د.خالد عبدالغني
النسق الأوديبي في الكتابة الروائية أو الشعرية قصد به استلهام ملامح الأسطورة اليونانية «أوديب ملكا» واستدماجها داخل النص الأدبي بحيث تسيطر روح القدر على البطل الذي لا يرتكب جريمة ولكنه يعاقب علي فعل غير آثم ، بإرادة القدر وقد تمثل نجيب محفوظ هذا النسق في روايته الشهيرة اللص والكلاب، وفي الأسطورة أن كاهناً (ترياسيس) أخبر (لايوس) ملك طيبة، وزوجته (جوكاستا) أنه إذا وُلِد لهما ولد فسيقتل أباه ويتزوج أمه، وقد عاقبه القدر بأن فقأ عينيه وعاش طريدا هائما على وجهه في الصحراء لا تقدم له العون سوى ابنته (انتيجونا). وتنطوي المسرحية على العديد من الأفكار والقضايا الفكرية والفلسفية فهي تبحث في الأخطار التي يواجهها المرء في رحلته الطويلة على طريق البحث عن الذات وتبحث في مشاعر الذنب وتكشف عن طبيعة القدر وتدرس العلاقة بين الفرد وقدره، فحرص أوديب على البحث عن الذات وثقته التي لا تعرف الحدود بنفسه وسرعة غضبه – وكلها خصائص تتميز بها شخصيته – هي السبب وراء المواجهة مع قدره وهي الحافز في تحقق النبوءات.
وفي رواية «السقشخي» للاديب على لفته سعيد تتجلى ملامح النسق الأوديبي في هرب ماجد من السجن بالعراق مثلما خرج أوديب من بلدته صغيرا فيقول « هربت من العراق في أول شهر بعد مغادرتي السجن « ، ويدفعه القدر للجلوس في المطعم في لبنان ليتعرف على زينب ويحبها ويتزوجها فيقول «كنت ساهما في احد المقاهي في شارع الحمرا ..أخاف من رؤية أية شخصية عراقية قد تعرفني .. وكانت هي تجلس وحيدة ..ومثل قدر لا نراه إلا في المخيلة ابتسم أحدنا للاخر وربما الوقت الطويل الذي أمضيناه جلوسا منفردين أوحي لبعضينا أننا في مأزق حياتي « ، وتكون زينب فيما بعد دليله للدخول الى امريكا ، مثلما دخل اوديب طيبة بعد ان حل اللغز ، دخل ماجد أمريكا بعد زواجه من زينب ، ومثلما أسلمت جوكاستا ابنها للقدر عندما هربته خارج المدينة طفلا ، تقود زينب ماجد الى برج التجارة بسيارتها ليتم اتهامه بعد ذلك بالضلوع في تفجير البرجين، ولعل ماجد يدرك في اعماقه المصير والنسق الأوديبي حين يقول «فأنا أعرف هذا الحظ التعيس الذي يلاحقني في أي مكان أكون فيه..لا فرحة تكتمل إلا بمضايقة او اختناق الحزن لمفاصل العمر» . ومثلما كان الكاهن ترياسيس ذلك العراف الذي لديه النبؤة والمعرفة طوال الأسطورة، كان في السقشخي يونس خال ماجد ذلك الرجل الشيوعي المثقف الذي لديه المعرفة والنبؤءات أيضا فيقول ماجد عنه « ولكن كيف لها أن تقتنع أن خالي يونس هو من زرع في رأسي أن في هذين البرجين يكمن كل شيء أقتصاد وقدر ليرسم العالم» نلاحظ انه حتى في ذكر يونس تصاحبه كلمة القدر ايضا ، ويتم القبض على ماجد لمجرد مصادفة وجوده وتصويره لتفجير البرجين برغبة داخلية «دفينة» من حب الاستطلاع والمعرفة مثلما كان أوديب يعاقب على حب المعرفة وبحثه عن اصوله ومكان عائلته – المعرفة بشكلها الرمزي- فيقول ماجد «رفعت رأسي وبلا شعور كانت الكامير بيدي وانا اصور لحظة ارتطام الطائرة ..باحثا عن فسحة أكبر من نافذة السيارة ..وثمة خفقان كبير يضرب صدري ويجادل لحظة الانغماس في شعور الاطلاع والرغبة في معرفة الاشياء التي حولي ..نزلت من السيارة لاري المشهد كاملا في الاتجاه المستقيم للشاع المؤدي الى الماساة «، وبهذا أدت الرغبة في المعرفة في التمهيد للقدر كي يقوم بدوره في معاقبة ماجد وأديب معا.
لا نجادل في أن الرواية من حيث شكلها الفني وغرضها المباشر قد توحي لدى كثير من النقاد أنها تعبر عن شخص يواجه الخوف منذ طفولته وتربيته ألّا يكون في مواجهة القوة وأن يبحث عن الحياة في مسيرها الطبيعي.. ولكن كلمةً واحدة تقوده الى السجن مثلما قادته وهو طفل مشاجرة لم يكن فيها غير الخاسر الى مركز الشرطة ايضا.. ولأنه يكتشف إن البقاء في البلد أضحى محكوما بالضياع والخوف وترقب الموت في أية لحظة يهرب الى الأردن ويلاحقه الخوف ايضا ثم يهرب الى لبنان فيصادف امرأة لبنانية أمريكية جاءت لزيارة أهلها فيقعان في الحب لتبدأ رحلة أخرى الى أمريكا حيث يتزوجها. وتبدأ هناك سلسلة أخرى من المتاعب والمآسي . ولكن في بعدها الرمزي والتحليل النفسي تكشف عن فمهومين كبيرين هما النسق الاوديبي كما لاحظنا ، والحتمية النفسية واسقاط الذات أيضا.