مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 30
جاسم محمد*

المقاومة الإلكترونية
وفي الاتجاه المعاكس ظهر نشاط “الهاكر جستر” المعني بقرصنة المواقع “الجهادية”، ويديره جندي اميركي شارك سابقاً في حروب اميركية ضد الإرهاب، ويعمل حالياً في حقل الاستخبارات والامن الالكتروني ومدعوم من قبل الولايات المتحدة الاميركية. اتجهت الادارة الاميركية خلال شهر فبراير 2015 لتجديد وتحديث جهودها في مجال المقاومة الالكترونية لتنظيم داعش بعد تكثيف داعش على سياسة تصعيد نشاطه على تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي. وبسبب هذه التداعيات شكلت وزارة الخارجية الاميركية مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب لملاحقة نشاطات التنظيمات “الجهادية”.
اكد مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية جون برينان في 6 مارس 2015، ان الوكالة بصدد اجراء اكبر تعديلات في تاريخها لزيادة التركيز على عمليات الانترنت ودمج المبتكرات الرقمية في جمع المعلومات. وقال “جون برينان”، انه سيتم تأسيس “هيئة الابتكار الرقمي” لرصد واستغلال تطورات التكنولوجيا الرقمية، مفيدا بان وكالة المخابرات المركزية “سي اي اية” بصدد تشكيل وحدات جديدة تدعى “مراكز المهام” تهدف لزيادة التركيز على التحديات الجديدة مثل انتشار الاسلحة او مناطق جغرافية غير معروفة مثل افريقيا. يذكر ان برامج المراقبة التي نفذتها وكالة الامن القومي الاميركية كشف عنها العميل السابق لدى المخابرات الاميركية “ادوارد سنودين” منذ عام 2013، تظهر تلك حجم استفادة الوكالة من التجسس على شبكة الانترنت لجمع البيانات. بعض المؤسسات الاعلامية والمواقع انتقدت عمليات اختراق الى بياناتها ومعلوماتها على الشبكة العنقودية من قبل “وكالة ناسا” التابعة للأمن القومي الاميركي. وكشف تقارير استخبارية صادرة في 20 فبراير 2015 ان الاستخبارات الاميركية والبريطانية اخترقتا اكبر شركة لتصنيع شرائح الاتصال الخاصة بالهواتف المحمولة “سيم”، وحصلتا على مفاتيح تشفير مما سمح لهما بمراقبة المستخدمين.
وتعدّ بعض الاطراف ان ما تقوم به وكالة ناسا والامن القومي من عمليات اعتراضية هي عمليات قرصنة اما منع بعض التعليقات على تويتر ووسائل التواصل فتعدّها تقيدا لحرية الراي. مازال الرأي العام في الغرب يعيش حالة من التشويش بين الهوس بتعبير حرية الراي وبين مكافحة “الدعاية الجهادية” وازدراء الاديان. بعض المنظمات رفعت دعاوى ضد وكالة الامن القومي ومنها “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة”.
ان مواجهة “الدعاية الجهادية” وشيطنة الانترنيت لا يمكن ايقافها، برغم جهود الحكومات والمنظمات، فالتطور الحاصل في التكنلوجيا والتقنية تستثمره هذه الجماعات ايضا بين انصارها من الجيل الرابع والذي يمثل الشريحة الاوسع لهذه الجماعات. فالأداة الاميركية وكذلك دول الاتحاد الاوروبي تحاول ان تسرع من اجراءاتها وشرعنة القوانين لمواجهة هذه التهديدات التي بدئت تضرب امنها القومي وتلوح بتصعيد تهديداتها على المستقبل القريب.

دور المقاتلين الشيشان في سوريا
“الدولة الاسلامية” واستقطاب مقاتلي الشيشان
تعدّ امارة القوقاز التي كان يتزعمها دوكو عمروف، المصدر الرئيسي لإرسال المقاتلين الشيشان الى سوريا. التقارير كشفت ان غالبية المقاتلين من وسط اسيا ـ الشيشان اضافة الى كازاخستان تسلك طريق تركيا الى سوريا. وتدير هذه العمليات شبكات عمل للاتجار بالمقاتلين اضافة الى جانب شبكات تنظيم “الدولة الاسلامية” ومبعوثيها . تشير التقارير الميدانية بان مقاتلي الشيشان شاركوا في ساحات “جهادية” واسعة منها افغانستان والباكستان وكشمير والان العراق وسوريا. ويبدو ان مقاتلي الشيشان من اكثر المجموعات المقاتلة حماسا للالتحاق “بالجهاد” العالمي وربما يأتي هذا الاندفاع الشيشاني بسبب العزلة الجغرافية عن الجماعات “الجهادية” وممكن وصف هذه العمليات خطوة من “امارة الشيشان”لكسب مقاتلين عرب واسلامويين لدعم امارتهم.
المقاتلون الشيشان، يتميزون بالقدرة البدنية وشراسة القتال ويمثلون دعم معنوي لبقية الفصائل. ان مطاولة الصراع في سوريا خلق شبكات عمل وتواصل اجتماعي وتنظيمي بين المقاتلين عبر العالم. هذه العلاقة ساعدت على استقطاب المقاتلين حتى بعد عودتهم الى اوطانهم. وكان الاعلان عن اكبر تشكيل للشيشأن في مدينة حلب شمال سوريا حيث تشكلت كتائب مسلحة تابعة لتنظيم “الدولة الاسلامية” وهم من قدامى المقاتلين المجاهدين في الشيشان والقوقاز. وتقول ادبيات امارة القوقاز بانه “سيتم في المستقبل القريب تحرير القوقاز، وسنتوجه بعدها الى ايدل اورال وسيبريا الغربية وسنعمل بكل قوتنا على تحرير اراضي اخواننا من نير الكفر لاقامة شرع الله، بعد ذلك سنتوجه الى كازاخستان واسيا الوسطى.” هذه الطروحات تعكس عولمة “الجهاد”والتوحيد لتكون امارة القوقاز ذراع القاعدة في روسيا والقوقاز. يشار ان كازاخستان كان لها حضور جهادي في الايام الاولى في افغانستان 1989.

مصاهرة الاجانب في سوريا
اتبعت “الدولة الاسلامية” سياسة استقدام المقاتلين الاجانب ـ المهاجرين بصحبة عوائلهم ابرزهم من الشيشان، الذين يتمتعون بامتيازات افضل من غيرهم من المهاجرين. شهادات سكان الرقة ذكرت بان عوائل المهاجرين من المقاتلين الاجانب يتمتعون بامتيازات ويعيشون برفاهية ويسكنون بيوت راقية ربما كانوا يفتقدونها في بلدانهم اضافة الى المرتبات والزعامة. لقد نجح ابو بكر البغدادي باصطحاب قيادات اجنبية وعربية ابرزها من العراقيين من الخط الاول المقربين منه للسيطرة على الرقة بدلا من المقاتلين المحليين، هذه الخطوة ممكن وصفها بانها استراتيجية امنية يتبعها البغدادي لإبعاد اي تهديدات بالخروج عن زعامته. واعتمدت الدولة الاسلامية المصاهرة مابين المقاتلين الاجانب والسكان المحليين، وهي سياسة سبق ان اتبعتها القاعدة في العراق واليمن من اجل الحصول على الحماية الاجتماعية والملاذات الامنة خاصة في المجتمعات القبلية، لغرس جذورهم في الملاذات. تناولت الدراسات والتحقيقات ان مقاتلي الشيشان التي تقاتل في سوريا تلعب دورا مهما بسبب خبرتها التقنية. وهم بغالبيتهم من قدامى المجاهدين ضد الولايات المتحدة في العراق او افغانستان اما خبراء المتفجرات الذين تلقوا تدريبا في العراق او افغانستان ولديهم خبرة تقنية مهمة في صنع العبوات.

عمر الشيشاني
يعدّ من اشد المسلحين الذين يقاتلون في سوريا، وظهر كابرز قائد لما يسمى “الدولة الاسلامية”. واسمه الحقيقي “طرخان باتيرشفيلي” ولد في العام 1968، في بانكيسي فالي، في جورجية، ومن اصول مسيحية، انضم الى المجموعات المسلحة التي تقاتل ضد الحكومة السورية 2013 وانه اعطى بيعته لـ “الدولة” “بيعة قتال لا بيعة امارة”، اي انه يتوحد معهم بحكم العدو المشترك. سبق ان خدم في الجيش الجورجي ويتمتع بخبرات عسكرية وهذا ما جعل البغدادي يعتمد خبراته في ابرز معاقله في الرقة ثم دير الزور. وقاد مجموعة “جيش المهاجرين والانصار” التي تتألف الى حد كبير من المقاتلين الشيشان. وفي نوفمبر 2013، اعلن الولاء الى ابو بكر البغدادي. وفي العام 2014، قاد هجوم “للدولة الاسلامية” ضد الجماعات المسلحة المتنافسة الاخرى في شرق محافظة دير الزور السورية، ليصبح قائدا رئيسيا لقوات تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” بعد مقتل المدعو ابو عبد الرحمن البيلاوي، في شهر يونيو 2014. قتل ابو عمر الشيشاني في دير الزور متأثراً بجروح اصيب بها في اشتباكات بين جبهة النصرة والجبهة الاسلامية في شهر مايو 2015.

مهام المقاتلين الاجانب في التنظيم
اتبعت “الدولة الاسلامية” سياسة استقدام المقاتلين الاجانب ـ المهاجرين بصحبة عوائلهم ابرزهم من الشيشان زكازاخستان واسيا الوسطى، الذين يتمتعون بامتيازات افضل من غيرهم من المهاجرين والمحليين. لقد نجح ابو بكر البغدادي باصطحاب قيادات اجنبية وعربية ابرزها من العراقيين من الخط الاول المقربين منه للسيطرة على الرقة بدلا من المقاتلين المحليين. واعتمدت “الدولة الاسلامية” المصاهرة ما بين المقاتلين الاجانب والسكان المحليين، وهي سياسة سبق ان اتبعتها القاعدة في العراق واليمن من اجل الحصول على الحماية الاجتماعية والملاذات الامنة خاصة في المجتمعات القبلية، لغرس جذورهم في الملاذات. اكدت مصادر المعارضة السورية المسلحة ان مقاتلي الشيشان التي تقاتل في سوريا تلعب دورا مهما بسبب خبرتها التقنية. وهم بغالبيتهم من قدامى المجاهدين ضد الولايات المتحدة في العراق او افغانستان اما خبراء المتفجرات الذين تلقوا تدريبا في العراق او افغانستان ولديهم خبرة تقنية مهمة في صنع العبوات.
استغل تنظيم ” الدولة الاسلامية” المقاتلين الاجانب اكثر من تنظيم القاعدة النصرة وتنظيمات “جهادية” اخرى، وقد وظف ذلك اعلاميا واستخباريا بحصر نشاطاتهم في مجال الاعلام والترجمة والمستشفيات الميدانية والادارية في الخطوط الخلفية اكثر من القتال والعمليات الانتحارية، برغم ان التحقيقات كشفت عن وجود انتحاريين اجانب نفذوا عدد من العمليات في العراق وسوريا. التنظيم يستخدم الاجانب استعمالات مزدوجة، في الوقت الذي يستفيد من خدماتهم القتالية، فهو ايضا يختا من بينهم ان يعود الى موطنه، ليكون ممثلا للتنظيم والقيام بنشاطات “جهادية” ومنها ترشيح مقاتلين جدد وتزكيتهم. يبقى العنصر المادي في هذه العمليات العصب الرئيسي، كون التمويل يسمح له بتشكيل شبكات عمل وخدمات الادارة والاستقبال واعادة التأهيل الجهادية تتم ضمن فرق عمل تابعة الى الاقسام المعنية داخل هيكلية التنظيم، تظهر فيها عنصر الادارة والسيطرة.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة