قصة مريم

نادية المحمداوي

كانت مريم ابنه الـ 15ربيعا، تعيش وأختها مع جدتها لأبيها، وكانت زوجة الأب تُذيقهما العذاب، لان والدتهما قد طلقت وتحول حكم الوصاية للبنتين الى لأب والجدة.
كانت مريم تكمل عمل البيت وتذهب كل يوم الى المدرسة هي وأختها التي تصغرها بثلاث سنين. تتحسران على كل شيء/ علما انها كانت متفوقة جدا بالمدرسة.
في أحد الأيام رجعت وكالمعتاد الى البيت، وإذ بجارهم قام بتأجير حديقة البيت لشاب لديه مولدة كهرباء في إحد الأحياء السكنية، بمنطقة البياع في بغداد. وقد بدأ العمل على قدم وساق لإنقاذ الناس من الم انقطاع الكهرباء المزمن.
تفاجأت مريم وكذلك أختها الصغيرة من وجود هذا الكم الكبير من الناس مجتمعين حول المولدة الصفراء الجديدة، التي ستنقذهم من ويلات الانقطاع المستمر.
انتهى هذا اليوم، وقد مدت الأسلاك لكل البيوت، في صباح اليوم الثالث كان آدم يقف أمام الباب الخاص بالمولدة، وهو ينفث دخان سيجارته للأعلى، وينظر لمريم خلسة، تمسك بيد أختها الصغيرة نايا، خوفا عليها من التعثر بأي شيء في الطريق غير المعبدة.
تلاقت النظرات بين آدم ومريم، وتكررت كل يوم محاولاته ليغريها بجمال طلعته، وابتسامته المشعة كالشمس.
مرت الأيام، ومرت الأشهر، وأحست زوجة الأب بنظرات الاثنين لبعضهما البعض، وكان هذا يؤلمها، إذ إنها تريد أن تستأنس بعذاب هاتين البنتين.
كانت نهاية العام الدراسي/ ومريم انتقلت بعد نجاحها من المرحلة المتوسطة الى المرحلة الإعدادية. استوقفها آدم قرب المدرسة قائلا لها: مريم هل تتزوجيني، ومن دون مقدمات قالت له نعم أتزوجك.
اقترب إليها وتفرس بكل وجهها الجميل، وشفاهها الوردية، وأمسك يدها وهو يعيد عليها ما قاله، فسمعها وهي تبكي نعم اقبل بالزواج منك. حدد آدم يوم الخطوبة مع والد مريم، بعد ان اخذ والدها موافقتها ورضاها.
وأتى يوم الجمعة، اليوم الذي سوف تتخلص من هذا المرأة التي لا تمت لها باي صلة، فقط كونها زوجة أبيها، «إلا لعنه الله عليها «.
كانت مريم تلعنها وهي تنظف البيت، وهي تطبخ، وهي تغسل الملابس، وأيضا وهي تقرأ، كانت تقف على شباك نافذة غرفتها المطلة على الشارع تراقب آدم كلما سنحت لها الفرصة، وهو يلوح لها بيده، ويرسل لها قبلاته مع الهواء، لترقد روحها بمحبة وسلام.
تمت الخطبة، وعقد القران، وأيضا تم تحديد يوم الزفاف، في نهاية الأسبوع الأخير من شهر السابع عام ٢٠٠٢.
عاشت مريم مع آدم بعد زواجها منه بمحبة كبيرة، ومرت الأشهر وأنجبت اليه مصطفى، وكبر مصطفى، وأنجبت له بنتا هذه المرة، وظل الحب يجمعهما باجمل حالاته.
وفي يوم من الأيام فاجأها بحضور سيدة معه الى البيت في الوقت المعتاد لرجوعه من العمل، فتوقفت وبيدها الطشت حيث هي تعودت ان تغسل قدمي ادم كل يوم بعد رجوعه من العمل، وتجففهم بالمنشفة، وتحضر له وللأطفال الطعام.
توقفت متسائلة: من هذه؟ فلم يجب، كررت السؤال مرة أخرى، من هذه؟ فلم يجب، نفذ صبرها وضربت الطشت وإبريق الماء على الأرض، وانساب الماء تحت أقدامها، وهي تردد وكأنها ولَم يثنيها شيء حين تقدمت منه، وهي تضربه بكلتا يديها، والدمع يهطل كالمطر، ومصطفى ومينا يبكون لبكاء أمهم، ولا تعرف ما الذي يعتريها الآن من الوجع بكل روحها.
أغمي عليها، فحملها ادم متوجها بها الى المستشفى، وبعد الفحص تبين أنها بالأسابيع الأولى من حمل جديد، لم تسكت مريم هذه الليلة، ولَم ترتح، وآدم حائر بينها وبين المرأة الجديدة وأطفاله.
مرت الأيام، ومريم في غرفتها لا تستطيع المجادلة مع أحد، وصحتها بدأت بالانهيار، توسلها بشتى الطرق ان تنتبه لصحتها، ولكنها لا تستجيب.
كان الوضع في العراق سيء جدا، فسافرت أمها وأختها بعد ان أعطاها أبوها لامها، وبهذا أصبحت اختها بأمان مع والدتها، وهاجروا الى عمان، واتخذوا منها مكانا لسكناهم.
اتصل ادم بوالدتها طلبا للمشورة، فقالت له حاول ان تذهب لدائرة الجوازات من اجل منح مريم وأولادها الجواز العراقي.
اخذ الامر أسبوعا، وحصلت مريم وأولادها على الجواز العراقي، وتم تسفيرهم الى عمان لتبقى قرب والدتها إلى ان «يبرد» الموضوع، وهذا كله كان من تخطيط والدتها.
وصلت مريم الى عمان، ودخلت المستشفى لمعالجتها بإشراف والدتها، ولكنها ظلت لا تستسيغ الطعام أيا كان نوعيته.
وعاشت ما يقارب الأسبوعين على المغذي، وحالتها يرثى لها. من جانب آخر سجلت الأم أحفادها بالمدرسة، وظلت مريم بجانب أمها تتلقى المساعدات من منظمة الأمم المتحدة.
مرت أيام طويلة ومريم بعيدة عن ادم، وآدم يعيش ويستمتع بلذة الحياة، وهي تعاني الألم والمرض، وتحمل طفلها الثالث ببطنها. وكان لابد ان تقوم بشيء وهي بعيدة كل هذا البعد عن أحضان وطنها، وأحضان حبيبها، ولا تعرف ماذا تفعل سوى البكاء وتحمل الألم.
وكان الوقت صباحا حين أدركتها الام الولادة، فلم يبق أمام والدتها إلا ان تذهب الى مكتب الأمم المتحدة، وتخبرهم بحالة ابنتها، ولَم يمض وقت حتى تم نقلها الى لمستشفى، وأنجبت البنت الثانية، وأسمتها شمس بلحظة ولادتها، وتم جرد اسمها، واسم أمها، والأطفال من ضمن قائمة أللاجئين .
مرت الأيام، والأب لَم يتفقد حاله زوجته وأطفاله. استعادت مريم عافيتها ولملمة نفسها، وطلبت من والدتها ان تبعث بأوراق ابنتها لأبيها من اجل استخراج لها جواز وهوية أحوال مدنية.
وظلت تنتظر الى ان وصلت الأوراق، وكان يوما تنتظره بفارغ الصبر حين ذهبت الى مكتب المنظمة وطلبت منهم ان يرحلوها لأميركا لتبدأ حياة جديدة هي وأولادها، بعيدا عن المأساة، وحصل كل شيء بوقت قصير، وعليها ان تخبر والدهم بسفرها وإياهم.
وصل الأب الى عمان للاستفسار عن سفر زوجته وأطفاله، وأعلن الحرب عليها، عندما علم بنيتها السفر الى اميركا، وهددها بحرمانها من أولادها، وسحب جوازاتهم منها بالقوة، وهو يغادرها مودعا إياها بكلماته النابية، وهي تبكي ولا تعرف لماذا حل بهم كل هذا الدمار.
خرج ادم من البيت، ومصطفى متعلق بأذيال سرواله، ويتوسله ان يترك جوازاتهم، ولكن لا مجيب، خرج الأب وبأثره مريم وأولادها، وقف الأب واحتضن ابنه، وابنته وفي هذه الاثناء فتح مصطفى جيب حقيبة أبيه، وسرق الجوازات بسرية، وتناولت مريم الجوازات، ووضعتهم في حقيبتها، ومازال الأب يحتضن ابنته الصغيرة، وهو يبكي.
قام بتوديعهم، وكان هذا آخر لقاء بينه وبين زوجته وأولاده. صباحا كانت مريم وأطفالها الثلاث يحضرون حقائبهم الصغيرة للتوجه الى مطار عالية، والذهاب الى «ارض الأحلام» أميركا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة