ما يزال الحل متوفراً

اصبح واضحا ان ازمة العلاقة بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان ليست من جنس الخلافات السياسية العابرة التي تنشأ عن سوء فهم، او عن مؤامرات تدار من خارج الحدود، ولا حتى عن تضارب مصالح، وذلك بعد ان شقت طريقها الى قلب الاهتمامات الاقليمية والدولية خشية ان تجر الوضع في المنطقة الى حرب اضافية فوق حروبها التي لم تهدأ مدافعها حتىى الآن، واخطرها على الاطلاق الحرب المقترحة الجديدة، بين العرب والكرد، حيث تسعى «قوى» محلية الى تحضير مكونات الحرب الاهلية الكلاسيكية الضروس في العراق: كل القوميات والمذاهب تحارب كل القوميات والمذاهب، وهذه ليست مستبعدة اذا ما ترك لأسياد هذه القوى التي تتحرك في الجبهتين التحكم في ادارة الازمة.
وثمة كثير من المحللين الموضوعيين، وكاتب هذه السطور منهم، يعتقدون بان الازمة عبرت اكثر من حاجز الى المواجهة، وان فرص «الحل بالتفاوض» تضيق مع كل بؤرة توتر او مواجهة محدودة، وان اسياد لعبة «كسر الآخر» وإذلاله وإجباره على التسليم، بالقوة، أو بالامر الواقع، يجرّون جمهورا واسعا الى الحماسة لفكرة استعمال القوة من اجل حفنة تراب، او من اجل رد الاعتبار للكرامة «باثر رجعي» والحال، اصبح واضحا (كما عبرت عنه الامم المتحدة) بان خطرا يحيق بالسلم الاهلي، والاكثر خطورة هو ما يتعلق بتحرك بقايا فلول داعش لجهة خلط الاوراق، ومن المؤكد انها وجدتْ وستجد، في اجواء المواجهات على خطوط التماس بين الدولة والاقليم، افضل الفرص لإحياء مشروعها الاجرامي.
اقول، ان الحل، لاستئناف الشراكة وتصويب التفاهمات واعادة النظر بالمواقف ما يزال متوفرا في جملة من المسارات، والملفات، والمنطلقات، لعل اكثرها ضمانا لطي صفحة ومخاطر الاحتراب هو اعادة النظر المتقابل والمتوازن بالمواقف والاجراءات التي تسببت بالازمة وفي مضاعفاتها، فيما ينبغي الحذر من «وهم» اعتبار الحوار بين الجانبين نهاية للازمة، فان هذا الحوار سيدمر فرص الحل اذا لم يكن مسبوقا بالاستعداد الفعلي لوضع تصفيات الحساب، او تبييت الانقلاب على التفاهمات جانبا، واذا لم يكن معززا بارادة العبور الى فضاء آخر من العمل المشترك، البنّاء، سيما ان الطرفين يعرفان كفاية مخاوف واعتراضات وتحفظات بعضهم حيال اسئلة وملفات وشعارات.
وحينما يقال ان الحل متوفر لتجاوز حريق الحرب القومية في العراق فان الموضوعية تفترض القول الموازي بان حطب الحريق متوفر ايضا، ومن لا يراه بعينيه عليه ان يسمع جعجعة الحرب وشعاراتها في الاعلام، هنا وهناك، ما يجعل انصار السلام الاهلي واصحاب الرأي الراجح في حالة الخوف من ان يتحول القش الى حريق.. وكل الحروب الكارثية تبدأ، عادة، على يد لاعبين لا يقدرون نتائجها.
*******
افلاطون:
«ان اسوأ ما يواجه الانسان من مصاعب يبدأ عندما يتاح له ان يفعل ما يريد».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة