شغلت المفاوضات العراقية ـ الأميركية لتنظيم الانسحاب العسكري من الأراضي العراقية قسطاً كبيراً من اهتمامات الرأي العام العراقي والإقليمي والعالمي على السواء .. واحاط بهذه العملية الكثير من اللغط والمزايدات والمناكفات المشككة اولاً وغير الواقعية ثانياً أي ربط عناصر المفاوضات ببعض المفاهيم السياسية والايديولوجية المترسبة بكثافة في العراق وفي المحيط العربي والإسلامي ، لا وبل في المستوى العالمي .
ففي البيئة العراقية تصاعدت أصوات تتبنى التفاوض مع واشنطن من زاوية كسر المعادلة السياسية العقلانية التي تربطنا والإدارة الأميركية . وساد جو من المزايدات المنطلقة من التطلع الى الإيحاء بأن الإطار النهائي المنتظر من المفاوضات يجب ان يوضع تحت عنوان :هزيمة الولايات المتحدة في العراق وفشل احتلالها للبلاد .
وانسجمت هذه الاطروحات مع البيئة العربية والإسلامية التي استندت الى ارث العداء الايديولوجي لواشنطن وعدّت المناسبة فرصة لإعلان انتصار جماعات العنف والإرهاب المرتبطة بالقاعدة والتيارات السلفية على اميركا والنظام العراقي .
ومن الواضح ان المفاوض العراقي واجه مهمة شاقة ومعقدة ولكن الوفد العراقي اغتنى بتجارب مماثلة من التأريخ القريب والتشاور مع كل الأطراف المحلية والعالمية للوصول الى احسن الشروط المناسبة للوطن .
من هذه الزاوية يسجل كتاب الدكتور محمد حاج حمود رئيس الوفد العراقي للمفاوضات الذي قاد العملية بكل نجاح ومبدئية كيف نجح العراق بالرسو في شاطئ الأمان ضمن بحر العواصف الهائجة التي احتوت وطننا واوشكت على تضييعه . وتبادر ” الصباح الجديد ” الى نشر مقاطع أساسية من الكتاب المهم الذي صدر قبل مدة قصيرة من دار الثقافة للنشر والتوزيع .
الحلقة 3
“د. محمد الحاج حمود” كبير المفاوضين
تقديم ومراجعة السيد هوشيار زيباري
خامساً: المفقودون الكويتيون والممتلكات الكويتية
قرر مجلس الأمن في القرار687 (1991) إعادة جميع رعايا الكويت والدول الثالثة إلى أوطانهم والتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر لهذا الغرض . والبحث عن مصير المفقودين وإعادتهم الى الكويت كما طالب القرار بإعادة جميع الممتلكات الكويتية التي أخذت العراق في فترة الاحتلال .
وطلب مجلس الأمن في الفقرة (14) من القرار (1991) تعيين منسق رفيع المستوى للمسائل المتعلقة بإعادة أو عودة جميع الكويتيين ورعايا الدول الثالثة أو رفاتهم إلى أوطانهم، وإعادة جميع الممتلكات الكويتية ،بما في ذلك المحفوظات التي استولى عليها العراق .
لقد استوفى هذا الموضوع الكثير من البحث ،وباتت تقارير المنسق إلى مجلس الأمن خالية من أية مضامين مهمة وتكرر نفسها .وقد تعاملت الحكومة العراقية بعد سقوط النظام السابق وبالتعاون مع الحكومة الكويتية بكل شفافية وتم العثور على رفاة من المفقودين وتسليمهم إلى الحكومة الكويتية .كما أن الجهود مستمرة على المستوى الثنائي لاستكمال عمليات البحث والتحقق في هذه القضية وقد رصدت لجنة التعويضات عام 1999 ما يقارب (153) مليون دولار أميركي لعائلات المفقودين الكويتيين .وبعد معرفة مصير (241)مفقوداً كويتياً من أصل (609)أقرت لجنة التعويضات عام 2004 تعويضات مالية لعائلاتهم على معاناتهم النفسية والذهنية من خلال تسلمهم مبلغ (1100) دولار أميركي لكل شهر من تاريخ الفقدان وحتى تاريخ معرفة مصير المفقود على أن لا يتجاوز المبلغ (200) الف دولار .
أما بالنسبة للممتلكات الكويتية ،فالحكومة العراقية مستمرة في إعادة هذه الممتلكات حال العثور عليها .وقد سلمت فعلاً عدة دفعات منها بأشراف منسق الأمم المتحدة .برغم أن الكويت قدمت مطالبات بتعويض جميع الممتلكات التي فقدت حتى تلك التي أعادها العراق بحالة غير جيدة.
سادساً: برنامج النفط مقابل الغذاء
كانت آثار الحصار الذي فرضه مجلس الأمن على الشعب العراقي قاسية جداً أدت إلى انتشار الأمراض والمجاعة في البلاد .ولغرض التخفيف من هذه الويلات أنشأ مجلس الأمن نظاماً خاصاً سمح بموجبه للحكومة العراقية تصدير كميات محدودة من النفط لغرض شراء الأغذية الضرورية للسكان وشراء الأدوية المطلوبة لحالات المرض التي انتشرت بسبب الحصار.
فسمح للعراق ،بموجب قرار مجلي الأمن المرقم 986(1995)بتصدير النفط ومنتجاته على أن تودع عائدات الكميات المصدرة في حساب بي بيل لضمان يفتحه الأمين العام لحساب العراق، وذلك من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب العراقي .وعرف هذا الترتيب باسم (برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء) وقد وضعت المبالغ الناجمة عن تصدير النفط في حساب خاص في بنك (bnp paribas) ولا يصرف أي مبلغ منه لأغراض شراء المستلزمات الإنسانية إلا على وفق الشروط التالية :
1- أن تتم كل عملية تصدير للسلع بناءً على طلب حكومة العراق.
2- أن تضمن حكومة العراق توزيع تلك السلع على نحو عادل.
3-أن يلتقي الأمين العام تأكيداً موثقاً على وصول السلع المصدرة المعنية إلى العراق وبتأييد من مفتشي مستقلين يعينهم الأمين العام.
فسمح للعراق بموجب القرار (706) بتصدير كميات من النفط لاعتبارات إنسانية وبما لا يزيد عن (1,6)مليار دولار كل ستة أشهر . على أن يتمتع النفط المنتج بالحماية كما يتمتع حساب الضمان المنشأ لهذا الغرض بامتيازات وحصانات الأمم المتحدة .ثم جعل كمية النفط المسموح بتصديره مليار دولار كل ثلاثة أشهر وقد مدد مفعول هذا القرار لعدة مرات.ثم رفع سقف العائدات النفطية إلى (5,250) مليار دولار كل ستة أشهر وسمح للعراق بتصدير النفط ومشتقاته بما يعادل (1,4) مليار دولار لسد النقص الناجم عن تأخر ضخ النفط وهبوط أسعاره .وبعد ذلك سمح بتصدير كميات النفط لما يقابل (3,04) مليار دولار كل (180) يوماً.
وبعد أحتلال العراق وسقوط نظام الحكم عام 2003 ، طلب مجلس الأمن بموجب القرار 1483(2003) من المجتمع الدولي توفير المساعدةالإنسانية لشعب العراق ،وأجرى تعديلات تقنية مؤقته لبرنامج النفط مقابل الغذاء .فقد طلب من الأمين العام للأمم المتحدة إنهاء وتسليم الأنشطة التنفيذية للبرنامج ، وتسليم الوثائق ذات الصلة إلى سلطة التحالف المؤقته ،وطلب منه العمل على إنهاء البرنامج وتصفية جميع العقود المتبقية البالغ عددها(3009) عقود التي تبلغ قيمتها ثمانية مليارات دولار ، وإعادة المتبقي من المبالغ مقابل الغذاء والمسماة (لجنة فولكر) وقد رحب مجلس الأمن بإنشاء هذه اللجنة.
ملاحظات حول قرارات مجلس الأمن أعلاه:
لقد أستعرضنا فيما سبق ما اتخذه مجلس الأمن من قرارات بحق العراق نتيجة احتلال . ولابد من إبداء بعض الملاحظات حول تلك القرارات وكيفية اتخاذها وقيمتها القانونية :
1- لم يلجأ مجلس الأمن لمعالجة هذا الأزمة أولاً إلى أحكام الفصل السادس لتمكن العراقيين المعنيين من اللجوء إلى وسائل التسوية السلمية للمنازعات.
فميثاق الأمم المتحدة حدد وسائل عديدة لتسوية النازعات سلمياً،منها ما هو مذكور في المادتين (33)و(36). خاصة إن ما حصل من خلافات بين الكويت والعراق هي خلافات قانونية تتعلق بالحدود أو الحقول النفطية أو بإنتاج النفط والتي يمكن تسويتها بوسيلة من وسائل تسوية المنازعات السلمية الوارد ذكرها في الميثاق .وقد أعطى الميثاق في الفصل السادس لمجلس الأمن صلاحيات معينة لدعوة الدول اللجوء إلى تلك الوسائل قبل اللجوء إلى الفصل السابع ، إلا أن المجلس لم يستعمل تلك الصلاحيات وإنما ذهب إلى الفصل السابع مباشرة.
2- لقد مارس مجلس الأمن سلطات تعسفية وواسعة لا مبرر لها تجاه دولة عضو في المنظمة الدولية هي العراق. ويتجلى هذا التعسف في القرارات المتعلقة بعائدات العراق النفطية وبفرق التفتيش المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل والقيود على التسلح وفرض الحصار على العراق بكامله أو على مناطق معينة منه، وكذلك الأمر بالنسبة لتحديد وفرض الحدود الدولية والتعويضات كل هذه الإجراءات وغيرها سببت آلاماً كبيرة لأبناء الشعب. وأدت إلى تفشي الأمراض والجوع بينهم .من دون احترام منه لقواعد القانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة اللذان لا يسمحان باستعمال قواعدها كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية.
3-ألزام مجلس الأمن العراقي بدفع تعويضات عن الأضرار التي أصابت الدول الأجنبية ورعاياها .وأنشأ لهذا الغرض لجنة التعويضات ومنحها سلطات قضائية واسعة في تقدير وجود الضرر ومقدار التعويض عنه وفي ذلك تجاوز المجلس صلاحياته وفق الميثاق .
فليس للمجلس سلطة قضائية ليمنحها إلى جهاز تابع له هو لجنة التعويضات. أن المستقر في التعامل الدولي في مثل هذه الحالات ، بعد الإقرار بوجوب التعويض ،أن يجري التفاوض بين الدول المعنية لتقرير مقدار التعويض وكيفية دفعه.أو في الأقل تتفق الدول المعنية على تشكيل لجنة أومحكمة مشتركة بينهما لهذا الغرض ،كما حصل في حال تشكيل محكمة المطالبات الاميركية الإيرانية ،وأعطى لإيران حق المشاركة في اتخاذ القرار بشأن كل طلب تعويض مقدم نتيجة الاتفاق على مبدأ التعويضات في حين حرم على العراق من أية فرصة في المشاركة في مداولات الجهاز الإداري الذي أنشأه مجلس الأمن بحق العراق. وما كان على العراق إلا الإذعان للقرارات التي تصدرها لجنة التعويضات التابعة لمجلس الأمن.
وهكذا تجاوز مجلس الأمن صلاحياته المقررة وفق الميثاق وأخذ يمارس صلاحيات قضائية بحتة، وهي البت في طلبات التعويض المقدمة من المتضررين فتدقيق مطالبات التعويض وإثبات صحتها وتقدير الأضرار وتحديد مبالغ التعويضات هي مهام قضائية صرفة توكل اعتيادياً إلى محكمة أو هيئة تحكيم.
4- أن الحصار الذي فرضه مجلس الأمن على العراق بموجب قرارته المختلفة،وخاصة القرارين 661و665 أدى إلى نتائج كارثية على السكان في ميادين الحياة، وذلك بسبب انخفاض إنتاج النفط وتدمير القطاع الصناعي وقطاع الخدمات والقطاع الزراعي ، الأمر الذي أدى إلى زيادة معدل الوفيات بين السكان ،وخاصة فيات الأطفال ، وتدهور الوضع الصحي إلى درجة مخيفة نتيجة قلة الخدمات الصحية وسوء تغذية وتضرر شبكات المياه والصرف الصحي .كما أنخفض الالتحاق بالمدارس بنسب عالية،وتدهور الوضع النفسي والاجتماعي للفرد العراقي . ولم يستطع برنامج النفط مقابل الغذاء أن يوفر حلولاًلهذه المشكلات بسبب حاجة السكان المتزايدة لهذه الخدمات لما أحاط هذا البرنامج من فساد اسهم فيه مسؤولو النظام السابق وأصدقائه من الدول الأجنبية ،إضافة إلى مساهمة الأمم المتحدة في هذا الفساد.
5- إن مهمة مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق تنحصر بإعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما ووقف العدوان .إلا أن المجلس في القرار(687) فرض على العراق وضعاً دائمياً يتعلق بترسيم الحدود مع الكويت.وهذه سابقة وحيدة في التعامل الدولي، وهي ليست صلاحية مجلس الأمن ،حتى وان كانت ترتبط بحالة مهمة تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين ووقف العدوان .وكان على المجلس أن يكتفي في هذا الخصوص بدعوة الطرفين إلى تسوية مسألة الحدود بالوسائل السلمية على وفق الفصل السادس . وهذه سابقة خطيرة قام بها مجلس الأمن متجاوزاً بذلك صلاحيته وفق الفصل السابع .ولم يكتفِ المجلس بفرض ترسيم الحدود وإنما فرض أيضاً وسائل الترسيم والمواد التي يعتمد عليها في هذا الترسيم.
6- لقد أولت الدول الرئيسة في مجلس الأمن اهتماماً خاصاً لتنفيذ أحكام القرار(687) المتعلقة بنزع أسلحة العراق.وأنشأ القرار لجنة خاصة لمتابعة تنفيذ هذا الجزء من القرار.بالاضافة إلى تكليف الوكالة الدولية للطاقة الذرية للقيام بمهمة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وتدميرها .ومارست هاتان الجهتان مهامهما بنحو بعيد عن الدور الرسمي الموكل إليها ،مما أدى إلى خلق الأزمات بين العراق ومجلس الأمن بصورة متكررة وبرغم نظام الرقابة الصارم والشامل الذي تأسس بموجب القرار 715/1994،إلا أن اللجنة الخاصة والوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تؤشرا خلال الفترة الأخيرة من عملهما أية مخالفات جوهرية لالتزامات العراق بموجب القرارين (687) و(715).
ومع ذلك أستمر تفعيل ذلك القرار ونتائجه حتى 15/12/2010. وأنشأ لهذا الغرض لجنة خاصة للقيام بمهمة التفتيش والتحقق والرقابة ، كما كلف الوكالة الدولية للطاقة الذرية للقيام بالمهام نفسها فيما يتعلق بالأسلحة الذرية ، وبصرف النظرعن الطريقة التي اتبعتها اللجنة الخاصة والوكالة الدولية للطاقة الذرية في التفتيش والمراقبة ، فإنها توصلنا مع العراق إلى تدمير كافة تلك الاسلحة والمختبرات والمنشآت المتعلقة بها تدميراً كاملاً خلال سنوات نشاطها.
وقام العراق من جانبه بالإيفاء بجميع التزاماته بموجب القسم (ج) من القرار (687) وكان على مجلس الأمن أن يرفع الحصار عن العراق حسب الفقرة (22)من القرار نفسه بعد أن تأكد للجنة عدم وجود ما يتعارض مع القرارين آنفى الذكر .كما أن نظام المراقبة الذي أنشأ بموجب القرار 715 كان يعمل بنحو دقيق وباعتراف المسؤولين في اللجنة والوكالة.
وإزاء هذا الواقع ،اضطر مجلس الأمن إلى إصدار القرار (1409) في 14 آيار 2002 الذي خفف من الجزاءات المفروضة على العراق وسمح له باستيراد بعض المنتجات للاستعمال المدني ،ولكنه أبقى الحظر على الأسلحة ومدد العمل ببرنامج النفط مقابل الغذاء .
وبرغم ذلك أستطاعت الولايات المتحدة وحلفاؤها من أن تقنع مجلس الأمن إلى إصدار قرار جديد في 10/8/2002 برقم (1441) عاد فيه إلى القول أن العراق .. ما يزال في حالة خرق جوهري لالتزاماته المنصوص عليها في القرارات ذات الصلة … واوجب على العراق أن يقبل ..دون أي شرط القيام تحت إشراف دولي بتدمير جميع الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية وما يتصل بها. والقذائف التي يزيد مداها عن (150 كم) وأن يقدم ..بياناً بمواقع وكميات وأنواع جميع الماد ..وهدد القرار العراق بعواقب خطيرة نتيجة لانتهاكاته المستمرة لالتزاماته.وقد خلط القرار بين موضوعات مختلفة. فقد تحدث عن أسلحة الدمار الشامل وعن تصديرالإرهاب وعن حقوق الإنسان في العراق وعن المحتجزين الكويتيين والممتلكات الكويتية.
وبرغم انصياع العراق وتعاونه مع لجنة الرقابة والوكالة الدولية للطاقة الذرية وبشهادة المسؤولين فيهما ،أن مجلس الأمن أصدر هذا القرار بضغط وتوجيه من الولايات المتحدة . وقد أثبتت الأحداث اللاحقة أن إصدار هذا القرار جاء للتمهيد لاحتلال العراق فيما بعد برغم اختلاف أعضاء مجلس الأمن على هذا المعنى . فالولايات المتحدة وبريطانيا اعتبرتا ما ورد في القرار كافياً لاستعمال القوة المسلحة ضد العراق عند عدم امتثاله للالتزامات الورادة في القرار.
بينما ذهبت كل من روسيا وفرنسا والصين إلى القول أن القرار لا يجيز لأي دولة سواء منفردة أو بالتعاون مع غيرها باستعمال القوة المسلحة ضد العراق وإذا كان لاستعمال القوة ضرورة فلابد أن يكون جماعياً وبقرار صريح لا حق يصدر عن مجلس الأمن في حالة ثبوت خرق مادي للقرار.
والى رأي مشابه ذهبت المكسيك التي كانت عضواً في مجلس الأمن في ذلك الوقت.
وبرغم أن القرار 1441 لم يخول أي دولة باستعمال القوة واحتلال العراق ،وبرغم أن استعمال القوة في العلاقات الدولية تحدد بالحالتين الواردتين في المواد (41)و(42) و”(51) من ميثاق الأمم المتحدة وعلى وفق شروط دقيقة ،إلا أن الولايات المتحدة أنشأت تحالفاً من عدد دول لغزو العراق واحتلال أراضيه ومن دون أي تخويل من مجلس الأمن .مستندين في ذلك إلى حجة وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق . وقد أثبتت الأيام عدم وجود مثل تلك الأسلحة.
لقد استندت الولايات المتحدة على قرار مجلس الأمن 687/1991 لتبرير احتلالها العراق بحجة أن هذا القرار يجيز استعمال جميع الوسائل المطلوبة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن السابقة بما في ذلك القوة المسلحة . وتذرعت حكومة الولايات المتحدة بقيادتها لقوات التحالف لاحتلال العرق بحجة عدم التزام الأخير بتنفيذ التزاماته المفروضة على وفق قرارات مجلس الأمن ، وبرغم معارضة بعض أعضاء مجلس الأمن لهذا التفسير وكما بينا في أعلاه.
وبرغم عدم مشروعية احتلال العراق من قبل قوات التحالف ، فإنه يترتب على هذا الاحتلال الفعلي التزامات صارمة يفرضها القانون الدولي على قوى الاحتلال .فالمادة (43) من اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907 تفرض على قوات الاحتلال ضمان إدارة المرافق العامة بنحو لا يؤدي إلى الأضرار بالممتلكات العامة والسكان وإلى عدم تغيير النظام القانوني السائد في البلد المحتل . لذا فأن احتلال العراق من قبل قوات التحالف يعد خرقاً صريحاً وفاضحاً لميثاق الأمم المتحدة وللقانون الدولي يترتب عليه قيام المسؤولية الكاملة للدول التي قامت به. وبالتالي يترتب عليها تحمل المسؤولية الكاملة لتعويض جميع الأضرار التي أصابت العراق وشعبه جراء هذا الاحتلال الذي لم يحترم حتى القانون الدولي الإنساني ،بما فيها اتفاقيات جنيف لعام 1949 والاتفاقية الرابعة منها بنحو خاص التي توفر الحماية للسكان المدنيين والأماكن المدنية في جميع الأحوال.
وكان من نتيجة احتلال قوات التحالف للعراق أن أصدر مجلس الأمن عدداً من القرارات يمكن إجمالها تحت العناوين التالية :
1-القوّات متعددة الجنسيات:
قرر مجلس الأمن في القرار 1511(2003)تشكيل قوة متعددة الجنسيات تكون تحت قيادة موحدة لاتخاذ جميع التدابير المطلوبة من أجل الإسهام في صون الأمن والاستقرار في العراق وحماية المؤسسات العراقية الجديدة ومؤسسات الأمم المتحدة وطلب من الدول الأعضاء في المنظمة الدولية توفير القوات العسكرية للقوة المتعددة الجنسيات ،على أن تحدد مهامها ومسؤولياتها ووقت حلها فيما بعد. ومن الملاحظ أن وجود قوات الاحتلال في العراق ومن ضمنها قوات متعددة الجنسيات يستند إلى أحكام المادة (43) من اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 التي تحدد الوضع القانوني لهذه القوات على أراضي البلد المحتل دائمياً. فهذه المادة تقضي بالتالي:
أ-لا يعدّ الاحتلال العسكري(دائمياً) وإنما هو حالة قانونية مؤقته تستمر معها الشخصية القانونية للدولة المحتلة ولا تنتقل السيادة فيها إلى قوات الاحتلال حتى في حالة انهيار السلطة السياسية القائمة.
ب- تتمتع قوات الاحتلال بصلاحيات فعلية وقانونية لحفظ النظام العام وسلامة أفراد قوات الاحتلال ، بما في ذلك القيام بعمليات مسلحة لهذا الغرض .
ج- تقوم قوات الاحتلال بضمان إدارة المرافق العامة .وتصدر سلطة الاحتلال قرارات لها قوة قانونية وتنفيذية لهذا الغرض ،على أن لا يؤدي ذلك إلى تغيير النظام القانوني السائد في الدولة المحتلة .وقد أقر مجلس الأمن بنظام الاحتلال العسكري في العراق بالقرار (1483/2003) واعترف هذا القرار بسيادة العراق وسلامته الإقليمية استناداً إلى اتفاقية لاهاي المذكورة في أعلاه.
وبالفعل فقد حدد القرار 1546(2004)مهام هذه القوات ومنحها سلطة اتخاذ جميع التدابير المطلوبة للمساهمة في صون الأمن والاستقرار في العراق والعمل على منع الإرهاب وردعه لغرض إنجاح العملية السياسية وبناء قدرات القوات والمؤسسات الأمنية العراقية .وفقاً ما ورد في الرسالتين الصادرتين عن كل من وزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية ورئيس الوزراء العراقي الموجهتين إلى رئيس مجلس الأمن في 5/6/2004.
ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة يتوجب على القوات الأجنبي التي ترابط فوق أراضي دولة ما أن تبرم اتفاق دولي مع تلك الدولة ينظم وضعها القانوني ،ومن ضمن ذلك موضوع الحصانات التي تتمتع بها تلك القوات . ولكن مثل هذه الاتفاقية لم تبرم حتى الآن وإنما استند الطرفان إلى الرسالتين المذكورتين في أعلاه والمرسلتين إلى رئيس مجلس الأمن في 5/6/2004
والى قرار مجلس الأمن رقم (1483/ 2003) الذي استندت إليه سلطة الائتلاف المؤقتة لإصدار الأمر رقم(17) لسنة 2003 الذي شمل جميع أفراد القوات المتعددة الجنسيات والمقاولين والعاملين معها. وقد مددت ولاية هذه القوات عدة مرات إلى أن انتهت في 31/12/2008 وحل محلها اتفاق سحب القوات الاميركية من العراق لعام 2008.