رائد الهاشمي
بات من المعروف للجميع اليوم، أن هناك أزمة عالمية كبيرة ، تواجه أغلب دول العالم ومنها العراق وهي أزمة الغذاء، وإن هذه الأزمة حسب مايرى المختصون لا يمكن أن تضاهيها أية أزمة أخرى، لما لها من تماس مباشر في حياة الانسان ولأنها تهدد مباشرة بحدوث المجاعة والموت الجماعي.
وصار من المؤكد أيضاً، أن جميع الدول تسعى إلى تأمين حاجات سكانها من المواد الغذائية، بشتى الاساليب والوسائل المتاحة لديها؛ حتى وصل الحال ببعضها، وبخاصة الدول الغنية بالبترول إلى استغلال أراض صالحة للزراعة في دول أخرى عن طريق استثمارها وتوفير المواد المطلوبة للزراعة كي توفر الاكتفاء الذاتي لسكانها، ومن دون الاعتماد على استيراد هذه المواد الزراعية الأساسية من مصادر أخرى ما يتسبب بارهاق ميزانياتها.
وفي العراق يعاني القطاع الزراعي من وضع بائس ومترد خطير ويتطلب من الجهات الحكومية الانتباه لخطورته والاسراع بدراسته بنحو علمي دقيق وتحديد الاسباب التي أدت الى هذا التردي ووضع الحلول الناجعة التي تحاول انتشاله وايصاله الى بر الامان.
تشكل الزراعة عنصراً مهماً من عناصر النهوض بالاقتصاد العراقي الذي يعاني من الكساد، لان عناصر الاقتصاد تتمحور في (الزراعة والصناعة والتجارة) إضافة إلى الجوانب الأخرى، لكن الواقع لم يكن كما هو مفروض ان يكون، فالاقتصاد الحالي فردي التوجيه واعتمد بنحو أساسي على النفط وتم اهمال العناصر الأخرى ولم يتم تفعيلها لتكون حالة إسناد قوي للنهوض بالاقتصاد، فالواقع الزراعي دخل في متاهات ودهاليز ضيقة نتيجة ظروف معقدة مرّت على العراق جعلته في زاوية مظلمة وتحول على أثر ذلك البلد من زراعي إلى مستورد لجميع المنتجات الزراعية، وهذا ما يُثقل كاهل الاقتصاد العراقي ويجعل الحالة تستند على هذا الإطار ولا بد أن تقوم الحكومة بتوفير الإمكانيات التي تسهم بالنهوض بالزراعة وسنحاول في هذه الدراسة المتواضعة تسليط الضوء على الأسباب التي أدت إلى تدهور الزراعة من جهة والوسائل والحلول التي يمكن أن تعيد للزراعة عافيتها وتنهض بها وتوفر غذاء الشعب من جهة ثانية
أسباب ذاتية وأخرى قسرية
لا بد من الاهتمام بمجمل الأمور التي سيكون لها تأثير فعّال من أجل النهوض بالواقع الزراعي وانتشاله من وضعه البائس وتحقيق نتائج ايجابية في ظل الوضع الراهن، وفي ما يلي أهم أسباب تخلف الواقع الزراعي في العراق:
ـ إعتماد الاقتصاد العراقي على النفط كمصدر وحيد للثروة وهو خيار آني وليس استراتيجيا وإهمال القطاعات الأخرى ومنها القطاع الزراعي.
ـ شح المياه وحالة التصحر التي ولدتها في مساحات شاسعة من الأراضي نتيجة حالة المناخ والظروف الجوية والاحتباس الحراري التي أسهمت في قلة تساقط الأمطار.
ـ السياسة السلبية التي تمارسها الدول المجاورة التي تنبع منها مياه الأنهار العراقية والدول التي تمر بها هذه الأنهار حتى تصل الى الاراضي العراقية ما أثر بنحو كبير على كمية المياه الواصلة للعراق.
ـ كسل الفلاح العراقي وبحثه عن مهن أخرى أكثر راحة وتحوله من منتج الى مستهلك للمحاصيل الزراعية وهذا التوجه حصل نتيجة اسباب عديدة لايتحملها الفلاح وحده بل تتحملها أطراف عديدة.
ـ عدم توفر المكننة الزراعية الحديثة التي تساند الفلاح في استصلاح الأراضي الزراعية والاعتماد على الوسائل القديمة والبدائية في بعض الأحيان مما يؤثر على حجم المردود الانتاجي للأرض ونوعيته.
عدم توفيرالأسمدة الكيمياوية الحديثة من قبل الدولة للفلاح، وان توفرت فإنّها تعطى بأسعار باهظة غير مدعومة.
ـ عدم توفير البذورالجيدة للفلاح والتي تسهم بنحو انسيابي في رفع انتاجية المحاصيل الزراعية كمّاً ونوعاً.
ـ تحويل أكثر الأراضي الزراعية إلى دور سكن مما تسبب في قلة الأراضي الصالحة للزراعة مع غياب الرقابة الحكومية على هذا التصرف وعدم اتخاذ أية اجراءات رادعة لمنع ذلك.
ـ عدم احتضان الدولة للفلاح وعدم رعايته وتقديم الدعم الحقيقي له بنحو صحيح وعدم الاستماع إلى آرائه تسبب في تعطيل عمل الجمعيات الفلاحية التي أصبحت مجرد علاقة وليس لها فعل يُذكر.
ـ قلة التخصيصات المالية من الحكومة المركزية والحكومات المحلية لدعم القطاع الزراعي في شتى تفاصيله أدى الى التدهور الحاصل في هذا القطاع الحيوي.
ـ الإهمال الواضح للواقع الزراعي بنحو عام جعل العراق سوقاً للمحاصيل الزراعية المستوردة من دول الجوار و جعل العراق مستهلكاً وليس منتجاً برغم توفر جميع المقومات في البلد لكي يكتفي ذاتياً في هذا المجال ويكون مصدراً للمحاصيل الزراعية.
ـ عدم حماية المنتجات الزراعية المحلية من منافسة مثيلاتها المستوردة من دول الجوار والدول الاخرى ما جعل معظم الفلاحين يتركون مهنة الزراعة بسبب هذا التنافس الذي لايستطيعون مجاراته.
ـ قلة ملاكات الهندسة الزراعية في الشعب الزراعية والعاملين في مجال الإرشاد الحقلي في معظم المحافظات ما يؤثر سلباً على العملية الانتاجية الزراعية برمتّها.
ـ عدم توافق القوانين الحالية وخاصة قوانين الأراضي مع التطوير الزراعي وبالأخص قوانين الملكية وقانون (177) وقانون التأجير.
ـ عدم تفعيل قانون حماية الإنتاج الزراعي في الوقت الحاضر ويرى معظم المختصين في هذا المجال بأن من الضروري تفعيله بأسرع وقت للحاجة الماسة اليه للنهوض بالقطاع الزراعي.
ـ عدم وصول الخدمات الضرورية لكثير من القرى حيث تتركز الخدمات المقدمة من قبل المجالس البلدية ومنظمات المجتمع المدني على بعض القرى من دون أخرى وحسب المحسوبية والعلاقات الجانبية.
ـ عدم توفر شبكات المبازل النظامية التي تساعد على استصلاح الاراضي وتقليل نسبة الملوحة فيها، والاعتماد على الشبكات القديمة التي لاتواكب التطور العلمي في هذا المجال.
ـ استعمال الطرق القديمة في الري للبساتين والحقول مما أدى إلى ملوحة التربة وعدم كفاية المياه لها.
ـ الفساد الاداري المتفشي في معظم مرافق مؤسسات الدولة والدوائر الزراعية الذي يُعوق عملية النهوض بالقطاع الزراعي.
ـ ارتفاع أسعار الوقود وأجور النقل للمنتجات الزراعية من الفلاح الى أسواق الجملة ما يسبب بارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية وهنا سيكون التأثير بجانبين هما:
1ـ إضافة عبء جديد على المستهلك الذي سيتحمل فرق السعر نتيجة ارتفاع اسعار الوقود.
2ـ ستكون نتيجة المنافسة بين المنتجات المحلية والمستوردة في أسواق الجملة لصالح الأخيرة نتيجة ارتفاع أسعارها وسيكون الفلاح العراقي هو الخاسر في هذه المنافسة.
ويؤكد المختصون إن النهوض بالواقع الزراعي يتطلب جهوداً استثنائية من قبل الحكومة وقرارات جريئة لغرض تحقيق هذا الهدف، ويجب اتخاذ خطوات حقيقية وجادّة لتوفير جميع الوسائل الكفيلة لهذا النهوض لان الزراعة عمود مهم من أعمدة الاقتصاد العراقي الذي لا يمكن الاستهانة به أو التقليل من أهميته.
ستراتيجية النهوض
ومقومات العلاج
إذا تحققت لدينا عناصر النهوض فان الزراعة ستأخذ دورها في دعم الاقتصاد العراقي والحد من ظاهرة الاستيراد والتقليل من ظاهرة البطالة المتفشية في المجتمع وخاصة بين العاملين بالقطاع الزراعي، ونرى ان من أهم مقومات النهوض بالواقع الزراعي وأهم الاجراءات الواجب اتخاذها من قبل الحكومة ما يلي :
ـ وضع خطط إستراتيجية شاملة للنهوض بالواقع الزراعي في العراق، وهي تقع بالدرجة الاولى على عاتق وزارات التخطيط والزراعة والموارد المائية وبالتعاون مع الحكومات المحلية.
ـ إجراء مسح ميداني شامل لجميع الأراضي الزراعية وتحديد الصالحة منها للزراعة وتحديد المناطق المراد إصلاحها لغرض وضع الخطط العلمية للنهوض بها بصورة صحيحة ورفع انتاجيتها.
ـ إدخال التكنولوجيا الحديثة بنحو واسع في جميع حلقات المجال الزراعي وإدخال المكننة الزراعية الحديثة لتوفير الجهد والأيدي العاملة والوقت إضافة لضمان جودة المحصول الزراعي المُنتَج وزيادة كميته.
ـ العمل بنحو فعلي على حل جميع المشكلات المتعلقة بمصادر المياه مع دول الجوار سواء عن طريق الاتفاقيات الثنائية أو عن طريق المواثيق الدولية والأمم المتحدة وهذا يتطلب جهودا حثيثة خاصة على الصعيد الدبلوماسي.
ـ إدخال البرامج الحديثة لاستعمال المياه في الزراعة من خلال التنقيط الحديث الذي يُحافظ على عدم هدر المياه ويضمن ايصال المياه بنحو صحيح للنباتات المزروعة.
ـ إقامة بعض السدود ومشاريع الري الحديثة من اجل خزن المياه وعدم جعلها مياها ضائعة لأنها تمثل ديمومة الزراعة.
ـ الإسراع بحل جميع المشاكل المتعلقة بنزع الملكية بالنسبة للأراضي الزراعية المتنازع عليها بواسطة القضاء العراقي وهيئة نزاع الملكية.
ـ ان تعمل الحكومة على توفير ودعم الحبوب والأسمدة الكيمياوية من النوعيات الجيدة وكل ما يحتاجه الفلاح لاستصلاح الأرض وزيادة انتاجيتها.
ـ دعم الجمعيات الفلاحية بصورة حقيقية وفتح المجال لها لتأخذ دورها المطلوب في احتضان الفلاح ورعايته واستقطاب جميع الفلاحين الذين تركوا مهنتهم وتحولوا الى مهن اخرى.
ـ سنّ القوانين والتشريعات الكفيلة بضمان حماية المنتجات الزراعية المحلية من المنافسة مع مثيلاتها وذلك بفرض الرسوم الجمركية وتطبيق نظام الحصص المعمول به عالمياً لتشجيع الفلاح العراقي على زيادة الانتاج، ويمكن استثناء المحاصيل غير المتوفرة في البلد أو ان انتاجها لا يكفي الاحتياج المحلي منها.
ـ وضع أطلس زراعي استراتيجي بعد عملية مسح كامل للأراضي الزراعية وحصر الاحتياج الفعلي من المحاصيل الزراعية وتوجيه الفلاحين للزراعة حسب خطط مدروسة وليس بنحو كيفي وعشوائي.
ـ توفير الخدمات الأساسية بنحو عادل بين القرى حتى نجعل الفلاح والمزارع متمسك بأرضه من دون هجرها بسبب النقص في هذه الخدمات.
ـ تفعيل نظام التسليف الزراعي وتشكيل لجنة لمتابعة ذلك لغرض توجيه الفلاح حول المشاريع التي يمكن الاستفادة منها وحسب كل منطقة وحسب الاحتياج الفعلي .
ـ الاهتمام بالمحاصيل الزراعية الاستراتيجية كالحنطة والرز والذرة وقصب السكر وغيرها من المحاصيل المهمة الأخرى وإعطاء الأولوية لها والاهتمام بأشجار النخيل وزيادة أعدادها بسبب غزارة عطائها ومساهمتها على توفير بيئة نظيفة وجميلة في نفس الوقت والعمل على شراء هذه المحاصيل بأسعار مدعومة من قبل الدولة لضمان ديمومة عمل الفلاح وضمان سد احتياج المستهلك العراقي منها.
ـ استقطاب المشاريع الاستثمارية المحلية والأجنبية والخاصة بالقطاع الزراعي وخاصة في مجال استصلاح الاراضي لزيادة رقعة الاراضي الصالحة للزراعة.
ـ اقامة مراكز بحثية متخصصة في مجال استعمال تقنيات متطورة في الزراعة مثل (استعمال الهندسة الوراثية والتعديل الجيني لبعض المحاصيل) بما يساعد على تطوير وتحسين المحاصيل الزراعية.
ـ وضع آلية من قبل الوزارات المختصة وخاصة وزارة النفط ووزارة النقل لتقديم الدعم لتسهيل نقل المنتجات الزراعية من اماكن انتاجها الى أسواق الجملة وتوفير الدعم المطلوب في أسعار الوقود.
هذه الحلول والاجراءات لو تم الأخذ بها من قبل المؤسسات الحكومية المختصة في المجال الزراعي ولو تم الاهتمام بهذا القطاع وبنحو مخطط ومدروس لأمكن النهوض بهذا القطاع الحيوي ولأمكننا أن نوفر لشعبنا الأمان الغذائي المنشود، ونكون قد وفرنا فرص عمل كبيرة تسهم في القضاء على أزمة البطالة المتفشية في العراق وخصوصاً في المناطق الريفية، إضافة إلى توفير رافد قوي من روافد الاقتصاد العراقي الذي يجعل من العراق مصدراً للمحاصيل الزراعية ولأمكن تحويل البلد من مستورد للمحاصيل الزراعية الى منتج لها ولحققنا الإكتفاء الذاتي وبسنوات قليلة.
* عن موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين