الشعراء الموتى.. لم يعد هناك من يمثلهم

مقداد عبدالرضا

بسلك رفيع شدّه بين أكرة الباب والإطار, جلس فوق كرسي منخفض بعض الشيء, استل سكيناً من جيبه بهدوء, مررها على رسغه, وانخفض قليلاً ليسمح للسلك أن يمنع الهواء بالدخول إلى رئتيه حاسماً أمراً ظل يشغله طوال أكثر من ثلاثين عاماً, الموت هذا الظل المفزع خلق صراعاً حاداً بين الشهرة والموهبة, لم تكن المدية والشراين التي تقطعت سبباً للموت, إنما انحسار الهواء عن رئتيه, لم يكن روبن وليامز يشعر انّ حياته والنجاح الذي حققه متوافقاً مع طموحاته وقناعاته, فهو يشعر انّه أكبر من الذي حصل عليه, فتسربلت حياته في الادمان على الكحول والمخدرات وبالتالي كآبة حادة ثمّ موت تراجيدي غير مصدق, المؤتمر الذي عقد في كاليفورنيا حدّد سبب الموت وهو (الانتحار), النكوص المهني سبب الوفاة الرئيس, هذا الموت التراجيدي سبب صدمة كبيرة للعالم كلّه, يقف في المقدمة الرئيس باراك أوباما الذي أرسل برقية تعزية الى زوجة ويليامز سوزان شنايدر، جاء منها «كان روبن وليامز متعدد المواهب, فهو طائر محلق, وطبيب, وجني, ومربية, ورئيس وبروفسور, وكل مايقع بين هذه الأدوار, لقد كان وليامز من ذلك النوع الذي جاء من الفضاء ليحط بعبقريته على الأرض ملامساً كل الأرواح البشرية وكل القلوب بحنو ودفء, لقد أضحكنا وأبكانا, منح موهبته التي لاحدود لها بحرية وسخاء لمن هو بحاجة, قواتنا العسكرية المرابطة في أجزاء كبيرة من العالم, ولاياتنا الكبيرة, الشوارع, الناس جميعاً, نحن باراك أوباما وعائلته نقدم خالص التعازي الحارة الى عائلة روبن وليامز, أصدقائه ولكل من وجد في روحه ممثلاً له» .
من ناحية أخرى غرد الممثل ستيف مارتن على صفحته في تويتر, لايمكنني الصمت حيال موت روبن وليامز, انه ذلك الشخص الرائع صاحب الموهبة الاستثنائية والذي يمتلك روحاً متميزة. روزي ساندا كتبت» إنني لا أستطيع أن أعثر على الكلمات التي أعبر فيها عن حزني العميق تجاه هذه الخسارة الموجعة». «إنني الآن أسترجع لحظات ضحكي وبكائي مع وليامز في كل حياتي», هكذا عبرت الممثلة ميشيل رودريجرز, في حين أكدت المغنية ليني كزافيتس وهي تضع صورة وليامز, «لقد كانت معرفتي بك شرفاً».
ولد روبن وليامز في شيكاغو في الحادي والعشرين من تموز العام 1951 من أم امتهنت تصميم الأزياء وأب مدير عام في شكة فورد للسيارات, في العام 1973 تم قبوله من بين عشرين طالباً في معهد جيلارد للفنون, منذ تلك اللحظة أفصح عن موهبة كبيرة ومهمة, خاصة في تقليد الشخصيات المهمة, حتى انك تستطيع أن تلحظ ذلك في فلم جمعية الشعراء الموتى حينما استطاع أن يقلد الممثل مارلون براندو بطريقة رائعة, وكذلك حينما استضافه مقدم برنامج ستديو الممثل الذائع جيمس لبتون, إذ قدمه بطريقة رائعة, انه طاقة لاتصدق في الكوميديا, فقد استطاع أن ينتزع الضحك بطريقة مذهلة أكثر من أي شخص آخر على مدى تاريخ الكوميديا الطويل. وفي هذا البرنامج استطاع وليامز أن يقلد أكثر من عشر شخصيات بطريقة رائعة.
استطاع وليامز أن يضع أول قدم له في الشهرة عن طريق مسلسل تلفزيوني يحمل عنوان موروك وميندي 1978-1982, لكن هذا العمل لم يكن الأول في حياته المهنية, هناك أعمال عدة منها ريتشارد بوير شو1977 و داخل الضحك 1977, ثمانية تكفي 1977, أميركا في الليل 1978, لكن الخطوة الأهم كانت في السينما حيث قدم واحداً من أجمل أدواره على الاطلاق مجسداً الشخصية الكارتونية (بوباي) لينتزع تصفيقاً طويلاً وثناء كبيراً من النقاد, هذا الفلم وضعه في الشهرة تماماً حيث تهافتت عليه هوليوود فقدم عملاً أكثر روعة من السابق ( صباح الخير فيتنام ) ذلك البرنامج الذي كان يقدم خلال الحرب بين أميركا وفيتنام والذي ينتهي ب» صباح الخير فيتنام», وحتى في اللحظة التي توقف فيها قلب وليامز, لوح له سلاح الطيران الأميركي معزياً ب» صباح الخير فيتنام».
استمر وليامز بالصعود وحصل على جوائز عدة في الغولدن غلوب والبافتا, في العام 1989 وتحت قيادة المخرج بيتر ويير, قدم واحداً من أروع أدواره الذي سيظل طويلاً في الذاكرة, انه الفلم الأثير والرائع «جمعية الشعراء الموتى», رشح فيه للأوسكار كأفضل ممثل رئيس, لكن دانيال دي لويس اختطفها عن فلم قدمي اليسرى, ظل وليامز يترشح ويحصل على جوائز كثيرة, لكن أهمها كانت جائزة الأوسكار كممثل ثانوي عن فلم good will hunting, هذا الحصول لم يكن يقنعه حيث يعتقد انه يمتلك طاقة أكبر واهم وهذه الطاقة غير مستثمرة مما دفعه هذا الحال الى الادمان منذ العام 1988.
مثل وليامز في أقلام كثيرة تقدر ب 60 فلماً نذكر أهمها
بوباي
صباح الخير فيتنام
العالم اعتمادا على كراب
السيدة دوبتفاير
جمعية الشعراء الموتى
Good will hunting
وليامز سبق له أن دخل المصحة في وقت سابق من هذا العام ليتمكن من السيطرة على ادمانه ويعود ممثلاً بارعاً, لكنه لم يستطع حيث أنهى حياته في الحادي عشر من شهر آب للعام 2014 مخلفاً وراءه انجازاً لن ينسى أبداً… يذكر إن لديه فلماً يحمل عنوان «ذات ليلة في المتحف» لم يعرض الى الآن, يمثل فيه شخصية تيدي روزفلت من المقررعرضه في التاسع عشر من شهر أيلول المقبل, أخيراً طلبت زوجة وليامز سوزان شنايدر باحترام خصوصية العائلة في هذا الوقت المليء بالحزن العميق وذلك في بيان وزعته وسائل الاعلام قالت فيه:»هذا الصباح فقدت زوجي وصديقي المقرب, وفقد العالم واحداً من أهم ممثليه المحبوبين وانساناً رائعاً, نطالب الجميع احترام خصوصيتنا خلال هذا الوقت العصيب, أرجوكم عندما يتم ذكره نأمل أن لايكون التركيز على موته المأساوي, وإنمـا على الدقائق التي لاتحصـى ولاتعد من البهجة والضحـك التي منحها للملاين خـلال مسيرته الفنيـة».

