متابعة ـ الصباح الجديد:
قال المخرج والمصور العراقي قتيبة الجنابي إن فيلمه الوثائقي الأحدث «قصص العابرين» مستخلص من مادة فيلمية، صورها بنفسه على مدى 30 عاما تحمل في طياتها ذكريات، وآلام الغربة التي عاشها منذ غادر العراق في الثمانينيات وحتى هذا اليوم.
ويشارك الجنابي (57 عاما) بالفيلم ضمن مسابقة المهر الطويل في مهرجان دبي السينمائي الدولي بدورته الرابعة عشرة، وسبق له مشاركته في مهرجانات عربية، وخليجية، واجنبية عديدة.
على مدى 67 دقيقة يسرد الجنابي بلغة سينمائية متفردة، تجربته الشخصية مع الغربة، التي يقول عنها في أحد المقاطع الصوتية بالفيلم «لا أدري إن كنت اخترتها، أم هي التي اختارت أن تسكنني».
تسير الأحداث في تسلسل زمني منذ عام 1980 عندما بدأت الحرب بين العراق وإيران، فما كان من أم قتيبة، إلا أن حثت ابنها على مغادرة البلاد خوفا من أن تفقده كما فقدت والده بسبب الحرب، ولم تعرف مصيره.
ومن العراق انتقل إلى المجر، حيث استقر في بودابست ودرس هناك التصوير الفوتوغرافي والفنون السينمائية، وتعمقت غربته أكثر، حيث لم يكن الرجوع إلى الوطن خيارا قائما.
قام الجنابي بعملية التصوير في الفيلم، والإخراج والإنتاج وكتابة السيناريو، وايضا يقوم بدور الراوي، لكنه لا يتدخل كثيرا بالتعليق الصوتي تاركا المجال للصور الفوتوغرافية، واللقطات التي صورها على مدى سنين غربتهن، تتحدث عن الرحلة.
ولا يفوت المشاهد منذ اللقطات الأولى ملاحظة أن الجنابي اختار تسجيل معظم لقطاته من خلف حاجز زجاجي، يتخذ شكل زجاج السيارة تارة، وتارة أخرى زجاج شباك قطار، لكنه دوما حاضر، حتى يظن المتفرج أن من يقوم بالتصوير حبيس قفص زجاجي، لا يملك إلا كاميرا لتسجيل معاناته.
كما يظهر تأثر الجنابي بغياب الأب الذي يظل طيفا مصاحبا له، يزيد ويعمق شعور الفقد في نفسه، فقد الوطن، وفقد الأب والسند
المادة المصورة بالفيلم ثرية ومليئة بوجوه العابرين الذين مر بهم الجنابي في رحلته الطويلة، وكثير منهم له ظروفه نفسها، إذ خرجوا مجبرين من أوطانهم ليسكنوا بلادا غريبة.
وقال الجنابي في نقاش عقب العرض العالمي الأول للفيلم بمهرجان دبي السينمائي، إنه استخلص المادة المعروضة بالفيلم من بين مئات ومئات الساعات التي سجلها على مدار ثلاثة عقود. وأن الكاميرا كانت هي الرفيق في رحلته، لذا حرص أن تكون أداة توثيق لكل ما مر به، وكان يعلم أنه ذات يوم سيقدم هذا الفيلم عن رحلة حياته.
وتحدث الجنابي قائلا: «لم أضع موعدا محددا لتقديم الفيلم، فقط كنت أصور وأسجل كل شيء، لكن على مدى العام الماضي بدأت إدارة مهرجان دبي بالتواصل معي، وحثي على الانتهاء من الفيلم، كي يكون جاهزا للعرض بهذه الدورة
وأضاف الجنابي: «بالتأكيد شعرت بالارتياح لأني أنهيت هذا الشوط الطويل من التصوير والتوثيق، لكن في الوقت ذاته أشعر أن عرضه ومشاركته مع الجمهور أمر كبير سيغير كل حياتي».
ولد الجناني في بغداد عام 1960 وأنتج وأخرج عددا من الأفلام القصيرة، والوثائقية، والبرامج التلفزيونية التي حازت جوائز عدة، ومن أبرز أعماله الوثائقية «المحطة»، و»حياة ساكنة»، و»بين الحدود»، و»المراسل البغدادي».
وعن كيفية محافظته على هذا الكم من المادة المصورة عبر السنين، من دون أن تتلف قال الجنابي: «كنت شابا صغيرا عندما بدأت هذا المشروع، لكني تسلحت بالذكاء، كنت دوما أحافظ على مادتي الفيلمية، وكنت عندما أسكن في أي حجرة أو أؤجر شقة، أبحث عن المكان المناسب لتخزين النيغاتيف».
وأضاف «هذه المادة الفيلمية هي حياتي، هي أنا، هي كل ما مررت به وعشته.. أنا في هذا الفيلم لست المخرج، أو المصور، بل أنا قتيبة الإنسان».