مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 35
جاسم محمد*

العنف المضاد
ومن الاخطاء الظاهرة في مكافحة الارهاب في هذه الدول انها تستخدم القوة اي العمل العسكري بمفرده لمواجهة هذه الجماعات وهي ترتكب خطأ كبير في معالجة الارهاب بالعنف. العمليات العسكرية لوحدها لا تستطيع مواجهة الارهاب دون وجود حل او خيار سياسي يتركز على فصل الحواضن عن هذه الجماعات وان لاتؤخذ الحواضن والملاذات بجريرة التنظيمات والجماعات “الجهادية”. لذا ينبغي ان تقوم الاستراتيجية العسكرية والامنية على الممارسات العقلانية ولا تقوم على الثأر والانتقام، التي يذهب ضحيتها الكثير من الابرياء خلال عمليات المداهمة والتحقيق. لذا بات ضروريا تجنب استخدام العنف المضاد لانه يزيد كثير من الكراهية والثأر.
هذه الجماعات تستغل سلوك وممارسات القوات النظامية في مناطق الفوضى، هي تبحث عن المواجهة لتضع نفسها بديلا عن المجتمعات وتحصل على متطوعين جدد. التقارير والتحقيقات كشفت إن الجماعات “الجهادية” ابرزها النصرة والقاعدة و”الدولة الاسلامية” رغم حصولها على التمويل، لكنها تراهن على المواجهة مع خصومها. وكلما اشتدت المواجهة كلما يصعد رصيد هذه الجماعات بتدفق المقاتلين والاموال. اليوم الارهاب اصبح كرة ثلج ماعاد ينتهي في منطقة الا ان يظهر في منطقة اخرى، رغم ان هذه التداعيات لم تكن بعيدة ابدا من اطراف دولية واقليمية لاعبة في تحريك هذه الجماعات واشعال المنطقة. بعض الطروحات والدراسات النظرية تقول “المجتمع الديمقراطي في البلدان المتقدمة يأتي مكملا وامتدادا للدولة التي كانت في اصل نشوئه بالعكس من ذلك ياتي الحديث المتزايد عن المجتمع المدني في البلاد النامية كتعويض عن غياب المجتمع تماما وكرد على الفراغ الذي احدثه في الفضاء العمومي تفسخ الدولة وتحلل السلطة العمومية الى سلطة أصحاب مصالح خاصة وانهيار القاعدة قانونية والمؤسساتية للدولة والمجتمع معاً.”

تجارب ناجحة
في مكافحة الارهاب
تعد المملكة الاردنية من الدول التي نجحت في مكافحة الارهاب اقليميا ومحليا، رغم وجود دول اخرى وربما سبقتها مثل المملكة العربية السعودية بمواجهة تنظيم القاعدة ودولة الامارات العربية في مواجهة ارهاب الاخوان وخلابا القاعدة واخير الانموذج المصري في مواجهة ارهاب الاخوان والقاعدة ايضا الذي ضرب بتداعياته المنطقة بالكامل. الحالة الاردنية تستحق الوقوف عندها كون المملكة الاردنية تحتضن بعض ابرز منظري الفكر “الجهادي” ابرزهم ابو محمد المقدسي، وفي الفترة الاخيرة ظهر الطلحاوي الذي لم يتردد ابدا بتأييده الى ممارسات “الدولة الاسلامية”. يبرز دور المملكة اكثر لانها تحاط بمناطق ساخنة. الاردن وضعت خطط بالتوازي مع الاعتقالات والمراقبة مع إجراءات دقيقة عند المعابر الحدودية. ووضع الخطط والاجراءات الاحترازية الاستباقية، فهي لاتنتظر ظهور الارهاب، بل تحول دون ظهوره وتدفع به خارج المربع للعاصمة عمان.

استغلال شبكات التواصل الاجتماعي

احتلت إجراءات مكافحة الإرهاب إهتماما واسعا على مستوى الحكومات والمنظمات الدولية والاعلام. وأهم أنواع الإرهاب كان إرهاب القنابل البشرية الموقوتة والسيارات المفخخة. لقد أنتشرت ثقافة التطرف الأسلامي “الجهادي” في اعقاب احداث 11 سبتمبر 2001، لتتحول القاعدة الى شبكة عمل واسعة وأيديلوجية يمكن للشباب ركوبها في اي وقت، ليكون الإرهاب كامنا، يتحرك من خلال وسائل التأثير الخارجية. يعد الأنترنيت والمواقع “الجهادية” أولى العوامل ألمؤثرة لتحويل الارهاب من الحالة الكامنة ليتحرك على الارض.
الانترنيت والمواقع ” الجهادية ” تمنح الفرص الى معرفة التفخيخ وصنع المتفجرات ووسائل الاتصالات السرية. وتقع هذه المسؤولية على المجتمع الدولي والحكومات وكذلك الاسرة والمدرسة وتشترك جميعها بتحمل هذه المسؤولية. المشكل ان الكثير من الدول تنظر الى الارهاب بصورته المتحركة على الارض، اي بعد وقوع الحدث وهذا مايمثل تهديدا اخطر للامن. ولا تنظر الحكومات له، على انه ارهابا كامنا و معرفة أسبابه ومسبباته وإتخاذ الأجراءات الوقائية، أي إحباط الإرهاب في مكامنه. يبقى التمويل العصب الرئيس في حياة هذه التنظيمات.

القرارات الدولية
تصدر من قبل الامم المتحدة وكذلك الاتحاد الاوروبي والجامعة العربية ومؤسسات دولية اخرى الكثير من القرارات والتعريفات الخاصة بارهاب، هذه السياسة والقرارات تصاعدت بعد احداث 11 سبتمبر 2001. لكن الاهم من القرارات هو ايجاد فعل من قبل القوى المحلية والاقليمية لمواجهة الارهاب. القرارات الدولية والاقليمية الصادرة من الامم المتحدة او الجامعة العربية او منظمة المؤتمر الاسلامي تبقى ضرورية بشرعنة والسياسات وبتنفيذ الخطط في مواجهة الارهاب التي تتضمن ايضا تعقب الاصول المالية والاشخاص المطلوبين، لذا تظهر ضرورة ايجاد التنسيق والتعاون الامني محليا واقليميا.

المواجهة الفكرية
إن التنظيمات الجهادية تقوم أساسا على “العقيدة ألجهادية” والأيدلوجية في كسب المقاتلين وتبرير عملياتها التي تقوم في الغالب على أستثمار الصور المروعة في أماكن النزاع من خلال اعلاميات جهادية مرئية ومسموعة، لذا يتطلب مواجهتها فكريا ايضا، بالحجة، من خلال التعاون مع مشايخ الوسطية، واعداد وتأهيل معنيين في الشريعة والفقه، تقوم بزيارة بعض المعتقلين المتورطين في عمليات إرهابية، وعرضها على الجمهور، كذلك اتباع الطرق الإستخبارية في إخضاع من تم اطلاق سراحه من المعتقلات للمراقبة مع توفير المساعدة له في إعادة التاهيل مهنيا واجتماعيا، ألمواجهة الفكرية ربما تأتي بنتائج إيجابية أكثر من المواجهة العسكرية مع تقليل نسبة خلق الخصوم المحتملة في أعقاب اي عملية في المجتمعات الحاضنة للأرهاب. المواطن احيانا يعيش مابين ارهاب الدولة وارهاب المجموعات المسلحة و”الجهادية” فألدولة ربما تكون هي المسؤولة عن فراغ السلطة وترك المجال للارهاب، لذا لا خير في حكومة او دولة لا تستطيع حماية مواطنيها. إن استمرار الفوضى ومثلما تسميها تلك الجماعات “الجهادية” ب “التوحش” من شأنه ان يخلق دولة مفككة يقاتل ابناؤها بعضهم البعض بالوكالة لصالح اطراف اقليمية ودولية لتتحول سلطة الدولة الى مجموعات “جهادية” ومسلحة وامراء حرب مناطقية.

واشنطن: تراجع سجلها
بمكافحة الإرهاب
مخاطر تمدد الجماعات
“الجهادية” في ليبيا
بدأت يوم 18 فبراير 2015 أعمال مؤتمر واشنطن الـ51 لمكافحة التطرف والعنف اكثر من محاربة الارهاب، بحث خلاله ظاهرة انتشار التطرف في العالم. وجاء المؤتمرفي اعقاب تنفيذ تنظيم داعش الارهابي عملية ذبح 21 قبطيا مصريا كانوا عالقين في ليبيا ووسط حالة غليان شعبي في مصر والمنطقة ضد ممارسات تنظيم داعش الارهابية. وكان وزير خارجية مصر سامح شكري قد توحه الى واشنطن للقاء بأدارة اوباما بالاضافة الى حضور المؤتمر. المراقبون كانوا يتوقعون ان يكون هنالك رد فعل قوي من واشنطن والغرب بمواجهة فوضىى “الجهادين وداعش في ليبيا، لكن المؤتمر لم يرتقي الى ذلك وجاءت توصياته في جلسته الختامية بنبذ العنف واعتماد الوسطية وهي توصيات ممكن ان تصدر من اي جمعية خيرية او منتدى فكري اكثر مايصدر من مؤتمر واشنطن، هذه النتائج جاءت مخيبة الى الطموحات والتوقعات ليس للشعب المصري بل الى شعوب المنطقة.
ذكرت قمة واشنطن ان واحدة من الاسباب بالتحفظ على الخيار العسكري في ليبيا هو خشية واشنطن من وصول السلاح إلى الجماعات الارهابية في ليبيا! متناسين أن التدخل العسكري في ليبيا باسقاط القذافي! إن ماحدث في قمة واشنطن هو اغفال الى الفوضى في ليبيا وكأنها مقصودة من قبل الادارة الاميركية. اما معالجة الارهاب وضرب داعش في معاقله واماكن تمدده، فلم يكن لها اهتماما في اجندة قمة واشنطن، وهذا يعني ترك داعش ان يمارس الفوضى “الجهادية” مما يستدعي اعتماد إستراتيجية وطنية واقليمية في محاربة داعش على الارض وعدم التعويل على واشنطن.

قمة واشنطن يثير علامات استفهام
في تقرير لصحيفة العرب اللندنية يوم انعقاد المؤتمر بأن محللين يجدون أن المنهج الأميركي الحالي يثير علامات استفهام عديدة ولا يقدم إجابات عن سياسات ملتبسة تزيد من ارتباك المشهد في المنطقة العربية، فكيف لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة تتحدث عن مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة وهي مصرة على أن الجماعة الأم الإخوان المسلمين لا تشكل خطرا على مصالح الدول الحليفة والصديقة.
إن الفوضى في ليبيا كانت ومازالت موجودة في اعقاب الاطاحة بالقذافي، وباتت تمثل صداع وتهديد الى دول المنطقة عبر سيناء والساحل والصحراء غرب افريقيا. وتصاعد التهديد في اعقاب بيعة جماعة “جهادية ” في مدينة سرت ودرنة الى تنظيم داعش وزعيمه البغدادي. التنظيم مازال فاعلا في معاقله ويتمدد، ضمن استراتيجية فتح جبهات بعيدة عن معاقله لتخفيف الضغط، وهذا يعني انه في حالة عدم ضرب التنظيم في معاقله وفي ليبيا فأنه سوف يفتح جبهات جديدة خلال المرحلة الحالية.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة