المدني.. والسياسي !

التثقيف للممارسة الديمقراطية في الانتخابات يستلزم وعيا بقوانين العملية الانتخابية وفهما وتبصرا بمواد الدستور ودراية بالتداول السلمي للسلطة وكان من المفروض ان يشهد العراق منذ سنوات التغيير التي اعقبت سقوط النظام السابق حراكا مدنيا مدعوما من الدولة لنشر الوعي والتثقيف بالتعددية ومفاهيم الديمقراطية والاوجه العملية لممارستها ولربما كانت هذه المهمة هي الاوجب في سلسلة المهام التي كانت تستهدف التهيئة والاعداد لاجيال عراقية لم تتلق طوال اكثر من ثلاثة عقود من الزمن سوى خطاب شمولي احادي اراد القائمون على السلطة من خلاله تكريس مفاهيم الاستعباد والاذلال والتفرد وتغييب الراي الاخر وحتى لانبخس جهود الاخرين فان السنوات الاولى التي اعقبت التغيير شهدت انبثاق عدد من منظمات المجتمع المدني وتصدى عدد من النشطاء المدنيين للكثير من المبادرات من اجل الدفاع عن مكتسبات التغيير ومحاولة الوصول الى مستويات عميقة من فئات الجمهور المستهدف والتذكير بالحقوق الديمقراطية التي افردها النظام التعددي والتنبيه الى سلسلة الانتهاكات التي اقدمت عليها العديد من الاحزاب والمجموعات والافراد الا ان ماحصل بعد هذا الحراك ان تيارا حزبيا جارفا واجه هذا الحراك المدني وانبرت احزاب السلطة واحزاب اخرى منافسة متحالفة معها او معارضة لها في تكريس مفاهيم العمل الحزبي وافراغ الحراك المدني من محتواه واستبداله بالحراك السياسي القائم على التثقيف بالحزبية واعادة صياغة خطاب السلطة الشمولي وتوظيفه بخطاب حزبي مقيت انتج لنا نظاما محاصصيا وعزز من سلطة الاحزاب على حساب النشاط المدني وبات العراق اليوم محتاجا الى جهود كبيرة ومضاعفة من اجل اعادة التثقيف بالحراك المدني المتمثل بدعم المنظمات والجمعيات والمبادرات المعنية بالدفاع عن الديمقراطية والدفاع عن الدستور ووقف الانتهاكات ومواجهة الفساد وانحراف العملية السياسية عن هدفها بتأسيس دولة جديدة تكون للمؤسسات الكلمة العليا فيها بدلا من اختطاف الاحزاب لمقدرات هذه الدولة وتحكم الزعماء والمتحزبين فيها بمقاليد الامور ولربما كان التثقيف بالاجراءات والسلوكيات وقوانين العملية الانتخابية هي الخطوة الاولى التي تبتنى عليها الخطوات اللاحقة في سبيل تكريس النشاط المدني وابعاد او تهميش الحراك الحزبي او تضييق مساحات الحراك فيه وقد حانت اللحظة التي يجب فيها دعم حركة النشطاء المدنيين وتمييزها عن الحراك السياسي والحزبي الذي تبتغي من ورائه الاحزاب والكيانات السياسية تحقيق اهدافها ومصالحها السلطوية الضيقة على حساب مصلحة الوطن والدولة.
د.علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة