إعداد المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
شكلت قضية التصدي للإرهاب على صفحات الإنترنت من مواقع ووسائل تواصل صداعا حول العالم، خاصة لأولئك الذي يعون الأهمية التي اكتسبتها الشبكة العنكبوتية في الحرب على الإرهاب كرّا وفرّا، وبات الإنترنت ميدان تجنيد المتطرفين الأهم في العقد الأخير، إذ يمتلئ برسائلهم ودعواتهم ومبرراتهم وكل الوسائل التي يغسلون بها أدمغة المرشحين ليكونوا متطرفين.
وفي المقابل أدركت القوى الكبرى المكافحة للإرهاب أن المعركة الافتراضية أصعب بكثير من تلك التي تجري على الأرض، وتنوعت هنا المقترحات لكن لم يتم بعد التوصل إلى استراتيجية فكرية محددة في مواجهة التطرف.
و غيّرت التيارات” الجهادية” من أساليب وطرق استقطابها للشباب، وذهبت في اتجاه اعتماد الإنترنت ومواقع الاتصال الاجتماعي، بدل التركيز على المساجد أو السجون أو غيرها من الفضاءات المعتادة.
حتّم على الجهات الرسمية والدينية مواكبة هذا التحوّل والتركيز أيضا على مقاومة الاستقطاب والتجنيد في معاقله الجديدة. القناعة بأن محاربة الإرهاب يجب أن تأخذه في الاعتبار التحوّلات التي تعرفها التنظيمات المتطرفة، وأهمية نقل المعركة إلى جبهات جديدة، لم تحجب وجود هنات ومواطن قصور في الميادين الجديدة للمعركة.
داعش يطور وسائل خاصة به للتواصل الاجتماعي
أكد مدير وكالة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروبول)، أن تنظيم “داعش” طور وسائل للتواصل الاجتماعي خاصة به تجنبا للحملات الأمنية على اتصالات عناصره وعلى الدعاية التي يقومون بها،وقال مدير الوكالة “روب وينرايت”، إن المنصة الجديدة للتنظيم على الإنترنت اكتشفت خلال عملية استغرقت 48 ساعة استهدفت التطرف على الإنترنت.
يقول” وينرايت”، في مؤتمر أمني في لندن: “خلال تلك العملية تبين أن داعش يطور الآن منصة خاصة به للتواصل الاجتماعي.. على الإنترنت للترويج لجدول أعماله”…”يظهر هذا أن بعض أعضاء التنظيم على الأقل ما زالوا يبتكرون في هذا الفضاء.وخلال حملة منسقة شنتها (يوروبول) على مواد لتنظيمي داعش والقاعدة بمشاركة مسؤولين من الولايات المتحدة وبلجيكا واليونان وبولندا والبرتغال، جرى رصد أكثر من ألفي تدوينة للمتطرفين منشورة على 52 منصة للتواصل الاجتماعي.
وأكد مدير وكالة الشرطة أن لجوء مسلحي التنظيم لإنشاء خدمة خاصة بهم جاء نتيجة تظافر جهود أجهزة المخابرات والشرطة وقطاع التكنولوجيا للضغط على التنظيم المتشدد ما دفعه للبحث عن سبل للتحايل على ذلك.وأضاف، “من المؤكد أننا جعلنا عملهم في هذا الفضاء أصعب كثيرا، لكننا ما زلنا نرى المقاطع المصورة المروعة تنشر والاتصالات تجري على نطاق واسع عبر الإنترنت”.
مرتكبو جرائم الانترنت تحت الطلب
قالت منظمة الشرطة الأوروبية (يوروبول) عام2016 إن مرتكبي جرائم الانترنت الذي يضعون خدماتهم التعاقدية تحت الطلب يوفرون للجماعات المتشددة الوسيلة لمهاجمة أوروبا لكن تلك الجماعات لم توظف بعد تلك التقنيات في هجمات كبرى، وأضافت المنظمة في تقريرها السنوي بشأن مخاطر الانترنت عن عام اتسم بعنف تنظيم “داعش” في أوروبا “في الوقت الحالي لا يتوافر سوى دليل ضعيف على أن قدراتهم على (تنفيذ) هجوم بواسطة الانترنت تتجاوز التشويه المعتاد للمواقع الإلكترونية.
الإرهاب الإلكتروني والشبكة العنكبوتية
رغم التقدم التكنولوجي الذي وصلت إليه الحكومات حول العالم، فإن مساعيها الحثيثة لإزالة المحتويات التي تدعو أو تروج للإرهاب على شبكة الإنترنت لم تحقق أي نجاح، نظرا للطرق البديلة، والتي يلجأ إليها أصحاب هذه المحتويات للإفلات من الرقابة وفي تقرير جديد لمؤسسة “كواليام”، وهي مؤسسة بحثية لمكافحة الإرهاب، عن جهود السلطات البريطانية لمحاربة التشدد على الإنترنت، قال خبراء إن المواد الداعية إلى الإرهاب أو إلى الأفكار المتشددة تعود للظهور على الشبكة العنكبوتية فور قيام السلطات بإزالتها.
وأشار البحث إلى أن وحدة مكافحة الإرهاب على الإنترنت في بريطانيا أزالت 65 ألف محتوى من الإنترنت كان يدعو إلى الإرهاب، منها 46 ألف عام 2016، لافتا إلى أن 70 بالمائة من هذه الموضوعات كانت تدور حول الأحداث في سوريا والعراق.
مواجهات تقنية للآرهاب الالكتروني
يبدو أن خطر المحتوى المتطرف على شبكات التواصل الاجتماعي وازدياد تجنيد الشباب عبر استهدافهم بمحتوى مكتوب ومرئي متطرف، دفع بعض المنظمات لمواجهة ذلك تقنيًا، فكان استحداث تقنية جديدة لتعقب ما يمكن أن يعد تطرفًا وإرهابًا على الإنترنت تقنية جديدة بإمكانها التعرف على صورة أو مقطع مرئي أو حتى نص محدد، وتعقبه في جميع المواقع وحذفه، وتنبيه إدارات تلك المواقع إليه، عمل عليها «مشروع مواجهة التطرف» الذي ترعاه منظمة «ميركيور» الأميركية و«مركز الأبحاث» منذ أكثر من سنة، وتمت تجربتها، وكشفت عن دقة عالية لدى تطبيقها.
إجراءات تشريعية لتنسيق حذف خطابات الكراهية والتطرف
كشفت التحقيقات أن الاتحاد الأوروبي يفكر في اتخاذ إجراءات تشريعية لتنسيق كيفية قيام مواقع الكترونية مثل فيسبوك وتويتر وجوجل بحذف خطاب الكراهية والتحريض على العنف،وأدى انتشار خطاب الكراهية والأخبار المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تعرض الشركات لضغوط متزايدة للتخلص منها بسرعة.تقول المفوضية الأوروبية في مسودة وثيقة إنها قد تطرح تدابير تشريعية أو غير تشريعية بحلول نهاية عام 2017 لمعالجة التشتت والغموض القانوني المرتبط بحذف المواقع الالكترونية المحتوى غير القانوني.
وكشفت ألمانيا النقاب مارس 2017عن قانون من شأنه تغريم شركات التواصل الاجتماعي ما يصل إلى 50 مليون يورو (53.62 مليون دولار) إذا تقاعست عن حذف خطابات التطرف بسرعة مما أثار قلقا من احتمال تعريضها حرية التعبير للخطر،واتفق فيسبوك “وتويتر ويوتيوب” التابع لجوجل ومايكروسوفت عام 2016 على ميثاق سلوك للاتحاد الأوروبي لمعالجة خطاب الكراهية والتحريض على الإرهاب على الانترنت خلال 24 ساعة ولكنها واجهت انتقادات من المفوضية لعدم تحليها بالسرعة الكافية.
أعلنت شبكات التواصل الاجتماعي العملاقة فيسبوك ويوتيوب وتويتر ومايكروسوفت، يوم 27 يونيو 2017، إنها تشكل مجموعة عمل عالمية لتوحيد جهودها، لحذف المحتوى المتطرف من منصاتها.
وفي استجابة لضغوط من حكومات أوروبية ومن الولايات المتحدة، بعد سلسلة هجمات شنها متشددون، قالت الشركات إنها ستتبادل الحلول الفنية لحذف المحتوي الإرهابي، وستتعاون بشكل أوثق مع خبراء في مكافحة الإرهاب.
ونقلت رويترز عن بيان للشركات إن منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب “سيصوغ ويضع هيكلا لمجالات التعاون الحالية والمستقبلية بين شركاتنا، وسيدعم التعاون مع شركات تكنولوجيا أصغر ومنظمات للمجتمع المدني وأكاديميين وحكومات وكيانات مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة”.
يأتي التحرك بعدما دعا زعماء الاتحاد الأوروبي شركات التكنولوجيا في وقت سابق إلى تأسيس منتدى متخصص، وتطوير تكنولوجيا وأدوات جديدة، لتحسين الرصد الآلي، وحذف المحتوى المتطرف.
إن العنف الموجه ضد الأفكار والعقول، يكون أبعد من العنف التقليدي الموجه ضد الأشخاص والممتلكات ، فهو قتال من نوع آخر، أكثر تطورًا وحداثة ، أنه حملة شاملة تستعمل كل الأدوات المتوفرة وكل الأجهزة للتأثير في قلوب وعقول جماعة محدودة بهدف تدمير مواقف معينة، وإحلال مواقف أخرى، تؤدي إلى سلوكية تتفق مع مصالح الطرف الذي يشن هذه الحملة.
وهذا ما سعت إليه العديد من الحركات المتطرفة، عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، وأن الانترنت يوفر كمًا هائلاً من الأدبيات “الجهادية” الهادفة إلى تلقين المرشحين للقتال ، حتى أصبح “الجهاد” حركة عالمية، بعد أن كان محصورًا محليًا.