سيرة

ولد روبن ويليامز لأب من أصول ايرلندية إنجليزية، وكان والده روبرت فيتزجرالد ويليامز Robert Fitzgerald Williams يعمل مديراً تنفيذياً في شركة فورد، أما أمه لوري: Laurie فكانت تعمل عارضة أزياء وهي من أصول فرنسية. نشأ روبن ويليامز في مارين كاونتي كاليفورنيا حيث التحق هناك بثانوية ريدوود: Redwood High School ومن ثم في بلومفيلد هيلز – ميشيغان حيث التحق بكلية ديترويت الصباحية: Detroit Country Day School وهي كلية خاصة تخرج منها العديد من المشاهير منهم ستيف بالمر المدير التنفيذي الحالي لشركة مايكروسوفت. في العام 1973 اختير روبن ويليامز مع كريستوفر ريف من بين ألفي طالب للالتحاق بمدرسة جوليارد للفنون (Juilliard)، وهي من أهم المعاهد في العالم لفنون التمثيل، التحق الاثنان هناك بالعديد من الدروس المشتركة وتكونت هناك بين الاثنين صداقة عميقة امتدت لغاية وفاة الممثل كريستوفر ريف العام 2004، وبينما أن أسلوب كوميديا روبن ويليامز لم تعجب كل أساتذته فإن تمثيله الدرامي لاقى استحسان الجميع.
كانت بداياته كمؤدي وصلات كوميدية فردية في بعض نوادي سان فرانسيسكو وبعدها التحق باستوديوهات إن بي سي في أول دور رئيسي له في مسلسل (Happy Days) في شخصية (Mork) الزائر من الفضاء الخارجي.
وفي هذا المسلسل أعطيت لروبن ويليامز الحرية لارتجال معظم حواره فأدى الدور بطريقة بارعة جسدياً ولفظياً. وبعدها أدى العديد من الأدوار التلفزيونية الرئيسية والثانوية في مسلسلات مثل (StarTrek) و(Whos line is it anyway) وفي الوقت نفسه وخلال فترة السبعينيات والثمانينيات استمر بتأدية وصلاته الكوميدية الفردية والتي حظيت بشهرة كبيرة وكان آخرها (Robin Williams Live on Broadway) عام (2002).
يرجع الفضل في شهرة روبن ويليامز إلى السينما التي تطغى على معظم أعماله الفنية، وكان أول دور سينمائي له في فيلم (Popeye) العام (1980) ومن ثم قام بدور البطولة في عدد من الأفلام التي لم تلاق نجاحاً كبيراً إلى أن أدى دور المراسل الحربي في فيلم (Good Morning Vietman) والذي ترشح عنه لجائزة الأوسكار العام (1988) كأفضل ممثل رئيسي، واستمرت بعد ذلك نجاحاته في أفلام (Dead Poets Society) العام (1989) و(The Fisher King) العام (1991) وقد ترشح عنهما أيضاً لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل رئيسي، ولكن لم يحالفه الحظ، إلى أن أدى دور الطبيب النفسي في فيلم (Good Will Hunting) العام (1997) وفاز عنه بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل ثانوي، كما فاز بجائزة الغولدن غلوب عن فيلم (Mrs. doubtfire) عام (1993)، وقدم فيلم جومانجي العام 1995، قام روبن ويليامز أيضاً بأداء الأصوات لعدد من الأفلام الكرتونية التي لاقت نجاحاً كبيراً مثل (Aladdin) و(Robots) وآخرها (Happy Feet).

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة