..واحدة من العواقب هى أن تذكر المفارقات الكبرى، على سبيل المثال، هاملت أو ماكبث ليست مجرد تأملات خاصة، ولكن المناقشات العامة، فنحن نعيش في وقت يصعب فيه أن نشاهد بوضوح نحن محاطون أكثر الخيال من أي وقت آخر في التاريخ أو ما قبل التاريخ أي «حقيقة» يمكن أن يكون موضع نزاع، أي حكاية يمكن أن يدعي التركيز على «الحقيقة» والخيال على وجه الخصوص يحيط بنا باستمرار من يحاول تقسيمنا من الحقيقة من واحد والآخر فأننا منفصلون كبشر من الطبيعة، ولكن كما نعيش في وقت من الانقسام والتجزؤ، نعيش أيضا في زمن حركة هائلة أكثر من أي وقت آخر في التاريخ، والناس يتحركون كثيرا للممشى والسباحة إذا لزم الأمر، والهجرة إلى العالم كله وهذا مجرد بداية والجواب كما نعرف هو إغلاق الحدود.
فبناء الجدران يعني الاستبعاد والعزلة فنحن نعيش في نظام عالمي مستبد، حيث اللامبالاة هى المال والأمل سلعة من التهريب، وجزء من هذا الطغيان هو السيطرة ليس فقط من الفضاء، ولكن أيضا من الوقت الذي نعيش فيه يتجنب الحاضر وهو يركز على الماضي القريب والمستقبل القريب فليس لدي ذلك سأشتريه الآن وأنا بحاجة إليه فقد تم طمس الماضي العميق والمستقبل دون عواقب، فكثير من الناس يقولون إن المسرح لن يتغير أو يغير شيئا، ولكن المسرح لن يذهب بعيدا، لأنه هو الموقع، وأنا أميل إلى قول كلمة «ملجأ»، حيث يجتمع الناس معا وتشكل على الفور المجتمعات، كما فعلنا ذلك دائما بجميع المسارح هي حجم المجتمعات البشرية الأولى من 50 إلى 14000 من قوافل البدو إلى ثالث أثينا القديمة، ولأن المسرح موجود فقط في الوقت الحاضر، فإنه يتحدى أيضا هذه الرؤية الكارثية من الزمن، واللحظة الراهنة هى دائما موضوع المسرح فهي التي شيدت في عمل المجتمع بين المترجم والجمهور ليس هنا فقط، ولكن الآن وبدون تصرف الفنان لا يمكن للجمهور أن يؤمن دون اعتقاده، فإن الأداء لن يكون كاملا نحن نضحك في نفس الوقت أو نغضب أو نصطدم في صمت وفي تلك اللحظة، من خلال الدراما، نكتشف هذه الحقيقة الأكثر عمقا أن ما كنا نظن أن يكون التقسيم الأكثر حميمية بيننا، حدود وعي الفرد لدينا، هو أيضا بلا حدود إنه شيء نشاركه.
فهم لا يستطيعون وقفنا وكل ليلة سوف نعود وسيجتمع الممثلون والجمهور وستعيد إصدار نفس الدراما لأنه، كما يقول الكاتب جون بيرجر، «إن الشعور لعودة الطقوس متأصل بعمق في طبيعة المسرح»، وهذا هو السبب في أنه كان دائما شكل الفن من المحرومين، الذين، بسبب هذا التفكيك من عالمنا، فنحن جميعا أينما كان هناك فنانون ومتفرجون، ستكون هناك قصص لا يمكن قولها في مكان آخر، سواء في أوبرا ومسارح مدننا الكبيرة أو في المخيمات التي تؤوي المهاجرين واللاجئين من الشمال ليبيا والعالم أجمع سنكون دائما مرتبطة معا بشكل جماعي في هذا التعمير، وفي إبيداوروس ننظر كيف نشارك ذلك مع المناظر الطبيعية الأوسع لأننا ما زلنا جزء من الطبيعة وأننا لا نستطيع الهروب منها كما أننا لا نستطيع الهرب من كوكبنا، وإذا عقدنا الناي من برينايكا قبل 40000 سنة، فإننا نفهم أن الماضي والحاضر لا يتجزأ، وأن سلسلة المجتمع البشري لا يمكن أبدا أن كسر من قبل الطغاة.