(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 37
جاسم محمد*
تطبيقات جديدة على الانترنيت
يمتلك التنظيم حسابات تويتر مركزية لنشر الرسائل بالإضافة إلى حسابات محلية فى كل منطقة يوجد فيها عناصر التنظيم وتقوم كل منطقة من خلالها بنشر أخبارها المحلية. وهذا مايمكن التنظيم من تنفيذ عولمة “الجهاد” عن بعد وايصال خطابه الى اوروبا والغرب، الذي اصبح شبابها يحتل نسبة لابأس بها داخل التنظيم. هذا النوع من الخطاب مكنه من رفع راياته السوداء ومنشوراته في شوارع اوروبا علنا. كشفت التحقيقات عن قيام مجموعات دعوية من انصار التنظيم تنشط على شكل خلايا وجماعات منظمة من داخل اوروبا وهي تستخدم التقنية والدعاية الاوربية لكسب الشباب والحصول على الاهتمام الاعلامي.
فإن إستخدامه لا يقتصر على نشر الصور في إتجاه واحد بل يعمل على فهم حاجات جمهوره ومعرفة ردود فعلهم على شكل استبيان، اي ان خطابه الاعلامي يعتمد على التفاعل. رغم ان التنظيم يقوم على اساس القوة العسكرية والاستخبارية الميدانية، فأنه ايضا يقوم على العمل الدعوي التي عرفت بانها الخطوة الاولى نحو “الجهاد” الميداني ومن يجد اسلوب العمل الدعوي يفهم كيفية التفاعل والمشاركة وتحريك مشاعر الاخرين كون جماعات الدعوة معروفة بقدرتها الخطابية منذ الزمن قبل ان تظهر وسائل الاعلام الحديثة. ويعد أحمد أبو سمرة احد المسئولين عن إعلام التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعى. دول الاتحاد الاوروبي استضافت مسؤوليي غوغل وشبكة التواصل الاجتماعي في بروكسل منتصف شهر اكتوبر 2014 لمواجهة الخطر الاعلامي عبر الانترنيت الى هذه الجماعات، ويبدو ان الغرب يتخذ هذه الخطوة بنحو متأخر بعد ان ترك هذه الجماعات تنشط، ضمن تفسير فكر إستخباري ربما يضرب بتداعياته على عامة الشباب والمجتمعلت.
البعد الأعلامي
إن البعد الاعلامي الى التنظيم يتمثل بهدفه واغراضه بأستقطاب مقاتليين جدد الى التنظيم من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنيت والعلاقات الاجتماعية داخل المجتمعات. مايزال خطاب التنظيم موجها الى الجيل الرابع اوالخامس من “الجهاديين” الشباب ويتمتع باسهولة ومرونة الحركة مع التقنية والمعلومات والتطبيقات الفنية على اجهزة الكمبيوتر والتلفونات الذكية، بأستغلال المقاتلين الاجانب الموجوديين داخل التنظيم اكثر من المقاتلين المحليين وهذا ما كشفته اعترافات المنشقيين والمعتقلين من التنظيم بان التنظيم لا يدخل الاجانب بالقتال الميداني بقدر ما يستفيد منهم في الخطوط الخلفية والدعم اللوجستي ابرزها الاعلام والدعاية وبما المستشفيات الميدانية.
كيفية صناعة اعلام “الدولة الاسلامية”
كشفت استخبارات دول الاتحاد الاوربي خاصة في فرنسا والمانيا عن وجود شبكات تواصل احتماعي متخصصة او موجهة لاستهداف شريحة معينة قد تكون فئة النساء، تكون معنية باستهداف تجنيد النساء من اوربا والتحاقهن في سوريا. مايهدف اليه اعلام داعش هو الاستقطاب اي استقطاب الشباب لغرض الالتحاق بالتنظيم او ان يكونو من انصار التنظيم في دولهم، خصوصا في الغرب وهم غالبيتهم من الشباب مابين فئة ال 18 ـ 26 سنة. واظهرت التحقيقات الاستخبارية، بأن التنظيم يعتمد على أوروبيين شباب من اصول اسيوية، اكثرهم من اصول باكستانية في بريطانيا بأدارة نشاطاته الاعلامية الالكترونية لتظهر بانتاج ذات مواصفات وتقنية جيدة.
يركزالتنظيم على اظهار وحشية التنظيم والتمرد والسطوة التي تعد في بعض الاحيان حاجات عند بعض الشباب الذين يعانون من شعور التهميش سواء كان حقيقيا او وهميا ، والتي نجد في التنظيم وسيلة للانتقام والثأر. الوحشية، هي ابرز سمات هذه الجماعة التي فاقت القاعدة وتنظيمات اخرى والتي نتج عنها استقطاب مزيد من المقاتلين رغم انتقادات شيوخ الفكر السلفي “الجهادي” لهذه الجماعة ابرزهم ابو محمد المقدسي، الذي سبق ان انتقد الزرقاوي وطالب البغدادي ايضا ان يتقي الله في حرمة دماء المسلميين. يستثمر التنظيم حالة الوهج او انتصاراته الميدانية للحصول على مكاسب اكثر منها، تدفق مقاتليين جدد وبيعات من بقية الجماعات، وهذا ما ظهر تماما في اجتياحه مدن عراقية في يونيو 2014 بنحو سريع فاق جميع التوقعات والتي كانت تمثل قفزات ميدانية، فهو يعزز النصر على الارض بمزيد من الانجازات على الارض ليكمل على خصومه، ضمن مبدء “الصدمة والرعب” التي تقوم على عنصر المفاجأة وهذا ما عمل على حصول التنظيم بيعات جديدة وسحب بساط عولمة الجهاد من الظواهري والتنظيم المركزي.
الاعلام يصنع “الدولة الاسلامية”
ان نوعية ومصداقية وسائل الاعلام الناقلة الى اخبار ونشاطات التنظيم ايضا لعبت دورا هاما مثل ال” سي ان ان” ورويترو و”الف بي” الفرنسية والعربية وموقع سايت بالاضافة الى تويتر وشبكات خوادم انترنيت مثل الفيس بوك عملت على نشر نشاطات التنظيم بنحو اسرع. مثال على ذلك اهتمام الاعلام العربي والدولي بامتلاك طائرات مقاتلة في سوريا حصل عليها من قاعدة الجراح في حلب والطبقة في الرقة، عندما بالغت وسائل الاعلام بطريقة استخدام هذه الطائرات من قبل داعش واظهرتها في لقطات مصورة تحلق داخل القاعدة او اجرائات صيانة. رغم ان خبراء في الطيران والدفاع والتسلح، ذكروا بان هذه الطائرات لا تمثل الا خردة في سوق سلاح الجو، كون هذه الطائرات من النوع القديم وهي اف 21 و 32 ولاسباب فنية تقنية ابرزها: عدم وجود قطع غيار، وانها طائرات تدريب اكثر من ان تكون مقاتلة، والاهم ان هذه الطائرات تحتاج الى رادارات وفريق فني على الارض وهو غير متوفر، لكن الخبر اخذ مساحة اعلانية اكبر، وهذا يعمل على رفع معنويات التنظيم واستقطاب مقاتليين جدد في المقابل يعكس سلبيا على معنويات خصوم التنظيم. ويظهر الاعلام الغربي احيانا المخاطر الحقيقية للتنظيمات “الجهادية” بنحو متأخر او يقصد الترويج لاتخاذ خطوة سياسية، مثلما ركزت التقارير الاستخبارية على قلق وكالات الاستخبارات منها الالمانية بامتلاك “الدولة الاسلامية” وجماعات اخرى سلاح قاذفات “مانبادس” او ال( أس إي-7 و أس اي 14) والتي تستهدف الطيران على بعد ميلين .
كيف وظفت”الدولة الاسلامية” الاعلام
تستهدف “الدولة الاسلامية” في اعلامها فئة الشباب وفي اعمار مبكرة، وهذا يعني انها تستخدم التقنية الحديثة في الاعلام ابرزها تويتر والفيس بوك بعد ان كانت القاعدة تعتمد على وسائل الاعلام المسموعة والاقراص المدمجة. العبارات التي يستخدمها التنظيم في تويتر بنحو مختصر كانت تثير اعجاب المشتركين وتحصل على جمهور اوسع وكثيرا ما تناقلتها وسائل الاعلام الاخرى.
اظهر التنظيم الرومانسية على شبكته، رغم وحشيته وذلك من خلال التحاق بعض الفتيات ومنهن القاصرات للقتال مع داعش بعد ان تورطن في علاقات حب على الشبكة، البعض منهن ذكرن قصة التحاقهن بالتنظيم وكيف عاشت قصة حب رومانسية مع مقاتلي داعش، مما استقطبت اعداد جددة على شبكة التواصل الاجتماعي.
اما طريقة عرض الرهائن وذبحهم، فقد كانت موضع تهتمام وكالات الاستخبارات الدولية اكثر من الاهتمام الاعلامي، ابرزها هو ظهور الرهينة قبل ذبحه، بانه مستسلم وهاديء ورابط الجأش وهذا ما اثار الكثير من التسائولات، الهدؤ الذي يتمتع به الضحية قبل ان يواجه مصيره اثارة الكثير من التسائولات والطريقة التي يبعث بها رسالته الى حكومته او عائلته والراي العام كانت قوية وشديدة بدون ان يكون هناك تردد، وهذا ما يدعم التنظيم ومايدعيه من ايدلوجية ويصور للرأي العام بان مايعمله هو الصواب والعالم اجمع على خطأ وهذا ما عمل على استقطاب اكثر للتنظيم. بعض الخبراء المعنيين في التنظيم ذكروا بان القاتل يمارس القتل الوهمي الصوري اكثر من مرة مع الضحية، وربما يخضع الى عقاقير كيميائية او نظام غذائي يجعله غير مباليا بمصيره.
الطريقة التي يتم بها ذبح الرهينة ايضا اثارت الاهتمام، الاستخبارات والمعنيين في وسائل الاعلام ذكروا ان الطريقة التي يقدم بها هذا التنظيم مواده هي طريقة متقدمة جدا وباستخدام نوعية كاميرات واستوديهات متقدمة حتلى وصفوها بانها طريقة هوليودية، التقارير ذكرت بان التنظيم استعان بخبراء معنيين بالتصوير والمؤثرات السمعية والصورية في التصوير من خلال اعداد المقاتلين الاجانب.
وذكر خبراء في تقنية التصوير بان التصوير لم يكن في الصحراء بل كان داخل استوديو ليظهر تاثيرات الصوت واللون بطريقة هوليودية مؤثرة اكثر. يشار بان هذا التنظيم يختلف عن القاعدة والتنظيمات الاخرى، بانه لا ينتظر ان يأتي المقاتلين له بقد ما يتحرك التنظيم بانجاه الحصول على مقاتليين ذي خبرات معينة وخاصة منها مهندسي المتفجرات والاعلام مثلما يستعين بضباط اركان في عملياته العسكرية الميدانية.
“دابق” و “صليل الصوارم ”
التنظيم يستخدم وسائل الاتصال الحديثة لاثارة زوبعة اعلامية بين الشباب والجمهور اما من خلال تعليقات تويتر او الشبكة العنقودية، فأصدر التنظيم مجلة عالية الحرفية من حيث التقنيات الحديثة والإخراج وتوظيف الصور وجودتها، أطلق عليها اسم “دابق” وصدرت باللغتين العربية والإنكليزية، وتوزع نسخها المطبوعة، التي صدرت مؤخرا نسختها الرابعة، في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، في سوريا والعراق، فيما أرسلت نسخا منها عبر الإيميلات، وأعاد نشرها عدد من المواقع الداعم للتنظيم. أصدر سلسلة من الأفلام أشبه بالوثائقية، تصور عمليات التنظيم أطلقت عليها سلسلة “صليل السيوف ” آخرها الجزء الرابع الذي بلغت مدته ساعة كاملة، يصور عمليات التنظيم بجودة عالية تعكس حرفية في التصوير، واستخدام أحدث أجيال الكاميرات. أيضا أنتج داعش لعبة إلكترونية قتالية تحاكي استراتيجية التنظيم في عمليات القتال، ومشاهد كرتونية تحاكي عملياته التي صدّرها في فيلمه “صليل الصوارم.
* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة