بنديوار

شيرزاد شيخاني
كاتب عراقي
« بنديوار « هذه الكلمة الكردية هي أصل الكارثة المالية التي حلت بكردستان منذ ثلاث سنوات والتي أدت الى قطع رواتب الموظفين الى أقل من النصف ، ووقف المشاريع الخدمية ، ومعالجة مشكلة الكهرباء المزمنة ، وأعاقت حتى جهود تغيير النظام الدكتاتوري الحالي ، الى نظام ديمقراطي مؤسساتي يستند على الحكم الرشيد..
والكلمة تعني « الشخص المختفي وراء جدار « ، وتوافق كلمة « الفضائي « المتداولة بالجانب العراقي . وفي الحقيقة لا أعرف هل أن حكام كردستان إخترعوا هذه الكلمة ، أم أنهم قلدوا حكام بغداد الفاسدين بهذا المجال ، فالظاهرة موجودة بالحكومة الاتحادية أيضا ، وإن كانت المشكلة أكبر في كردستان، لأن الحكومة الاتحادية لديها إمكانيات دولة تستطيع أن تغذي هذه الفئة ، ولكن كردستان مواردها محدودة خاصة بعد قطع حصة كردستان من موازنة الدولة قبل ثلاث سنوات..
هذه الفئة من البشر يشكلون نسبة تفوق نصف أعداد الموظفين الفعليين في كردستان ، وأسميهم في كتاباتي بـ» أصوات إنتخابية « ، فما أن هطلت مليارات الدولارات من موازنة الدولة العراقية بعد عام 2005 على كردستان ، حتى سارعت أحزابها الحاكمة لشراء ذمم هؤلاء الناس لتحسين أوضاعها الإنتخابية ، فبدأت بتعيين مئات الآلاف من المواطنين في دوائر الحكومة بدون دوام ، وأحالت آلافا أخرى على التقاعد العسكري وبرواتب مغرية وبرتب عسكرية لم يحلم بها حتى الضباط الذين شاركوا بحرب تشرين عام 1973 ، ففيهم من يحمل رتبة لواء وعميد وعقيد بالجيش دون أن يعرف « اليس واليم « ، وإختلطت أسماء هؤلاء بعدد صغير من قادة وأفراد البيشمركة الأصلاء الذين أمضوا سنوات طويلة في جبال كردستان يقارعون الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة وإسترخصوا دمائهم من أجل تحقيق الديمقراطية في العراق والتي نجني ثمار نضالهم اليوم والذين أحيلوا على التقاعد العسكري تقديرا لنضالهم، ولم تخل قوائم المتقاعدين العسكريين من بعض مذيعات التلفزيون والفنانات والإعلاميات وبرتب عقداء وعمداء ؟!!. أضف إليهم وجود قوائم بأسماء مئات الأشخاص من الإعلاميين والسياسيين والشعراء والكتاب وأفراد العشائر وقيادات حزبية أحيلوا على التقاعد أيضا برتبة وزير ووكيل وزير وأكثرهم لايعرفون أبواب الوزارات التي أحيلوا على تقاعدها !.
هذه التعينات والإمتيازات التي كلفت ميزانية الحكومة مئات الملايين من الدولارات شهريا ، وتضع اليوم عبئا ثقيلا على كاهل حكومة الإقليم ، قد جرى منحها لهؤلاء لشراء أصواتهم في الإنتخابات .. فكل من إستفاد من هذه الإمتيازات سيصوت بطبيعة الحال للجهة التي تفضلت عليه بتلك المكرمة ، ولو عرفنا بأن جهة حزبية قد عينت مائة ألف شخص ، يجب أن نضرب الرقم بأربعة وهذا العدد يشكل أفراد عوائلهم المقربون ( الزوجة والأبن والإبنة ) يكون هذا الحزب قد ضمن لنفسه أربعمائة ألف صوت في أية إنتخابات تجري بكردستان ، ولم تسلم بقية الأحزاب التي لجأت الى نفس هذه الطريقة بينها أحزاب إسلامية لم تتحرج من قبول راتب بدون عمل رغم أن هذا يخالف شرع الله العظيم !.
اليوم يواجه إقليم كردستان مشكلة عويصة مع الحكومة الاتحادية بسبب موقف الأخيرة من دفع رواتب هؤلاء الفضائيين ، وبطبيعة الحال فإن إجراءات هذه الحكومة بالإمتناع عن صرف أموال الدولة لمصلحة أحزاب سياسية ، هي إجراءات سليمة تنطبق مع القانون ، ولكن الخوف الذي نحذر منه هو أن تطال هذه العقوبة الموظفين الحقيقيين الذين يخدمون فعلا بدوائر الدولة ، فكما يتضرر اليوم المواطن العادي دون المسؤولين من غلق مطارات الإقليم ، يخشى أن تطال إجراءات حكومة المركز هذه الفئة المستحقة من الموظفين ، أو المتقاعدين العسكريين الذين أفنوا شبابهم في جبال كردستان للدفاع عن البلد أو تحقيق الديمقراطية ، بحيث ستحرق هذه الحكومة الأخضر واليابس معا دون أن تشعر بذلك..
المشكلة عويصة فعلا ولا ندري كيف نخرج منها ، ولكني سأضع هنا بعض المقترحات عسى ولعل أن يلتفت إليها من بأيديهم سلطة القرار في العراق، وهي كالتالي:
1- إرسال لجنة من دائرة الرقابة الاتحادية للتنسيق مع وزارة المالية بكردستان لتدقيق رواتب الموظفين ، ومن الممكن أن تقوم الوزارات الأخرى بالحكومة الاتحادية بهذا العمل بالتنسيق مع الوزارات المماثلة لها في كردستان لتدقيق أوضاع الموظفين العاملين وتنظيف سجلات الدوائر والوزارات من الفضائيين .
2- ربط رواتب المتقاعدين العسكريين من البيشمركة والسجناء السياسيين والشهداء بالمؤسسات المماثلة في الحكومة الاتحادية، وإجراء تدقيق شامل بأوضاعهم من خلال إجراءات معينة تثبت أن المتقاعد ناضل في جبال كردستان أو أن يتقدم السجين السياسي بوثائق تثبت كونه محبوسا خلال سنوات نظام البعث ، وكذلك تدقيق سجلات الشهداء الفعليين وعزلها عن المتوفين لأسباب عادية .
3- جرد وتدقيق سجلات القوى الأمنية والألوية وأفواج حماية المسؤولين الحكوميين والحزبيين ، وإعادة تنظيمها وفق إتفاق جديد بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية.
4- يجب على الحكومة الاتحادية أن تشرع إبتداءا من مطلع العام المقبل بصرف رواتب الموظفين بكردستان ، وهناك طريقتان لتحقيق ذلك. فإما أن تدفع رواتب كامل العدد المقدم من حكومة الإقليم وفق النظام البايومتري على شكل « سلفة « تستقطعها لاحقا من حصة كردستان بالموازنة . أو إرسال رواتب نصف أعداد الموظفين الحاليين، على أن تتحمل حكومة الإقليم دفع النصف المتبقي من عوائدها الحالية من نفط كردستان ، أو على الأقل أن تتحمل الحكومتان مناصفة دفع الرواتب الحالية على أن تنظم مواعيد شهرية ثابتة لذلك ، ثم الإتفاق على صيغة جديدة لتنظيم الرواتب بعد تنظيف القوائم من الموظفين الفضائيين والـ» بنديوار « فيما بعد..
هذا هو الحل الممكن لقضية تتعلق بقوت المواطنين وأطفالهم، ولا يجب أن تتهرب الحكومتان من مسؤولياتهما الأخلاقية تجاه شريحة كبيرة من المجتمع هي الأكثر فقرا وحاجة ..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة