جامعة الموصل تنفض غبار الحرب وتعقد آمالها على إرساء التعايش السلمي

متابعة الصباح الجديد:

بالكاد وضعت الحرب أوزارها في الجانب الشرقي من مدينة الموصل في شباط (فبراير) الماضي، حتى بدأت الحياة تدب بوتيرة متسارعة في أرجاء الجامعة، في غضون 3 شهور فتحت بواباتها على مصاريعها أمام الطلاب.
آثار الحرب ما زالت على الجدران ومقاعد الدراسة ووجوه بعض الناجين من أبناء المدينة، لكن ذلك لم يمنع نحو (35 ألف) طالب وطالبة من أن يرتادوا صفوف الدراسة في الجامعة.
عمر حبيب يصطحب زوجته صباح كل يوم ليقفا في طابور سيارات طويل أمام الجسر العائم المؤقت الذي نصبته القوات العراقية على نهر دجلة ليربط جانبي المدينة، بعدما تناوب التحالف الدولي وتنظيم “داعش” على تدمير الجسور الخمسة فيها.
هذان الطالبان يقصدان كلية الآداب، بعدما تخلفا عن الدراسة فيها لثلاث سنوات بسبب سيطرة التنظيم المتطرف على المدينة في حزيران (يونيو) 2014، “كنا زميلين في المرحلة الاولى، احببنا بعضنا وقررنا الارتباط بعد التخرج، لكن الحرب عطلت الدراسة فارتبطنا تحت ظرف استثنائي، وها نحن نعود الى الكلية زوجين وزميلين في الوقت ذاته”، يقول حبيب مازحا.
الحرب غيرت الصف الذي يرتاده حبيب وزوجته، “ثمة تغييرات كثيرة أبرزها عودة طلاب المحافظات ومكونات نينوى الى الجامعة، الى جانبي زملاء مسيحيين وايزيديين واخرين شيعة من محافظات أخرى بعيدة، انه أمر مفرح حقا” يضيف.
مرتضى الزبيدي جاء من محافظة ديالى (350 كلم تقريبا شرق الموصل)، ليدرس الهندسة في الموصل، يقول لـ (نقاش)، مجرد التفكير بالمجيء الى الموصل محض خيال، ليس لأنني شيعي وداعش يقتلنا على الهوية كما يفعل بالايزيديين والمسيحيين، بل لان المدينة معزولة عن العالم تماما والحياة فيها متوقفة، لقد كانت ميتة سريريا.
ويتابع، “لم يكن خياري ان ادرس هنا، انه نظام توزيع المركزي لطلاب الجامعات. ترددت في البداية وكنت خائفا. فالصورة التي روجها التنظيم عن المدينة سيئة جدا، حتى اتصل والدي بمعارفه واستفسر منهم عن الوضع.
“اقضي الشهر الثاني بالموصل، تبددت كل المخاوف، الأمور جيدة .. نعم جيدة”، يستدرك بينما يهم بالدخول الى الحرم الجامعي.

