كاظم الحجّاج: يرى حُلم الأعمى ..

مقداد مسعود

شاعرٌ مثل كاظم الحجاج يحلم على مدار العمر: بمشاعية شعرية، يكون فيها استهلاك الشعر وإنتاجه: فعلا جماعيا.. ربما بالطريقة هذه يريد الحجاج كاظم أنّ يقوم بتعويضنا الجمعي عن مفتقدنا الجمعي الأكبر.ففي ليلة ٍ حالكة الغبار، أفتقدنا سرّ اللغة الكونية فتبلبلت الألسن والأفئدة.وبسبب بصيرته ِ وبصريته المتوجعة ، صار يؤّذن فينا (أنا لاأرى مدينتي الآن..أتذكرها فحسب)..ولم يتوقف عن مناسكه الشخصية، هاهو كل يوم/ كل قصيدة : يلتقط الأشياء المجروحة، ينفخ ُ فيها من غرين روحه، ويدوزنها بطغراءٍ مِن تصنيعه الشخصي.وكل ما يكتبه هذا الكاظم النحيل الجميل، كل مايكتبه : مصنّع في البصرة، وموّقع (إيقاعات بصرية). هو مسكون بزمن البراءة الأولى، وربما قبل أزالة معلم تراثي من معالم البصرة، وبناء فندق شيراتون على كورنيش شط العرب، وهاهي مخلوقته، المنبجسة من حبة قلبه، أعني(غزالة الصبا) تنادي البصرة قبيل آذان كل فجر
(يازمان الشناشيل دار الزمان) ..وغزالته مثله، فالحجاج وبشهادته غير المجروحة طبعا
(فأنا – مذ ولدتُ- أفتشُ عن جسد ٍ
قد يليق بروحي)..
وشاعرنا الحجاج، هو من المصابين بلوثة التجديد الدؤوب، لذا يوصينا(جدّد عينيك َ دوما) وفي قصيدة(عين الزيتون الأسود)..يعلن إنتسابه العياني ( نحن الدامعين وريثو عيون البكاء)..وهو مرشدنا إلى موجبات الرفض الرصين :
(أرفض!
بستطيع حتى الكرسي
أن يرفض بدينا – يجلس عليه –
بأن
يكسرَ نفسه)
كاظم الحجاج ليس مصاباً بنعمة/ لعنة النسيان، لكن البصرة بنسختها الأم،أجتاحتها غليانات همجية فلم يبق من النسخة الأولى، سوى (عجوز يُحب مدينته ُ بالأمس )وهو يطالبنا نحن الذين نعرف الأمكنة، أنّ نصونها في ذاكرتنا الجمعية :
(تذكروا حديقة الأمة في الكورنيش،
تذكروا الأثل َ والكورنيش
في النوروز: تذكّروا حدائق الأندلس.
تذكروا البلم العشاري)
وأعتمادا على قوة الشاعر التذكرية في أسترجاع الأوقات التي غدت الآن يوتوبيا. لاحل َ لدى الشاعر سوى أستعمال الشعر عقارا ضد النسيان وحين يتناول الحياة الميدانية شعريا
وتحديدا: اللحظات التي كان الشعر نفسه : نص حياتنا المعيش، لذا يحق للحجاج كاظم أنّ يحاورنا تساؤلياً
(هل نحن موجودون بالشِعر؟ أم في الشِعر؟
أم هو الموجود فينا؟)
مابين القوسين هي بحق شعرنة الشاعر لمقولة فلسفية تشمل : الوجود والموجود والأنوجاد لكن تفكيك المقولة فلسفيا: يضر بعافية المناسبة. إذن لنتوقف عند تصنيع القصيدة لدى كاظم الحجاج وهنا لابد من مواد خام وهي بالنسبة للشاعر(أشياء الشعر أولاً: الوردة الحمراء،البيضاء، الصفراء..هي شعر الحديقة الصامت، قبل أنّ ننطق: وردة حمراء،وردة بيضاء. وردة صفراء. الشعر جمال. والشعرالمكتوب جمال مسجون)
(*)
كاظم الحجاج من مشعليّ الحرائق الشجعان، فهو يرشقنا بهذه الجمرة الشعرية
(هل يستطيع شاعرٌ في الكون أن يرينا حُلما..أعمى ؟!)
الشاعر القرمطي العراقي المتنبي، تنافس/ تراسل مرآويا مع السلطة في زمنه
(أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي مَن به صمم)
لكن شاعرنا الحجاج،يستفز الشعور واللاشعور في الشعراء ويطالب بإجتراح معجزة فسلجية/ شعرية، ومايطرحه الشاعر ليس تعجيزياً،بل هو محاولة ناصعة تحاول تدريبنا على استجلاب الخوارق لإسعاد الإنسان المحروم بسبب عطل ٍ معين فيه وهنا يستبق/ يستفز علم جراحة العيون وغير العيون ..للمساهمة في جعل الإنسان سويا أسوة بالآخرين .. وفي السياق نفسه نتوقف عند قصيدة(عين الزيتون الأسود) ونقتطف مايخص العين ..
(أرأيت َ عيون الدجاج؟
تنطفي بعد ثانيتين مِن الذبح؟)
(احذر عين المقتول
فهي عقابٌ حتى الموت
لمن لم يُنقذ ذبح َ المذبوح )
ولنردد جميعاً، مع الشاعر كاظم الحجاج، ماجاء على لسان المخطوفة زينب ابنة بائع العصير..
(أبي
جَدّد الشمس َ حتى نرى
وفي الصبح أوقد لنا قمرا
فلا في المساء ولا في النهار نرى
نحن أبناء هذا العراق
تعِبنا من الركض ِ صوب الورا)

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة