«الصناعة» و»الزراعة» تناجي جولات تراخيص، «الحرب» والنفط خارج المعادلة
بغداد ـ احسان ناجي:
يبقى النفط والغاز عماد اقتصاد البلاد، فمردودات الأول هي التي ترسم ملامح الموازنة لا سيما بشقها التشغيلي.. علاوة على ديمومة عافية بيت المال العراقي.
وكما في كل سنة، مرت موازنة 2017 بقراءات مجلس النواب القيصرية.. ولولا أن خصص جزء كبير منها للدفاع والداخلية.. لمحاربة داعش، لتناوشتها، للتعطيل، «ملاحظات» الفرقاء؛ وما حساباتها الختامية إلاّ ضرب من الاصلاح الاقتصادي بعيد المنال.
في 2017 أيضاً، استمر البنك المركزي العراقي بحرصه على وزن رواتب موظفي الدولة بمبادلة الدولار بالدينار العراقي، لكن ذلك سمح، بشهادة نواب وجهات رقابية للنزاهة، بإثراء جيوب متنفذين وقائمين على مزاد العملة.
أما على مستوى الخدمات، فالمشهد ضعيف: المشاريع الاستثمارية، بهذا الشأن، تتطلب جولات تراخيص أيضاً.
وعلى صعيد الزراعة والصناعة، تكرر المشهد العراقي القديم: قروض لا طائل منها سوى ارهاق ميزانية الدولة لارضاء جمهور غاضب اكتفى بالمستورد استهلاكاً له.
مُستهلّ 2017..
حرب في خاصرة الاقتصاد
عانى العراق من أعباء الحرب مع عصابات داعش الارهابية، وآثار انخفاض أسعار النفط التي طال أمدها منذ حزيران 2014، علاوة على الانكماش الحاد للاقتصاد غير النفطي.
ثلاثة أعوام من الانكماش اختتمت فيما بعد منتصف 2017 بارتفاع اسعار النفط في البورصات العالمية لتصل الى مستوى 65 دولاراً لبرميل الخام. قوة إنتاج النفط هذه حافظت على معدل النمو في الايرادات المالية لبلد مدين دولياً.
نسبة من العراقيين، من جراء الحرب، تجاوزت الـ 10 % حددتها منظمات عالمية مسؤولة أو معنية يعانون التشرد والنزوح بسبب استمرار الاضطرابات. وتسانِد حزمة تمويل دولية كبيرة جهود الإصلاح التي تضطلع بها بغداد.
وواجه الاقتصاد العراقي تحديات اقتصادية خطيرة خلصت الى نفقات متزايدة لإدامة زخم الحرب على داعش واعادة تأهيل واعمار المناطق المحررة والتآكل المستمر لاحتياطي البنك المركزي ومخاطر تعويم الدينار العراقي وانفلات معدلات التضخم عن نطاق السيطرة، كلها مؤشرات حتمت على صناع القرار الاقتصادي التعامل بجدية مع الواقع الاقتصادي الأحادي.
ولان معظم النفقات الحكومية بالدينار العراقي، تلجأ وزارة المالية الى استبدال الدولار النفطي بالدينار العراقي المتوفر اصلاً لدى البنك المركزي العراقي، ويترتب على ذلك دخول الدولار الى البنك المركزي في مقابل خروج الدينار منه ويراكم الاخير الدولارات الحكومية المستبدلة بالدينار ضمن خانة احتياطي النقد الاجنبي.. هذا الاحتياطي من النقد الاجنبي يتم استعماله في تغذية طلب قطاع الاعمال التجار وغيرهم والقطاع العائلي جمهور المواطنين على الدولار في سوق الصرف، ويترتب على ذلك خروج الدولار من البنك المركزي في مقابل دخول الدينار اليه.
وتفصح الآلية المذكورة اعلاه، بحسب بحث طرحته «شبكة النبأ المعلوماتية» عن حقيقة غاية في الاهمية والخطورة بحسب المصدر تؤطر عمل السياسة النقدية في العراق وهي «ان مناسيب السيولة النقدية المحلية دالة لحجم النفقات الحكومية المرتبطة اساسا بالإيرادات النفطية، في حين ينبغي ان تكون مناسيب السيولة النقدية تحت سيطرة واشراف البنك المركزي وخاضعة تماما لأهدافه المرسومة».
النفط «الأوحد»
أجرت «الصباح الجديد» احتساب واردات النفط العراقي من كانون الثاني وحتى تشرين الثاني 2017، حتى ظهر المجموع، على موقع شركة تسويق النفط «سومو»، يقترب من 55 مليار دولار، بصادرات بلغت للمدة المذكورة نحو مليار برميل.
وبلغت صادرات النفط العراقي من موانئ جنوب البلاد 3.9 مليون برميل يوميا وهي أعلى مستوى على الإطلاق للصادرات من موانئه على الخليج.
وزارة النفط أشادت، على لسان وزيرها جبار علي حسين اللعيبي بجهود العاملين في حقول الوسط والجنوب التي أسفرت عن تحقيق أهداف الوزارة في زيادة معدل الصادرات النفطية من الموانئ الجنوبية بعد توقف الصادرات النفطية من المنفذ الشمالي.
وأضافت: «ما تحقق يؤكد قدرة العراق التصديرية في زيادة الصادرات النفطية وبلوغ الأهداف المطلوبة، لكن هذا لا يعني بقاء الصادرات عند هذه المعدلات».
قبل ذلك، في شباط 2017 اعلنت وزارة النفط، عن اكتشاف هائل من النفط الخام في الرقعة الاستكشافية العاشرة، هذه الرقعة كانت من بين الحقول التي أسهمت في اضافة كمية 10 مليار برميل الى الاحتياطي النفطي.
وفي نيسان، أعلنت شركة نفط الجنوب أن مجلس إدارتها قرر تغيير اسمها رسمياً الى شركة نفط البصرة تنفيذاً لقرار سابق لمجلس الوزراء، وعلى خلفية تأسيس شركة نفط ذي قار، وقبلها تأسيس شركة نفط ميسان. اما في ايار، فقد كشف وزارة النفط، عن تصديرها اول شحنة من النفط لمصر بطاقة مليوني برميل. في وقت أعلنت فيه شركة نفط البصرة تعديل عقد تطوير حقل السيبة الغازي بما يتضمن السماح بدخول الهيئة المصرية العامة للبترول كشريك في تطوير الحقل بنسبة 15% في ضوء تخلي المشغل الرئيس للحقل شركة كويت انيرجي عن تلك النسبة من حصتها في مشروع تطوير الحقل البالغة 45%. وفي الشهر نفسه (ايار) أعلنت شركة نفط البصرة أنها وقعت عقداً مع شركة (ايني) الايطالية التي تعد المشغل الرئيس لحقل الزبير النفطي يقضي بامتلاك نفط البصرة لحصة شركة (اكسدنتال) الأميركية في الحقل البالغة 31%.
وفي تموز، في وقت قالت فيه وزارة النفط انها حفرت اول بئر في حقل الحويزة النفطي الحدودي، مبينة ان المسوحات تشير الى ان حجم الاحتياطي النفطي في الحقل يبلغ اكثر من مليار برميل، وقعت الوزارة عقدا مع شركة جنرال الكترك لاستثمار الغاز في حقلي الناصرية والغراف، مبينة ان المشروع يسهم في إيقاف حرق الغاز في الحقلين وتوفير الغاز الجاف.
وارتفع، في تشرين الاول، الطاقة التصديرية للنفط الخام الى معدلات غير مسبوقة لتبلغ 4 مليون و600 الف برميل يومياً والتي تحققت بعد الانتهاء من مشروع العوامة الاحادية الخامسة واضافة طاقة تصديرية جديدة تصل الى معدلات 900 الف برميل يومياً.
في تشرين الثاني/ 2017، وزارة النفط تدعو الشركات العالمية لاستكشاف وتطوير وإنتاج 9 رقع حدودية جديدة مع ايران والكويت، وفي محافظات البصرة وميسان المثنى وواسط وديالى وواحدة في المياه الإقليمية في جنوب العراق. اضافة الى توقيعها اتفاقاً مع إيران لتصدير النفط من حقول كركوك إلى إيران.
وشهد كانون الاول توقع الوزارة عقدا مع احدى الشركات الصينية لتطوير حقل شرقي بغداد، والوصول بالانتاج الى 40 الف برميل خلال خمس سنوات.
المالية..
قروض وسندات للانقاذ
في عام 2017 باشر مصرفا الرافدين والرشيد بمنح قروض وسلف لشرائح مختلفة منها الكوادر الصحية ولاصحاب الفنادق ولاصحاب المشاريع الخاصة. ففي آذار، وقع العراق مع بريطانيا مذكرة تفاهم على قرض بمقدار 10 مليارات باون استرليني لتطوير البنى التحتية بالعراق ومدة تنفيذ تبلغ عشر سنوات. وفي ايلول، اعلنت اليابان منح بغداد قرضا بقيمة 270 مليون دولار، جاء القرض لتحسين الظروف المالية للعراق ومساعدة الحكومة على اجراء الاصلاحات.
وأطلقت وزارة المالية، في تشرين الثاني، سلف المتقاعدين والبالغة ثلاثة ملايين دينار عبر فروعه في بغداد والمحافظات. ووقعت مع بنك التنمية الالماني المرحلة الاولى من القرض الالماني البالغ 500 مليون يورو لصالح وزارة الكهرباء.
ضمان القرض السيادي، وقعته بغداد في كانون الثاني 2017 مع واشنطن بقيمة مليار دولار، لتوفير الموارد التي تمكن الحكومة من الايفاء بالتزاماتها الاساسية اتجاه الشعب العراقي. وفي الشهر نفسه، اعلنت وزارة المالية، اصدارها السندات الحكومية المضمونة بمبلغ مليار دولار، مشيرة الى ان مدة السند سيكون 5 سنوات وبفائدة 2.1% سنويا.
موازنة خارج طاولة البرلمان
مشروع قانون الموازنة لعام 2018 على طاولة البرلمان، في تشرين الثاني، أرسلته الحكومة إلى مجلس النواب متضمناً استقطاع رواتب الموظفين جاءت مطابقة لنسبة استقطاع عام 2017 وبنسبة 3.8% مع تخفيض حصة الإقليم إلى 12.67% وتحديد سعر 46 دولارا لبرميل النفط».
في كانون الاول مجلس النواب يرجع الموازنة العامة الاتحادية لعام 2018 لغرض اجراء التعديلات عليها بعض التحفضات عليها من قبل بعض الكتل السياسية. فيما بعد، صوت مجلس النواب على قانون يقضي بتتويج محافظة البصرة كعاصمة اقتصادية للعراق، ورحبت الحكومة المحلية بإقرار القانون، وأكدت انه يعزز من المكانة الاقتصادية للمحافظة.
خارج الموازنة..
أمن على حساب عجز مزمن
بين تقرير 2017 لصندوق النقد الدولي، ان الانفاق خارج الميزانية وخاصة على الامن في العراق ادى الى زيادة العجز في الموازنة، الا انه توقع تراجع العجز في الناتج الاجمالي المحلي لكون الانفاق في الموازنة سيكون محدودا.
ويسد العجز الحاصل في الموازنة الاتحادية من خلال مصادر داخلية, فضلا عن اجراء مجموعة اصلاحات داخل البلاد وايجاد مصادر بديلة عن الموارد النفطية مثل دفع الضرائب (والتي ينبغي ان تكون تصاعدية) ودفع الرسوم وتشجيع الاستثمارات.
لقد جاء البرنامج الحكومي لسنوات 2014- 2018 شاملا متضمنا تحقيق اصلاحات اقتصادية ومالية وادارية للمؤسسات الحكومية وهي ضرورية لتطوير الاقتصاد العراقي وتخليصه من احاديته مع ضرورة وضع اليات المتابعة الفعالة لتنفيذ فقرات البرنامج ومكافحة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة العسكرية والامنية, وايلاء اهتمام خاص بالتشريعات الاساسية التي تكرس الروتين والبيروقراطية وادخال التقنيات الحديثة في الادارة ودعم القطاع الخاص الوطني وتشجيعه على الاستثمار فضلا عن اصلاح قطاع الدولة .
العراق والجوار..
تبادل من طرف واحد
الثمار غير مرجوة، ذلك أن، في آب 2017 مثلاً، وصل حجم التبادل التجاري بين العراق وايران الى ذروته: 20 مليار دولار، ما أبلغ بصناعة وطنية تعاني التخطيط والانتاج. وفي كانون الأول أبلغنا السفير العراقي لدى أنقرة أن حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا وصل إلى 30 مليار دولار سنوياً، وفي وقت قال فيه: «نحن نمثل مركز العالم»، لم يكشف عن «ماذا يصدر العراق الى تركيا؟».
التخطيط..
«خمسية».. لانخفاض التضخم
خاضت وزارة التخطيط، في الربع الأخير من 2017، مخاض الاعداد لخطة التنمية الوطنية الخمسية 2018-2022. فرق متخصصة تابعت ودرست اوراق الخطة التي ينبغي ان تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الاقتصادية التي سيمر بها العراق خلال السنوات الخمسة المقبلة.
الازمة المزدوجة الامنية والاقتصادية القت بظلال سلبية على واقع التنمية في البلاد وبالتالي فانها اثرت بنحو واضح على اهداف الخطة لا سيما في قطاعات الزراعة والنفط والغاز والصناعات التحويلية.
خبير اقتصادي نصح وزارة التخطيط: «من غير المتوقع ان تحقق الايرادات غير النفطية في العراق تطورا ملموسا في ظل استمرار الواقع الاقتصادي الحالي المترتب على الازمة المالية وتراجع النشاط الاقتصادي وتوقف العديد من مشاريع التنمية سواء في القطاع العام او القطاع الخاص. لكنه أشار الى ان «الاجراءات الحكومية التصحيحية ذات الصلة المعززة للموازنة العامة والبحث عن ايرادات جديدة أسهمت في ترصين الحيز المالي المتاح للدولة والمتوقع ان يستمر اثرها لسنوات».
ونلفت الى ان النسب أدناه، لناحية انخفاض التضخم أو ارتفاعه لم تختلـف الى حد بعيد بين كانـون الثاني وكانـون الأول 2017، الأمـر الـذي لم يرهقنـا فـي قـراءة «التخطيـط».
وتواصل وزارة التخطيط في قراءة معدل التضخم العراقي الذي قالت عنه، في تشرين الثاني 2017، انه انخفض بنسبة 0.1% مقارنة مع شهر تشرين الاول الذي سبقه، في حين شهد معدل التضخم السنوي خلال المدة من تشرين الثاني 2016 إلى الشهر نفسه من عام 2017 ارتفاعا بنسبة 0.7%، عازية الانخفاض في المعدل الشهري للتضخم إلى انخفاض قسم السكن بنسبة 1.9%، وقسم النقل بنسبة 0.1% وقسم الترفيه والثقافة بنسبة 0.7%.
أما مؤشر التضخم الاساس فقد انخفض بمعدل 5.0% عن الشهر السابق في حين ارتفع بنسبة 1.2% بالمقارنة مع شهر تشرين الثاني 2016.
في الاثناء، فان إجمالي الناتج المحلي الحقيقي انكمش بنسبة 3% في 2017 بسبب انخفاض متوقع نسبته 6% في إنتاج النفط، نتيجةً لاتفاق أعضاء منظمة أوبك في تشرين الثاني 2016 على خفض إنتاج النفط بمعدل 1.2 مليون برميل يومياً.
واضطرت بغداد بسبب الصدمات الأمنية والنفطية إلى أن تلجأ سريعاً إلى تخفيض النفقات، وهو ما أثَّر سلباً على الاستهلاك والاستثمار في القطاع الخاص.
ومع تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 49 مليار دولار خلال 2017 من 80 مليار دولار في 2013، فان نسبتا البطالة والفقر تصاعدت إلى 25% و30% على التوالي مقارنة بـ 12% و19% على التوالي قبل بدء الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي.
وكان صندوق النقد الدولي قد توقع وصول حجم الدين العراقي خلال عام 2017 إلى نحو 123 مليار دولار.
ونلفت ايضاً، الى أن حجم الاضرار في المناطق المحررة من داعش، بحسب وزارة التخطيط، بلغت نحو 55 ترليون دينار اي ما يعادل 47 مليار دولار، هذه الاضرار تتعلق بمؤسسات الدولة فقط وان هذه الارقام سترتفع بعد الانتهاء من احصاء حجم الاضرار التي لحقت بالقطاع الخاص.
معادلة الزراعة بملحقها التجارة..
اختتمت وزارة التجارة 2017 معدلات المستلم من محصول الشلب المسوق من الفلاحين والمزارعين البالغة أكثر من 55 طنا في المراكز التسويقية. محافظة النجف أتت في صدارة المحافظات الشلبية (الرز) من حيث الكميات المسوقة، إذ بلغ اجمالي ما تم استلامه من الشلب بأنواعه نحو 42 ألف طن وجاءت محافظة الديوانية ثانيا بكمية بلغت 9 آلاف أطنان ثم محافظة بابل ثالثا بكمية 4.5 آلاف طنا ثم محافظة المثنى رابعا حيث بلغ ما تم تسويقه أكثر من 3 آلاف طن.
وظهر ان العام 2017 شهد ارتفاعا في معدل تسويق الشلب مقارنة بالعام الماضي وبجميع اصناف الشلب، اضافة الى تصاعد تسويق كميات (الشلب العنبر) والذي تجاوز 11 ألف طن.
أما وزارة الزراعة، فقد أكدت استمرارها بمنع استيراد المحاصيل من خلال الروزنامة الزراعية التي تعتمدها، وفي موسم غزارة الإنتاج، ومنعت استيراد محصول الذرة الصفراء، على اساس مراقبتها الانتاج الزراعي وخاصةً محاصيل الخضروات, في حال توفر كميات كافية لتغطية الطلب المحلي.