الاستقلال مفهوم سيادي يتعلق بالقيادة السياسية الكردية الحالية، أما الإذلال فهو يتعلق بمصير الشعب الكردي جمعا وتفصيلا. بالأخير، وكما عودتنا التجارب الوفيرة والكبيرة التي مرّت على شعوب منطقتنا عموما، والعراق منها خصوصا، أن الأثمان الباهظة تدفعها الشعوب الفقيرة والمضطهدة وليس القيادات المحصنة والحكام البعيدون عن العقاب. المدرسة السياسية العراقية هي مدرسة واحدة متشابهة الدروس ومتشابهة الممارسات ومتشابهة العقلية. إنها مدرسة سياسية محلية عراقية متخلفة بالدرجة الأولى، لاتستطيع الفكاك من تخلفها السياسي والفكري إن وجد، وقوانينها العشائرية والطائفية البعيدة عن الممارسة السياسية الأكاديمية والعلم السياسي بعد السماء عن الأرض.
إنها مدرسة سياسية عراقية يوحدها التخلف والفقر السياسي المحترف ويسيطر على سلوكها العام العنف والتهور والغباء والعنجهية الفردية والقزومية القيادية. مدرسة سياسية متشابهة يوحدها العنف السياسي ضد شعوبها وضد إرادة التغيير الجماهيري التي تتغلب عليهم بالفكر والممارسة والوعي الديمقراطي. لكن القاسم المشترك الأعظم الذي يوحد المدرسة السياسية العراقية عربا وكردا هو الأدوات القمعية.
ينطلق قادة الأكراد بزعامتهم المحلية من منطلق ضعف الحكومة المركزية لنيل حقوقهم بالانفصال. وبدل أن يكسب قادة الأكراد ثقة الشعب العراقي بعربه وأقلياته وقومياته جميعا، وتلك هي فرصتهم التاريخية لقيادة العراق والحصول على المكاسب الرئيسية التي تتعلق بمصير شعبهم ومستقبله القادم، راح أولئك القادة الذين لا يحبهم شعبهم كثيرا ولا يثق بهم كثيرا من كثرة القمع وأساليب الحكم التعسفي غير الديمقراطي، وعدم العدالة الاجتماعية التي حولت بعض الساسة إلى مليارديرية والفقر يتفشى بين صفوف الفقراء. هؤلاء القادة الذين ينادون بالديمقراطية هم من المدرسة السياسية العراقية الدكتاتورية ذاتها التي لا تعرف سوى الانفراد بالحكم المطلق.
بالمعنى السياسي الاستراتيجي يمكننا القول علميا أن حكم ذاتي قوي للاكراد ضمن الدولة العراقية هو أفضل بكثير من دولة ضعيفة لا تتمتع بمواصفات دولة متكاملة خاضعة لشروط الدول الأخرى. الخطر الذي يتهدد الشعب الكردي بالعراق هو أقل بكثير مما يهددهم عندما ينفصلون عن محيطهم الطبيعي. سوف تتحول المعادلات السياسية برمتها ضد الأكراد من جميع الجهات. نطمح بشكل حقيقي إلى نيل الأكراد كامل حقوقهم بما فيها حق الإنفصال، ونادينا بذلك بأكثر من محفل سياسي خاص وعام، لكننا نحرص على مستقبل الشعب الكردي من ويلات الأنظمة المتخلفة التي تحيق بالمنطقة. حق تقرير المصير مكفول للأكراد وجميع القوى الوطنية تساند هذا الحق التاريخي. الوقوع بالمنزلاقات السياسية الآنية على حساب الدولة العراقية لا يصب بمصلحة الشعب الكردي حسب جميع الرؤى والدراسات السياسية الأكاديمية. حكم ذاتي كردي قوي أفضل من دولة كردية ضعيفة.. ربما..