زاهر نصرت
يواجه القطـاع الزراعي في العراق مصاعب لا حصر لها وهي متراكمة منذ عقود ماضية والتي شهدت تبنياً لسياسات تفتقد للتفكير الاستراتيجي وتطغي عليها إجراءات ارتجالية ترقيعية هي ابعد ما يكون عن الرسم العلمي السليم لسياسـة تنموية مستدامة ونحن اليوم نشهد تدهوراً في الزراعة من عدة جوانب أهمها تقلص مجموع المساحات الصالحة للزراعة وانخفـاض انتاجيتها وهـذا يقودنا إلى تأشير البدائية في طرق الزراعة والتخلـف في استخدام التقنيات الحديثة والاساليب التي تعتمد العلم وانجازاته الكبيرة وهناك واقع المياه وتردي نوعيتهـا فضلاً عـن التصحـر والجفـاف وازديـاد ظاهـرة الغبار المصحوب بالعواصف الرملية والمشكلات البيئية الأخـرى، اما واقع الثروة الحيوانية فهو لا يقل سوءاً عما يعانيه القطاع الزراعي النباتي ويتجلى ذلك في صور شتى منها الانخفاض الكبير في إعداد الماشية وتدهور صناعة الدواجن.
إضافة الى ما ورد أنفاً فأن المشكلة الأكبر هي قضية الأرض وما يرتبط بها من تشريعات وقوانين وهناك حاجة ملحة لإعـادة النظر ببعـض هـذه القوانيـن ومنهـا مثـلاً القانـون 35 لسنـة 1983 لجهـة تشجيع الاستثمارات الزراعية واستغلال الأراضي الشاغرة وخصوصاً الصحراوية والديمية منها لتحقيق أوسع قدر ممكن من الإنتاج الزراعي وهناك مشكلة تدهور الأرض فنحن نفقد أراض صالحة للزراعة كل سنة والرقعة الزراعية تتقلص مع مرور الزمن بدلاً من ان تتوسع وهذه قضية في غاية الخطورة وتشكل تحدياً كبيراً امام أي مسعى فعلي لتحقيق تنمية زراعية حقيقية حيث تنتصب قضية تدني إنتاجية الأرض كأحد التحديات الرئيسة في قطاع الزراعة وتلك أسبابهـا متنوعـة ترتبـط بتزايـد ملوحـة التربـة والتصحـر وقلـة الأراضـي الديمية والتخلف في استخدام المكننة الزراعيـة ومحدودية المكافحة الزراعية وتدني عمليات تهيئة الأرض وعدم الاهتمام بالزراعة العضوية وانعدام التكامل الزراعي – الصناعي.
ومشكلـة أخـرى ترتبـط بفقـدان او ضعـف التنسيـق بيـن الجهـات او الـوزارات المعنيـة بالقطـاع الزراعي، هذا التنسيـق الـذي تمليه الحاجة لتوحيد السياسات المتبعة في هذا المجال لكل من وزارة الزراعة، وزارة المالية، وزارة النقـل، وزارة الكهربـاء، وزارة المـوارد المائيـة، وزارة العلـوم والتكنولوجيا، وزارة التجارة، وزارة النفـط، اللجنـة الزراعيـة في مجلـس النواب ومجالس المحافظات وغيرها، فكل هذه الجهات تعمل وتؤثر في القطـاع الزراعـي لكنهـا تفتقد التنسيق فيما بينها، إضافة الى ذلك توجد معضلة أخرى تكمن في ضعف القدرة التنافسيـة لمنتجاتنـا الزراعيـة بالمقارنـة مع ما يدخـل من بضائع ومنتجات زراعية أجنبية بطرق شتى.
وهذه المعضلـة ترتبـط بارتفـاع كلـف الإنتـاج عندنـا من جهـة وضعـف الرقابـة علـى الاستيـراد وعلـى ضوابط دخول المنتجـات الزراعيـة وعـدم الالتـزام بالتطبيـق القانوني للتعرفة الكمركية من جهة أخرى. وهناك واقع الريف الذي شهد ويشهد اهمالاً كبيراً مما سبب تدنياً مروعاً في البنى التحتية والخدمية فيه.
ممـا تقـدم ولمواجهـة المصاعـب والمشكلات التـي يعانـي منها القطاع الزراعي في العراق علينا اولاً تحديد هـذه المشكـلات لبيـان أسبـاب التعثـر وخاصة ذات التأثير السلبي الكبير فالبيئة وواقع الإنتاج ومن ثم إمكانية وضـع السبـل الكفيلـة والحلـول المقترحـة لتذليلهـا لغـرض الشـروع فـي مبـادرة الإصـلاح مـن اجـل ازالة العقبات التي تعتـرض سيـر العمليـة الزراعيـة برمتهـا ونستطيـع مـن خلالهـا ايضـاً ان نضـع تصـوراً ورؤيـة حقيقية بالأرقـام والاحصائيـات والبيانـات الدقيقـة بعيـداً عـن المبالغـة او استخـدام أسلـوب التوقعـات والأرقـام الوهميـة وان يتم دراستهـا وإقـرار وتنفيـذ الأهـم منهـا تباعـاً وعلـى مراحل تتوافق مع الظروف والإمكانات المستقبليـة كما يمكن بواسطتهـا تحديـد الأهـداف التي تتوخاها الزراعة التي تتمثل في تحسين وزيادة الإنتاج الزراعي وتوفير المـواد الأوليـة المطلوبة وصـولاً نحـو اشبـاع الفـرد من حاجاته الأساس بما يوازي الزيادة المضطردة في اعداد السكان وبالتالي السير بثبات وبمنحى متكامل نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير الامن الغذائي للمواطن.