تنمية القطاع الخاص عامل أساس في تطويره..
د. مهدي ضمد القيسي
تعد الزراعة أحد النشاطات الاقتصادية الرئيسة التي تسهم فـي الاقتصاد الوطني، ويرتبـط الأمن الغـذائي بالأمن الوطني، وتحقيق الأمـن الغـذائي يعتمد بالدرجة الأساس على توفير الغذاء من الإنتاج الزراعي المحلي، ويسهم نهوض القطاع الزراعي بتنويع الاقتصاد وتخفيف وطأة الفقر وتحسين الميزان التجاري وتحقق حركة لمعظم القطاعات المرتبطة به بصورة مباشرة وغير مباشرة.
بعبارة أخرى، يسهم تطور القطاع الزراعي في مكافحة البطالة وتقليص حجم الاستيراد وتطور ونهوض المجتمع وتعزيز الاقتصاد الوطني، فضلاﹰ عن أن المنتج المحلي يكون أكثر أماناﹰ واطمئناناﹰ على السلامة الصحية للمستهلك مقارنة بالمستورد، الذي يؤدي إلى الاهتمام بصحة الفرد لأن اغلب أمراض العصر مرتبطة بالغذاء والاستهلاك الغذائي، كما ان تطور القطاع الزراعي ينعكس إيجابياﹰ على تحسين الواقع البيئي.
خصوصيات القطاع الزراعي
1 – تعامله مع كائن حي (نبات وحيوان) وكلاهما يحتاج إلى مدد زمنية متفاوتة لكي يصل إلى العمر الإنتاجي.
2 – ارتباطه بظروف بيئية غير مضمونة تؤثر في الإنتاج والإنتاجية بصور مباشرة.
3 – ارتباطه بنشاطات وإنتاج اغلب وزارات الدولة وبصورة خاصة الجانب الأمني، الكهرباء، النفط، الصناعة، التجارة، البيئة، الموارد المائية، التعليم العالي والبحث العلمي، المالية والنقل إضافة إلى القطاع الخاص.
4 – يحتاج إلى رأس مال كبير وان مدة نموه بطيئة جداﹰ مقارنة بالقطاعات الأخرى.
لذا فان مجمل هذه العوامل تتداخل وتشترك في التأثير في نمو وتطور القطاع الزراعي بشكل يختلف عن القطاعات الأخرى.
تنمية القطاع الخاص
في القطاع الزراعي
تسعى وزارة الزراعة لتطوير القطاع الزراعي وتحقيق التنمية الزراعية بهدف تحسين دخل الأسر الفلاحية وزيادة اسهام القطاع الزراعي في تكوين الناتج المحلي الإجمالي من خلال مهامها في إجراء البحوث الزراعية، وتوفير المستلزمات، والقيام بالإرشاد، وتدريب الفلاحين، وإعداد التشريعات، ونقل التكنولوجيا، وتقديم الخدمات التي لا يقدمها القطاع الخاص، وتنفيذ المشاريع التنموية عبر ما يخصص لها من مبالغ في ميزانية الدولة، وتوفير السيولة النقدية من خلال صناديق الإقراض التخصصية للمبادرة الزراعية، وتأهيل الموظفين والفنيين العاملين في أنشطة الوزارة كافة.
ومعلوم إن مجمل العملية الإنتاجية فـي القطاع الـزراعي هي بيد القطاع الخاص من (فـلاحين، مـزارعين ومستثمرين)، لـذا فإن تطوير وإسناد القطاع الخاص سيكون رافداﹰ مهماﹰ وكبيراﹰ ومستداماﹰ لتنويع الاقتصاد العراقي لأن هويـة البلد زراعيـة ومقومات النهوض والتطويـر يمكـن تحقيقها من خلال المساهمة الفاعلة لتنمية القطاع الخاص وتشجيعه للقيام بالنشاطات التالية:
1 – الدخول بالصناعات الساندة للقطاع الزراعي مثل صناعة الأسمدة والمبيدات والمكننة ومنظومات الري بالرش والتنقيط والنايلون الزراعي والبيوت البلاستيكية … الخ.
2 – الدخول بالصناعات الزراعية مثل صناعة التعليب والألبان ومعجون الطماطم وتعزيز صناعة وتجارة التمور والحبوب وغيرها.
3 – التركيز على تقليل الفاقد لما بعد الحصاد أو الجني وصولاﹰ إلى المستهلك من خلال تطوير التسويق الزراعي بحلقاته كافة وبضمنها وسائل النقل المبردة والمجمدة لنقل المحاصيل الزراعية، وإنشاء المخازن الحديثة العادية والمبردة والمجمدة والاهتمام بالتعبئة والتدريج والتخزين والتسويق والتصنيع لحماية المنتج والمستهلك.
4 – تبني إنشاء محطات كبرى لتربية أبقار الحليب ومصانع للأعلاف بتكنولوجيا حديثة وصناعة الألبان؛ بعبارة أخرى، تأسيس مجمعات زراعية-صناعية، واستعمال الدورات الزراعية وتوسيع رقعة المساحات المخصصة لإنتاج الأعلاف.
5 – تأسيس شركات للتأمين الزراعي للعمل بنظام التأمين الزراعي.
6 – دعم تأسيس جمعيات تخصصية تعنى بنشاطات القطاع الزراعي المختلفة مثل المكننة، التسويق، النقل المتخصص وغيرها.
7 – المضي قدماﹰ بتشجيع الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي في البنى التحتية الساندة للقطاع الزراعي وتأهيل بعض المشاريع الزراعية الكبرى مثل محطات الأبقار والجاموس والدواجن ومصانع الأسمدة والمستلزمات البيطرية والخزن المبرد والمجمد ومعامل البذور والمكننة الزراعية والمجازر الحديثة للدواجن والأبقار والجاموس والأغنام والماعز والعمل على وضع خرائط استثمارية تعتمد على قواعد وأسس للمعلومات والإحصاءات الزراعية.
8 – التوسع في الزراعة العضوية ونشر تقاناتها واستعمال وسائل المكافحة المتكاملة (IPM) وإنتاج المفترسات الإحيائية.
9 – وضع وتطبيق سياسة فاعلة للإرشاد الزراعي بهدف التوجه نحو الزراعة الحديثة واستعمال المبتكرات الحديثة والتطبيق السليم لنتائج البحوث الخاصة باستعمال البذور المحسنة عالية الإنتاجية وذات النوعية الجيدة والمقاومة لظروف الجفاف والأمراض المختلفة، إضافة إلى التوجه نحو الاستعمال الأمثل لمياه الري وإدارة مشاريع البزل في الحقول وذلك بالاستمرار بإنشاء المراكز والمزارع الإرشادية في مناطق الأرياف الزراعية جميعها وتوجيه الفلاحين والمزارعين نحو التركيز على التوسع العمودي في الزراعة لرفع الكثافة الزراعية والارتقاء بإنتاجية الأرض في وحدة المساحة ضمن الحصص المائية المتاحة جنباﹰ إلى جنب مع التوسع الأفقي في زراعة المساحات الزراعية الاقتصادية الصالحة للزراعة فعلاً.
10 – تمثل مصادر الطاقة (الكهرباء والمشتقات النفطية) محوراﹰ رئيساﹰ في ارتفاع كلف إنتاج المحاصيل الزراعية (النباتية والحيوانية) والخدمية، لذا نرى أن يخصص دعم استثنائي ومستمر للمشتقات النفطية وتسعيرة الوحدة الكهربائية للفلاحين والمزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي للمساهمة في تخفيض كلف الإنتاج الزراعي.
11 – إقامة معامل لتصنيع الحليب ومشتقاته الألبان، واللحوم والأسماك لاستثمار الموارد الطبيعية المتوفرة في الأهوار، إذ أن التصنيع الموقعي يضمن التقليل من فرص تلف المنتج واستثماره بصورة أفضل مما يشجع السكان على زيادة استثمار الثروة الحيوانية، وبالتالي زيادة دخل سكان الأهوار.
12 – معلوم أن صناعة الورق تعتمد بالدرجة الأساس على وفرة المواد السيليلوزية وعلى هذا الأساس تم إنشاء معملي ورق محافظتي البصرة وميسان في هذه المواقع بسبب قربها من منطقة الأهوار، وأن تجفيف الأهوار اثر سلبياﹰ في توفر المادة الأولية لصناعة الورق. لذا فالمطلوب هو الاهتمام بهذا الجانب لتوفير طاقات إنتاجية عالية لمصانع الورق في العراق، فضلاﹰ عن توفير فرص تؤدي إلى زيادة القدرة الشرائية أو الاقتصادية للفرد في هذه المناطق وبالتالي يعطي استقراراﹰ اقتصادياﹰ واجتماعياﹰ وبما ينعكس ايجابياﹰ على الأصعدة كافة، علماﹰ إن المقترح هو أيجاد وسائل ميكانيكية لحصاد وكبس ونقل القصب من الأهوار إلى مصنعي الورق في محافظتي البصرة وميسان.
13 – تنشيط الصناعات الحرفية من خلال تأسيس مراكز وطنية متخصصة للاستفادة من القصب والبردي والموارد الطبيعية الأخرى في بيئة الأهوار لإنتاج صناعات حرفية مدرَّة ومعززة لدخل أبناء الأهوار.
14 – بناء شبكة طرق مواصلات قادرة على ربط مناطق الأهوار مع بعضها ومع المدن والقصبات المجاورة لها، لتسهيل إيصال الخدمات إلى سكان الأهوار واستثمار الموارد الطبيعية ونقلها إلى مراكز التسويق أو الخزن في المحافظات.
15 – نتيجة لتراكم القصب والبردي والنباتات المائية الأخرى في بيئة الأهوار ولعقود عديدة فقد تحولت بفعل العوامل البيولوجية إلى سماد عضوي متحلل يمكن أن يكون مصدراﹰ رئيساﹰ لإمداد القطاع الزراعي بهذا المصدر التغذوي المهم، كما ويكون عاملاﹰ مثبتاﹰ لحركة التربة في المناطق الصحراوية ويحدُّ من رقعة التصحر في العراق.
16 – لغرض المساهمة الفاعلة في التعرف على المشكلات والمعوقات التطبيقية التي يعاني منها القطاع الزراعي يتطلب إشراك باحثي وزارة الزراعة بمناقشة الخطط البحثية لمراكز البحوث الزراعية في البلد وتعزيز التعاون بين باحثي ومختصي وزارة الزراعة وخبراء مراكز البحوث الزراعية والجامعات العراقية لمناقشة برامج البحوث والمشاريع، فضلاﹰ عن توجيه بحوث طلبة الدراسات العليا في كليات الزراعة وكليات الطب البيطري والكليات التقنية لتكون مخرجات بحوثهم تطبيقية تستهدف حل المشكلات والمعوقات الحقيقية التي يعاني منها القطاع الزراعي في العراق.
17 – استعمال نظم المعلومات والبيانات لمحطات الأنواء الجوية الزراعية في تنفيذ الخطط الزراعية النباتية والحيوانية المستحصل عليها من مركز الأنواء الجوية الزراعية في وزارة الزراعة، وكذلك الاستفادة من خرائط ملائمة المحاصيل الزراعية الاستراتيجية في توزيع زراعة هذه المحاصيل على المناطق الجغرافية للعراق التي أنجزها قسم الخرائط البيئية.
الرعاية الحكومية عامل نهوض
يحتاج القطاع الخاص إلى رعاية حكومية جادة لإسناده من أجل تحقيـق نهوض وتطور بالقطاع الـزراعي من خلال ما يلي:
1 – تشديد الرقابة والسيطرة على المنافذ الحدودية لمنع دخول المواد الزراعية (نباتية وحيوانية وأعلاف ومستلزمات زراعية وبيطرية مختلفة) والتقييد بإجازة الاستيراد، وذلك لإعطاء حماية للمنتج المحلي من خلال التعاون والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وخاصة وزارة المالية/ الهيئة العامة للكمارك، ووزارة الداخلية/ المديرية العامة للمنافذ الحدودية، علماﹰ أن وزارة الزراعة تعمل بخطة استيرادية سنوية للمواد المذكورة آنفاﹰ وتأخذ بنظر الاعتبار كميات المنتج المحلي لسد العجز من خلال الاستيراد المقنن.
2- التأكيد على تطبيق قانون الحجر الزراعي رقم 76 لسنة 2012 وقانون الصحة الحيوانية رقم 32 لسنة 2013 وقانون البذور والتقاوي رقم 50 لسنة 2012 وقانون تسجيل واعتماد وحماية الأصناف الزراعية رقم 15 لسنة 2014 وقانون تسجيل واعتماد المبيدات رقم 47 لسنة 2012 وقانون تداول المواد الزراعية رقم 46 لسنة 2012، وعدم السماح أو إعطاء أية استثناءات خارج ضوابط هذه القوانين وتعليماتها النافذة، والتأكيد على تطبيق هذه القوانين وتعليماتها النافذة على محافظات العراق كافة من دون استثناء.
3- تفعيل العمل بالقوانين ذات العلاقة بالقطاع الزراعي لأهميتها في حماية المنتج المحلي (قانون التعريفة الجمركية، وقانون حماية المستهلك، وقانون حماية المنتجات الزراعية)، والإسراع بإصدار القوانين والتشريعات الخاصة بالقطاع الزراعي.
4 – تنمية القطاع المصرفي وإعطاء تسهيلات مصرفية وجمركية لنشاطات القطاع الخاص.
5 – إعطاء دعم استثنائي ومستمر للمشتقات النفطية وتسعيرة الوحدة الكهربائية للفلاحين والمزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي (الإنتاج النباتي والحيواني والخدمي) للاسهام في تخفيض كلف الإنتاج الزراعي.
6 – حماية المنتج المحلي من خلال تشريع قانون لوضع رسوم على المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية المستوردة توضع في صندوق خاص لدعم المنتجين الزراعيين (نباتي وحيواني).
7 – النظر بإمكان العمل بالإعفاء الضريبي للمنتجين الزراعيين (نباتي وحيواني)، التي تقع ضمن صلاحية وزارة المالية.
8 – إلزام مستوردي لحوم الدواجن بشراء (تغطية) نسبة منها من الدجاج المحلي (تبدأ بــ 10% من مجموع الإرسالية)، وذلك لغرض إعطاء دعم لمربي الدواجن وكذلك تنشيط عمل المجازر والعمالة المحلية، على أن ترفع النسبة بزيادة الطاقات الإنتاجية لحقول الدواجن المحلية إلى أن يتحقق الهدف بتنمية قطاع الدواجن.
9 – دعم سعر شراء الحليب الخام المنتج من محطات الأبقار والمنتجين المحليين لغرض النهوض بصناعة الألبان المحلية لتنافس المستورد منها، على أن تقوم وزارة الصناعة/ الشركة العامة لمنتجات الألبان بإعداد آلية لهذا الغرض.
10 – التركيز على تقليل الفاقد لما بعد الحصاد أو الجني وصولاﹰ إلى المستهلك من خلال تطوير التسويق الزراعي بحلقاته كافة وبضمنها وسائل النقل المبرد والمجمد لنقل المحاصيل الزراعية، وإنشاء المخازن المبردة والمجمدة والاهتمام بالتعبئة والتدريج والتخزين والتسويق والتصنيع لحماية المنتج والمستهلك.
11 – توجيه الاستثمار في الحلقات الساندة لنشاط القطاع الزراعي (مدخلات الإنتاج) مثل صناعة الأسمدة والمبيدات والمكننة ومنظومات الري بالرش والتنقيط والنايلون الزراعي والبيوت البلاستيكية … الخ، وكذلك الصناعات الزراعية (مخرجات الإنتاج) مثل صناعة التعليب والألبان ومعجون الطماطة وتصنيع وتجارة التمور والحبوب وغيرها.
* الوكيل الفني/ وزارة الزراعة
شبكة الاقتصاديين العراقيين