علي نعمة يجسد الواقع بعين العاشق

بضفاف عراقية الهوى
مانشستر ـ محسن الذهبي:

(علي نعمة ) فنان شاب عراقي فرض وجوده في المشهد التشكيلي العراقي المعاصر، فهو سليل عائلة ابرزت ثلاث وجوه فنية مؤثرة في التشكيل العراقي الحديث، هو الاخ الاصغر للفنان رياض نعمة وتحسين نعمة كل أشتغل على وجهة مختلفة في التعبير والاسلوبية . أختص الفنان (علي نعمة ) بالاشتغال بجهد ابداعي على ضفاف واقعية تحمل سمة التفجير اللوني وأيجاد مقاربة ابداعية تجعل الواقع اقرب في ابهاره لعين المشاهد .
فهو يحتفي بالاجواء الواقعية والرموز الشرقية والبغدادية خاصه والاشتغال على جمالية الابهار المشهدي دون التقيد بروح الواقع بل يضيف له لمسات لونية تجعل منه أكثر تاثيرا في متعة الفرجة التشكيلية ليجعل المشاهد يحلم بروح الماضي بفرح الحاضر المفقود، أزقة وخيول ونساء بغداديات وحالات عشق ووجوه ذات حضور في الذاكرة مفردات ثيم لوحات الفنان . ومع ذلك هو لا يخفي تأثره الواضح بنهج رواد التشكيل العراقي من امثال فائق حسن وغيره من رواد الواقعية في التشكيل العراقي .
وهنا لا يمكن ان نهمل الاشارة الى التأثير النسقي وتطابقه مع الواقع، فالعمل الفني عنده مبني اساسا على كونه نتاج ارادة واعية في الصياغة والتكوين البنائي العام للوحة متاتيا من نمط ادرك ابداعي مرتكز على مخزون المدرسة الواقعية التي بدأ بها شوطه الفني وبقى محافظا على روحها حتى وصل بها مراحل متقدمة من الاتقان الحرفي والسيطرة اللونية، حتى عرف باسلوبيته المتميزة عن كل اقرانه .
واعماله الابداعية ماهي الا محاولة لفتح افق جديدة امام منجزه الفني والجمالي في توظيف مضمونية الشكل الواقعي في خدمة الخطاب التأويلي والجمالي عبر دراسة المفردات اليومية المؤلفة للمحيط الانساني وما يدور في فلكها من اشياء .
فهو يمازج في اعماله بين الثيم حد الاختلاط والذوبان تاركا للفراغ والرموز المرافقة للواقع بعدا ايحائيا يشكل اللون فيه سطوة السطوع من اجل ايجاد التوازن والتوافق التكويني وخلق المعنى الاشاري للرمز الشيئي المتراكم والمتداخل والذي يتحول الى ارتسامات باطنية ذات طابع جمالي سيكولوجي يستوحي علامات خارجية ويعيد صياغتها وفق نسق فكري انساني واضح المعالم .
أن الفنان ( علي نعمة ) يقوم بعملية تفكيك منتظم وواعي للعناصر المكونه للموضوع الى اجزاء ويذيبها في البناء الشكلي للوحة، فهو اذن لم يحاول التعمق في دراسة الجذر الواقعي في البنية التصويرية محاولا تهشيم بعض الملامح الخارجية من اجل أعادة بناء المفردات التشكيلية وفق نمط اخر يقترب من الواقع وليس مغاير له ، كما انه في الوقت ذاته لا يرتمي في حضن التجريد المجاني للواقع والاشياء بل يحاول جاهدا ان يعيد صياغة الواقع المتخيل لابرازالهم الانساني ومعالجة همومه بشكل يبتعد عن مباشرة الواقعية والتشخيص التفصيلي، مرتكزا الى التشخيص الرمزي التفاعلي المتراكم بتركيبات شكلية لخلق الصورة الموحية ذات المداليل المتعددة عبر ايجاد مجموعة من العلاقات بين مختلف عناصر التكوين وربطها بمفهوم تكاملي، قد يكون قريب في بعض الاحيان منه، لكنه بالتأكيد منظم بشكل قصدي ويرتكز على مرتكزين اساسيين الاول هو النصية التي تمثل العوالم الداخليه للمبدع بخطابه الجمالي عبر اللون وخلق واعادة تركيب الانساق المصغرة كمفردات مكونة للعمل الفني حيث يتجسد الوعي داخل الشكل واللون اذ يندمج في حالة نوعية فاللون الحار مثلا والذي يغرق مساحات واسعة من لوحاته يحمل خصوصية حرارة اللون وكمونه البصري( كلون مسيطر ) ويحاور ما جاوره من الوان ليعطيها بعدا تمثيليا ورمزيا اكثر ايضاحا للقصدية التي تحدثنا عنها، اما المرتكز الاخر فهو البعد الخارجي الذي يجسد ويستوعب الخطاب النقدي الذي يريد الفنان طرحه فكريا والمستوحاة من اصول متعددة يختزلها في اطار تفاعل قصدي فاعل وديناميكي، عبر نزعة تصويرية تتسم بالاقتراب من الواقعية وان غلفها في بعض الاحيان بغموض من نوع خاص، وباسلوب يتيح للخيال اقصى درجات الحرية واعادة تشكيل الاشياء وفق منطلق العقل الباطن وبتراكيب متداخلة لخلق عالم اخر بمنظور يجمع بين عالم الواقع ويتجاوزه الى ما يمكن ان نسميه ( ما بعد الواقع ) في شعور المتلقي .
لا شك أن مداليل اللون وثيم الانسان بيومياته حالة جوهرية عند الفنان هي مداليل ديناميكية تحاول تنشيط العملية التاويلية للمتلقي حيث يترك الفنان العنان للطاقة الذاتية للانعتاق في التعبير التلقائي ومحاولة اسقاطها على الواقع الخارجي بنزعة احتجاجيه واضحة تبرز ما يتعرض له الانسان من معاناة . فهو احد المبدعين الذين يريدون ان يكونوا واعين بفنهم مساهمين قدر المستطاع في رفع الاستلاب عن الانسان فما وظيفة الفن عنده الا الكشف عن دلالته المتمردة.
فهو في الوقت الذي يلجا إلى الواقع المجرد هاربا منه محتميا من عنفه واختلافه، وتشظيه الى غرائبيه واقعيه تتنوع على مستوى المضامين وبرصد ذكي للواقع الممتليء بالمتناقضات والفواجع من أجل البحث عن الإنسان المفتقد لهويته والمسلوب الإرادة هائما على وجهه يبحث عن ذاته المغتربة كفنان وانسان مبدع فاغلب تشخيصات الفنان تبدو عاجزة عن ادراك هذا الواقع كشيء متكامل ونهائي في التعبير الفني لذا فهو لا يهرب الى الرمز ليعبر عن الواقع الفاعل والمؤثر في المجتمع بل يعود له ويجسده بعين تختلف وتعبر عن عين الفنان في الرؤيا .
إن اعماله تعبر عن موقف ورؤية من ما يحدث في هذا العالم ،انها كما يبدو رغبة الوعي النقدي لديه والتي تدفعه نحو مزيد من الابتكار الموضوعي لرؤى مغايرة ومختلفة في مصدرها و مرجعيتها لخلق النص التشكيلي غير المألوف فقد كان من إيجابيات هذا الاسلوب الذي استخدمه أنه استطاع وبوعي أن يحاصر المنهج النصوصي والشكل ذا النزعة الظاهرية ليطوره بعيداعن الشكلانية والقراءة الحرفية الجامدة للشكل والواقع، عبر حرفية دمجت التشبيه والتجسيم باجواء اللوحة كما أدخلت السطح المؤثر والتفكيك القيمي إلى جسد اللوحة بنحو لافت ومميز .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة