عندما كنا نستمع في مرحلة الطفولة الى القصص والحكايات التي كان يرويها لنا الآباء أو الأمهات أو الجدات أو الخالات أو العمات كانت نهاياتها.. دائما سعيدة حيث ينتصر فيها الحق على الباطل وبطل القصة على أعدائه.. وكانت تختم القصة من قبل الرواة بالعبارة أو الجملة الشهيرة التي مازالت عالقة في أذهاننا “وعاشوا..عيشة سعيدة”أو “عاشوا في ثبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات” .. كما يرويها أو يرددها الأشقاء في مصر !
هذا الحال أو الشعور ظل يلازمنا ونحن نبحر في سِفر الحياة عبر مراحلها العمرية التي تبدأ من الطفولة الى المراهقة وما بعدها في رحلة قطار العمر التي تمضي بنا بسرعة الصاروخ العابر للقارات. عشنا مرحلة الحكايات ثم قراءة القصص ومجلات وكتب الأطفال ثم مرحلة الأفلام السينمائية التي كانت نهاياتها لا تختلف عن الحكايات التي كنا نسمعها من الأقربين.. إذكانت تنتهي بانتصار البطل بعد القضاء على أعدائه وعودته الى حبيبته التي تنتظره بفارغ الصبر… فيختمان قصة الفلم.. بقبلة رومانسية أمام الكاميرا.. لتظهر بعدها.. كلمة “النهاية” تزامناًمع التصفيق “الحار” من الجمهور الذي يخرج من صالة السينما منتعشاً منتشياً ، تغمرهم السعادة .. لأن بطل الفلم لم يخذله وانتصر على الأشرار.. وعاشوا – هو وحبيته – عيشة سعيدة!
كانت سلسلة أفلام شارلي شابلن تلقى صدى طيباً عند جمهور المشاهدين لأنها كانت تتصدى وتتناول القضايا الإنسانية والاجتماعية وحالات الفقر والبؤس وغيرها وأنتصار الخير على الشر، فضلاً عن أفلام طرزان وروبن هود وجيمس بوند والكثير على شاكلتها، في الجانب الآخر كانت سلسلة الافلام الهندية وحكايتها الغريبة والعجيبة والافلام العربية ومجموعة أفلام الفنان الراحل أنور وجدي وفيروز الصغيرة أو سلسلة أفلام فريد شوقي والصراع الأزلي مع محمود المليجي وتوفيق الدقن وغيرها الكثير من الأفلام السينمائية كانت تلقى تجاوباً كبيراً من الجمهور العربي لأنها تحاكي ميول الجمهور وأهواءه وأحلامه ومشاعره لأن ختامها على طول الخط “مسك” ونهاياتها سعيدة.
من خلال التجربة الماضية وعلى سبيل المثال لاالحصر فإن الجمهورالسينمائي لم يكن يحتمل مشاهدة “بطل الفلم” وهو يتعرض للضرب أو الإهانة بحسب مجريات قصة الفلم أو الرواية.. وقد شهدت صالات السينما في حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي حوادث إطلاق الرصاص من قبل بعض الجمهور لعدم تحمّلهم الاعتداء السافر على بطل الفلم أو المساس بحبيبته، ويُذكر أن أحد المواطنين نهض من مقعده في إحدى صالات السينما المظلمة في بغداد وصاح “أنا أخوك” وصوّب مسدسه باتجاه شاشة العرض ليطلق عدة رصاصات في محاولة منه لإنقاذ بطل الفلم بعد محاصرته من قبل الأشرار.. لكن صاحبنا وبدلاً من إنقاذ البطل من أعداء الأمة.. تسبب باندلاع النيران في السينما ليهرع الجمهور الى الشارع فزعاً بدلاً من إكمال قصة الفلم !
أبطال أدوار الشر في السينما كان لهم نصيب كبير من اعتداءات وشتائم الجمهور بسبب اعتقاد البعض من الجمهور بأن هذا الممثل أو ذاك كان سبباً في إيذاء “بطل الفلم”.
كنا ومازلنا نحلم بصورة الحياة الجميلة التي تنتهي حكايتها بالفرح والسعادة والقبلات والأحضان الدافئة، وأن العقل الباطن للجمهور كان يميل دائماً الى النهايات السعيدة بحكم الفطرة الإنسانية والتربية الأسرية فضلاً عن العادات والتقاليد وما تعلمناه من الكتب والرسالات السماوية، إلا أن الواقع كان ليس كذلك،ولم تاتي الرياح بما تشتهي السفن .. فظل المواطن ينشد النهايات السعيدة للأحداث والوقائع التي كانت تعيشها البلاد عبر الحقب والعقود الماضية.. رغم مرارتها وقسوتها لكن “ما كل ما يتمنى المرء يدركه”.. فكانت النهايات.. حزينة وتعيسة ودموية!
ومع كل ما عشناه من ظروف قاسية وقصص مأساوية.. نبقى نؤمن بالسعادة والامل ..ونردد على طول الخط أغنية “الدنيا ربيع .. والجو بديع .. ” .
وبعد نهاية كل قصة من قصص “الديمقراطية ” و”التكنوقراط ” هل سنتمكن من ترديد عبارة أو جملة ” وعاشوا.. عيشة سعيدة”..!
• ضوء
هناك من يصنع النهايات السعيدة ..وهناك من يحاول إجهاضها !
عاصم جهاد