مروان المعشّر
بعد الإدانات العربية والدولية التي رفضت كلياً الخرق الفاضح للقانون الدولي من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من المفيد التفكير في ما نحن فاعلون بعد هذه الخطوة الرعناء.
بعد الإدانات العربية والدولية التي رفضت كليا الخرق الفاضح للقانون الدولي من قبل الرئيس الاميركي ترامب، من المفيد التفكير فيما نحن فاعلون بعد هذه الخطوة الرعناء.
اولا أن خطوة ترامب تشكل اجابة واضحة لكل العرب الذين عولوا على الرئيس الاميركي واعتبروا أنه سيكون افضل للجانب العربي ممن سبقوه. ولأصحاب الذاكرة القصيرة ينبغي التنويه ان التعصب الأعمى والجهل الفاضح والسلطوية المقززة التي تميز شخصية ترامب لا يمكن ان تفضي الى قرارات تحترم الشرعية الدولية وتساند الحق الفلسطيني. وللاسف، ما يزال بعض المهللين يتكلمون عن نظرية غير موجودة الا في خيالهم مفادها ان ترامب بفعلته هذه يود كسب ثقة الإسرائيليين حتى يتقدم بخطة سلام تطلب منهم تنازلات مؤلمة، ما يمثل عدم دراية بخلفية قراره المبني على محاباة اليمين الاميركي المتطرف واسرائيل. واهم من يعتقد ان الخطة الاميركية الجديدة، متى ما تم إعلانها، ستكون مقبولة في حدودها الدنيا للفلسطينيين وقد أصبحت ملامحها واضحة بعد أن تحدث عنها من عرضت عليهم وأشرتُ لها في مقال سابق. هل نأمل بموقف عربي موحد يرفض التعامل مع الادارة الاميركية حول ملامح الخطة المزعومة؟
ثانيا، غني عن القول إن فلسطينية القدس لا تعتمد على قرار ترامب، بل انه ليس من دولة واحدة في العالم لديها سفارة في القدس، ما يمثل اجماعا دوليا على عدم شرعية الاحتلال. ما فعله ترامب أنه أعاد للواجهة الاهتمام العربي بالموضوع الفلسطيني بعد سنوات من الإهمال. لن يقبل فلسطيني واحد او عربي بالسيادة الاسرائيلية على القدس او المقدسات الاسلامية والمسيحية.
وأنْ يصرح نتنياهو أنْ لا سلام دون سيادة اسرائيل على القدس، فلا سلام دون سيادة الفلسطينيين على القدس أيضا.
بعيدا عن العواطف، من الأهمية بمكان التخطيط السليم للمرحلة القادمة، لأنه يجب أن يعنينا بشكل رئيسي ما نستطيع التأثير فيه بشكل مباشر. صحيح أننا لا نملك أردنيا معظم الأوراق الخارجية فيما يتعلق بالنزاع العربي-الاسرائيلي، ولكننا نملك ورقة مهمة هي تحصين الجبهة الداخلية، ورقة ما نزال مترددين في السير بها وبشكل لم يعد مفهوما. مطلوب الوقوف بقوة وراء جلالة الملك في موقفه الداعم للقدس ولفلسطين، ومطلوب أيضا، ضمن الوقوف مع جلالة الملك، اعتماد برنامج إصلاحي سياسي واقتصادي حقيقي باعتباره ليس ترفا فكريا يمارس من قبل مجموعة نخبوية، ولكن ضرورة لا تحتمل التأجيل للتصدي لما يرسم من مخططات خارجية. هذا الامر بيدنا إنْ توفرت الارادة، ونحن بحاجة لسياسيين في دائرة صنع القرار يؤمنون ويعملون بهذا الاتجاه، ويذهبون إلى أبعد من مجرد الحديث عن الأمن بمعناه الضيق، وقد بات واضحا أن الامن الحقيقي لا يتحقق دون تنفيذ مثل هذا المشروع الاصلاحي.
يبدو أن منطق القوة ومحاولة الاستحواذ على كل شيء الذي تمارسه اسرائيل مدعومة بالولايات المتحدة سيدفع الفلسطينيين باتجاه واحد فقط، وهو التخلي عن المفاوضات لأن المعروض غير مقبول بكل المعايير، والالتفات للتركيز على الحقوق ورفع كلفة الاحتلال، وهو ما يجب برأيي أن تركز عليه مقاربة أردنية وعربية جديدة لدعم بقاء الفلسطينيين على ارضهم.
ترامب سيرحل بعد ثلاث سنوات أو سبع سنوات. ومهما تكن تداعيات قراره آنذاك، فعامل الوقت ليس مع اسرائيل وإنما مع الفلسطينيين. صحيح أن ذلك يزيد من معاناة الفلسطينيين لجيل قادم، ولكن التعنت الاسرائيلي والاميركي لم يترك لهم خيارا آخر إلا التركيز على الحقوق لجيل قادم يتم بعد ذلك تنفيذ مشروع الدولة الواحدة بأغلبية فلسطينية تحرر فلسطين عمليا من الداخل بعد أن فشل مشروع تحقيق استقلالها من الخارج.
* ينشر هذا المقال بالإتفاق مع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ٢٠١٤
لقراءة النص الأصلي٬ إتبع الرابط التالي: http://carnegieendowment.org/sada