بعد صراع طويل في ظلمات كهف التوافقية المقيت الذي اذاقنا المر على مدى سنوات .. ها هي الموازنة العامة للدولة لسنة ٢٠١٨ تخرج الى النور بفضل اللجوء الى اسلوب التصويت بالاغلبية من قبل مجلس النواب ، على الرغم من محاولات العرقلة والسعي الى تأخير القانون بأي صورة من الصور من قبل بعض النواب والكتل من خلال اتباع لعبة كسر النصاب او إثارة الفوضى في قاعة المجلس ، ومثل هذا الاسلوب خبره العراقيون في السنوات الماضية ،بعد ان نجح اصحابه في الغاء وابعاد الكثير من القوانين المهمة التي كان من الممكن ان تغير الكثير من المسارات فيما لو تم اقرارها من قبل المجلس ، لاسيما تلك المتعلقة بالشأن الاقتصادي .
وباستثناء السنوات الثلاث الماضية ( ٢٠١٥-٢٠١٧) ، التي شهدت اقرار الموازنة في توقيت مناسب ، فان السنوات التي سبقتها كانت الموازنة فيها تمر بمخاض عسير قبل ان ترى النور ، الامر الذي كان. يؤدي الى عرقلة تنفيذ المشاريع وتعطيل مصالح الناس ، بل اكثر من ذلك ان عام ٢٠١٤ مر من دون موازنة نتيجة الصراعات العنيفة التي كانت تدور في ظلمات كهوف التوافق السياسي المقيت ، .. وكانت الخشية من ان يمضي عام ٢٠١٨ على خطى سلفه ٢٠١٤ من دون موازنة ، ومما عزز من تلك المخاوف هو ان مجلس النواب في طريقه الى انهاء مهامه لكونه في الايام الاخيرة من دورته الحالية ، ولو مر شهر آذار من دون التصويت على الموازنة ، فعلينا حينها ان ننتظر عودة السيد دبش !! ..
المهم ان محاولات العرقلة باءت بالفشل بسبب وجود ارادة حقيقية لدى الاغلبية من اعضاء مجلس النواب في تمرير الموازنة التي ينتظرها الناس بفارغ الصبر ، اذ كلما تأخرالمشروع كلما شهدت مفاصل الحياة العامة ارتباكاً واضحاً ، وعلى الرغم من مضي اكثر من شهرين من عام الموازنة وهي التي كان ينبغي اقرارها قبل نهاية العام المنصرم ، ولكن يمكن القول ان التصويت على المشروع بمواده الثمانية والاربعين وبما اضيف اليه من مواد اخرى يمثل انتصاراً حقيقيا ربما يعد الاول من نوعه لارادة الاغلبية ، مقابل «ارادة» التوافقية التي تدور في كهوف مظلمة ، واذ ينجح مجلس النواب باقرار اخر موازنة في دورته الحالية ، بما تضمنته من مواد مهمة لعل من اهمها الغاء نسبة الاستقطاع من رواتب موظفي الدولة البالغة ٣،٨٪ من مجموع الراتب وهذه الخطوة من شأنها ان تمثل رسالة تطمين حقيقية لملايين العاملين في مؤسسات الدولة الذين كانوا خلال الاسابيع الماضية نهباً للشائعات والمفرقعات الاخبارية التي تتحدث عن زيادة نسبة الاستقطاع وان عام ٢٠١٨ سيشهد شحة في الموارد قد تنعكس على الرواتب ، واخبار اخرى تتحدث عن الغاء اجازة الاربع سنوات ، ليأتي القانون الجديد بالخبر اليقين ، ان اجازة الاربع سنوات زيدت الى خمس .. فضلا عن مواد اخرى مهمة تضمنها القانون فيها امل للناس . .. ولكن الكلام اعلاه لايعني بأي حال من الاحوال ان موازنة 2018 هي الموازنة الانموذجية التي تلبي متطلبات التنمية ، بل فيها الكثير من الهنات والاشكالات الحقيقية . .. ولكن ايضا ان مايمكن قوله هنا ان اقرار قانون الموازنة باعتماد مبدأ الاغلبية من شأنه ان يؤسس لمرحلة جديدة سيتمكن خلالها العراقيون من الاجهاز على آخر معاقل التوافقية والمحاصصة ومشتقاتهما ..
عبدالزهرة محمد الهنداوي
موازنة الأغلبية !
التعليقات مغلقة