كارل بيلدت
رئيس الوزراء السويدي السابق
في بداية عام 2017، تحول احتمال انهيار المشروع الأوروبي في العام الموالي إلى حالة هلع بالنسبة للكثيرين. فقد قررت المملكة المتحدة مغادرة الاتحاد الأوروبي، وانتخبت الولايات المتحدة رئيسا يدعم البريكسيت، وشكل الشعبويون في الانتخابات الفرنسية والألمانية خطرا واضحا على التكامل الأوروبي.
نحن نقترب من بداية عام 2018، لكن الصورة تبدو مختلفة للغاية. لم ينج المشروع الأوروبي فحسب، بل بدأ يكتسب قوة جديدة. في الأقل يشعر المرء بثقة جديدة مع مشروع مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو في قلب هذا التحول أكثر من أي شخص آخر. وكان خطاب النصر الذي ألقاه الرئيس بعد الانتخابات في مايو / أيار مصحوبا بالنشيد الأوروبي «نشيد الفرح» لبيتهوفن – التفاتة رمزية قوية. ومنذ ذلك الحين، أطلق ماكرون مبادرة تلو الأخرى لتعزيز مؤسسات الاتحاد الأوروبي، في حين تولى قيادة السياسة الخارجية الأوروبية. وفي الوقت الذي تكافح فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتشكيل حكومة بعد الانتخابات العامة في أيلول / سبتمبر، أصبحت كل الأنظار الآن موجهة نحو ماكرون.
وقد تأثرت الحالة المزاجية المتغيرة في أوروبا خلال العام الماضي بثلاثة عوامل على وجه الخصوص. يكمن العامل الأول في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يسبب المشكلات للبريطانيين – ويجعل معظم الأوروبيين يدركون مدى ترابط اقتصاداتهم ومجتمعاتهم. إن بلد بريطانيا العظمى المجيد أصبح الآن في حالة من الصراع السياسي في الوقت الذي يحاول فيه حل مشكلات السياسات والاقتصاد واللوجستيات لترك الكتلة. ومن غير المحتمل أن يحسد الناخبون في الدول الأعضاء الأخرى التجربة البريطانية.
والعامل الثاني هو دونالد ترامب، الذي تتمتع إدارته الأميركية بمكانة أقل في أوروبا من أي إدارة أميركية في التاريخ. وبحسب استطلاع حديث للرأي فاٍن الألمان يعدون أن ترامب يشكل تهديدا أكبر على مصالح بلادهم في الخارج أكثر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ-أون. وفي سباق تنافسي حقيقي، يكون ترامب على رأس القائمة.
وخلال العام الماضي، سلم القادة الأوروبيون بصحة أنه على أوروبا أن تتحمل المزيد من المسؤولية عن شؤونها. وبعد لقاء شاق مع ترامب في قمة مجموعة السبعة في إيطاليا في أيار / مايو، لخصت ميركل مشاعر يتقاسمها معظم القادة الأوروبيين الآخرين الآن. فقد قالت بحماسة «يجب علينا نحن الأوروبيين أن نناضل من أجل مستقبلنا ومصيرنا». وأضافت «نحن الأوروبيون يجب أن نحدد مصيرنا بأنفسنا».
العامل الثالث يتمثل في روسيا بوتين، حيث واصلت التدخل في الانتخابات الغربية والتصرف بعدوانية في أوكرانيا. ويعتقد الكل أن، «تأثير BTP» – بريكسيت، ترامب، وبوتين – أقنع حتى الأوروبيين المتشككين أن التعاون على مستوى الاتحاد الأوروبي شيء ضروري.
ولكن إضافة إلى قوة تأثير بريكسيت وترامب وبوتين، فإن أوروبا يدعمها نمو اقتصادي أقوى. بدأت الأيام المظلمة من أزمة اليورو تتلاشى من الذاكرة، كما تلاشت أزمة اللاجئين فالتي شهدناها أواخر عام 2015، والتي كان لها تأثير سياسي عميق على ألمانيا والسويد وبلدان أخرى. وعلى الرغم من أن المهمة الصعبة المتمثلة في تعميق التكامل بين الاتحاد الأوروبي ما تزال غير مكتملة، فإن الظروف السياسية والاقتصادية المطلوبة لتحقيق هذه المهمة قد تحسنت.
وفي الوقت نفسه، ظهر الاتحاد الأوروبي فجأة كحافظ للنظام العالمي الليبرالي. وفي سبتمبر / أيلول، دخلت الاتفاقية الاقتصادية والتجارية الشاملة (CETA) بين الاتحاد الأوروبي وكندا حيز التنفيذ. ومنذ ذلك الحين، اقترب الاتحاد الأوروبي من وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق تجاري أكثر أهمية مع اليابان، وبنحو منفصل مع البلدان المؤسسة للميركوسور – الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي. قد تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي، لكن يبدو أن بقية العالم يرغب في إجراء صفقات معه.
ومع ذلك، ليس هناك شعور بالرضا. وعلى الرغم من التطورات الإيجابية العديدة، أصبحت الحوكمة أكثر تعقيدا في بعض البلدان الأوروبية، وذلك بسبب الوضع السياسي المتدني على نحو متزايد. وفي ألمانيا، كان تشكيل حكومة جديدة عادة بعد الانتخابات مسألة واضحة. ولكن الآن لا يُحتمل تشكيل حكومة مؤقتة في البلاد حتى شهر مارس / آذار، مع غياب المعلومات حول الحكومة التي سيتم تشكيلها. وفي هذه الأثناء، لا تستطيع ألمانيا أن تلعب دورها المعتاد كمرساة للاستقرار في أوروبا.
وتحتل القومية في الأراضي الدانوبية للمجر والنمسا وبافاريا، مكانة مهمة. وفي إيطاليا، لن يجرؤ سوى القليل على تقديم أي توقعات حول ما سيحدث في الانتخابات العامة المقبلة، والتي يجب أن تعقد قبل 20 مايو 2018.
علاوة على ذلك، لا يمكن للأوروبيين الاعتماد إلى أجل غير مسمى على أسعار الفائدة المنخفضة التي ساهمت في الانتعاش الحالي. وسيتعين على قادة الاتحاد الأوروبي دعم الإصلاحات الهيكلية أكثر من السابق. وعلى الرغم من أن إسبانيا قد أعادت إحياء اقتصادها بإصلاحات هامة، وماكرون قد حل مشكلة قانون العمل البيزنطي الشهير في فرنسا، فإن الاتحاد الأوروبي ما يزال يكافح على العديد من الجبهات. فعلى سبيل المثال، على الرغم من الجهود الاستباقية البطولية التي تبذلها إستونيا لوضع جدول أعمال للإصلاح الرقمي خلال رئاستها لمجلس الاتحاد الأوروبي، ما يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله في هذا المجال.
وستكون السنة المقبلة الفرصة الأخيرة لمتابعة الإصلاحات على مستوى الاتحاد الأوروبي قبل أن تبدأ السنة المصيرية لتصفية الحساب. وفي مارس 2019، ستغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي، مع أو من دون اتفاق الانفصال. ثم، في أيار / مايو، ستأتي انتخابات البرلمان الأوروبي، وسيتم تعيين قادة جدد للمؤسسات الأساسية للاتحاد الأوروبي. وقبل أن نعرف ذلك، ستنتهي رئاسة جان كلود جونكر للمفوضية الأوروبية.
كما ينتظر ماكرون بفارغ الصبر حكومة جديدة في برلين. وكما هو الحال، ليس من الواضح أن الائتلاف الألماني القادم سيدعم أجندة إصلاح الاتحاد الأوروبي. ومع مرور الأيام، لن يتبقى لدى المفوضية الأوروبية الوقت الكافي لمتابعة أي مبادرات جديدة يمكن اٍنجازها بشكل واقعي قبل عام 2019.
وفي حين عرفت الأزمات منذ عام 2016 تراجعا ملحوظا، إلا أنها يمكن أن تعود بسهولة. وسيتطلب الحفاظ على التقدم الذي حققته انتخابات ماكرون في فرنسا وتحقيق الوعد الذي التزم به، اتخاذ إجراءات حاسمة في الأشهر المقبلة.
هل تستطيع أوروبا دعم ماكرون؟
التعليقات مغلقة