عيد صيام ايزيدي في الجامعة
مشاهد الحرب تشكل صدمة لكل من يزور المدينة اول مرة، الدمار في الجامعة كبير، يقدره مدير الإعلام فيها يونس كريم بـنحو 65%.
ابنية مدمرة تماما جراء القصف الجوي الذي نفذه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، حيث اتخذ عناصر داعش من الكلية والمكتبات مقرات له، بينما الجزء الآخر منها بات محترقا او ملطخا بقير من رأسها الى أخمص قدمها. لقد تبنى داعش سياسة الأرض المحروقة.
صورة الحمار الذي يجوب الجامعة بمنتهى الحرية، انتشرت على نطاق واسع بعد سيطرة التنظيم عليها وتوقف الدراسة فيها تماما، لقد كانت مثار سخرية وتم تداولها على نطاق واسع في أوساط الطلبة والتدريسيين في وقتها.
قريبا من مبنى المكتبة المركزية المتفحم تماما، وقفت (فريال سيدو) بين زملائها لتوزع عليهم الحلوى بمناسبة عيد الصيام الخاص بالايزيديين.
كانت فريال الايزيدية تتوسط زميلاتها المسلمات (سنة وشيعة) من داخل الموصل وبعضهن قادمات مدن أخرى بعيدة، لو وقعت الفتاة أسيرة بيد داعش عندما اجتاحوا سنجار (110 كلم غرب الموصل) في اب (أغسطس) 2014، لذهبت ضحية القتل او السبي على غرار ما حدث مع نحو ثلاثة آلاف ايزيدية.
لذا فان الأجواء تبدو من بعيد رائعة هنا في الجامعة، لكن في العموم ثمة ازمة تعايش وأزمة ثقة في المجتمع لا يمكن إخفاءها بغربال، وقد تساهم الجامعة في حل هذه المشكلة العويصة ولو بجزء بسيط كونها تحتضن آلاف الطلبة من مختلف المكونات.

نشاطات خارج الصف
أهمية جامعة الموصل تأتي من كونها مؤسسة تعليمية رصينة وكبيرة، تضم (23) كلية و(12) مركزا علميا ومكتبا استشارية، وخمسة مستشفيات وستة متاحف ومكتبة مركزية زاخرة – تم تدميرها بالكامل – و(25) مكتبة ملحقة بالكليات والمراكز العلمية.
والى جانب عدد طلابها الكبير ثمة (4280) تدريسياً يعملون فيها بمختلف التخصصات.
“هذا التنوع والغنى يجعلها بيئة خصبة للتعايش السلمي، فالجامعات لا يجب ان تكون انعكاسا لهوية اجتماعية محددة او اتجاه سياسي معين، وكلما ابتعدت عن ذلك ستصبح أكثر اتزانا ووقارا”، يقول دكتور محمود عزو أستاذ العلوم السياسية في الجامعة.
ما يشرح القلب ان الطلاب والطالبات من المكونات الصغيرة في نينوى (ايزيديون ومسيحيون) عادوا الى الجامعة، بل زادت نسبتهم عما كانت عليه قبل سيطرة داعش على المدينة، يضيف.
وبنبرة متفائلة، إحدى طالباتي ايزيدية وأنا سعيد جدا بوجودها في الصف الدراسي واندماجها مع زملائها.
عزو واحد من مجموعة أساتذة مارسوا نشاطا جماهيريا للتشجيع على التعايش وبناء السلام، كان ضمن قافلة من أبناء الموصل زارت بغداد والنجف بعد الخلاص من داعش، ويكتب الآن سلسلة مقالات عن التعايش وخطاب الكراهية، فضلا عن المساهمة في تنظيم ندوات ومؤتمرات علمية عن أزمة بناء السلام في الموصل. “هذه مفردات جديدة بدأت الأوساط العلمية تتداولها، وهي نتيجة طبيعية لمرحلة ما بعد الحرب”، يقول.
يحتضن الحرم الجامعي منذ تحرير الموصل، أكثر من عشرة مهرجانات كبيرة تدعو للتعايش والسلام إلى جانب معارض فنية ومؤتمرات وندوات، كلها أقيمت على أنقاض أبنية مدمرة أو بين جدران محترقة تماما.
بينما أعكف على كتابة هذا التقرير، ثمة قافلة تضم نحو خمسون تدريسيا وطالبا من جامعة الموصل، وصلت مدينة السماوة جنوب العراق، للمشاركة في احتفالات انتصار القوات العراقية على “داعش” وتحرير مدينة الموصل.
الطريق طويلة وشائكة، أزمات ما بعد داعش بين المكونات بدأت تتفجر هنا وهناك في نينوى، لكن تبقى الآمال معقودة على المؤسسات التي توفر بيئة للتعايش، كجامعة الموصل.
* عن موقع نقاش

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة