إليس الزين
من حق تونس الاعتزاز بما تمّ إنجازه. فتونس هي التي أطلقت في العالم العربي اهم موجة من التحولات السياسية البعيدة المدى منذ اتفاقية سايكس بيكو. وبقطع النظر عن مسار الانتقال الذي تعرفه المنطقة والذي تحول إلى معارك دموية دمرت البلدان وشردت السكان، فإن ما ابتدأ هو نقطة تحول نوعية. ومن حق الشباب التونسي أن يعتز أنه أول من قدم دماءه من اجل شعارات الشغل والحرية والكرامة الوطنية. ولكن هذا الاعتزاز لا يعفينا الأن من الأسئلة الصعبة.
أين الشباب التونسي بعد سبع سنوات من الثورة؟
المتابع للمشهد التونسي عن كثب يلاحظ انحسار الأدوار التي من المفترض أن يلعبها الشباب التونسي في الشأن العام من خلال غياب تام عن تقلد المواقع القيادية في الأحزاب، ومشاركة ضئيلة في الاقتراع منذ الثورة، وعدم وجود سياسة وطنية للشباب من شانها أن تأسس المشاركة في الحياة العامة وفي مسارات اتخاذ القرار.
هذا لا يعني أن الشباب التونسي ولا سيما في أوساطه المدنية والتقدمية والإصلاحية والمنفتحة غير مهتم بالديمقراطية. بل المسألة هي أن سبل التعبير عن هذا الاهتمام لا تفي بالغرض، ويمكن بالتالي الإشارة إلى فجوة ديمقراطية تشكل خطراً على مستقبل تونس.
الفجوة الديمقراطية تبدو جلية من خلال رجوع الشباب التونسي إلى الفضاء الافتراضي حيث يتابع أحلامه الديمقراطية في بناء الجمهورية الثانية، جمهورية الحريات العامة وسيادة القانون ليس على أرض الواقع الملموس بل من خلال وسائط الإعلام الاجتماعي موجهاً سهام نقده للسياسات العامة التي لم تثبت نجاحات تذكر من أجل حياة أفضل للتونسيات والتونسيين عموماً. ولكن هذا الانكفاء والغياب عن الحضور الفعلي من الشباب الحر يترك الساحة لقوى أخرى لتشغلها وتدعي تمثيل المجتمع التونسي.
وفيما يتعدى هذا التحوير في الاهتمام السياسي، من خلال التركيز على مسائل نظرية وعقائدية وثقافية والابتعاد عن معالجة الشؤون الموضوعية لبناء الديمقراطية الصادقة، فإن النتيجة هي أن محبي الخلافة قد انجزوا اختراقاً هادئاً لمؤسسات الدولة.
فبدلاً من أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي أداة لتحقيق النشاط الميداني، أصبحت هي النشاط، ولكن افتراضياً لا ميدانياً، ما يحدّ من فائدتها ويقطعها عن جمهورها الطبيعي، أي المجتمع التونسي ككل، فيما هذه الفجوة في الديمقراطية تزداد وتتوسع بين جيل الشابات والشباب المنفتح الحر ومؤسسات الدولة التي تتشكل وتتطور من دون أن يكون لهذا الجيل دوراً حاسماً في تشكيلها.
الفرصة الديمغرافية التي تعرفها تونس الجديدة، الدولة الفتية بعد ثورة شعبية واعدة وجيل مثقف قادر أن يقود البناء نحو المستقبل الموعود، تحولت إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في وجه بائعي الوهم في الدنيا و الأخرة في ظل فشل الحكومات المتعاقبة في خلق امل جديد في تونس افضل لشباب تواق إلى نموذج تنموي قادر على توفير اسس الديمقراطية التشاركية و التنمية المندمجة التي طالما حلم بها أجيال متعاقبة من النشطاء في بناء الدولة الوطنية ، الدولة التي خانتها نخبها و التي تقدم كل يوم لشبابها الأسباب الكفيلة لهجرتها و خذلانها.
الفجوة الديمقراطية ليس مجرد وصف لمرحلة، بل هي خطر داهم لا بد من معالجته. وعلاجه، كما لا بد للشباب التونسي أن يدرك، ليس بيد دولة أبوية رفضها هذا الشباب قولاً وفعلاً، ولكنها كذلك ليست بالانكفاء وترك الفضاء العام لتتفرد به العقائديات التي تنحدر إلى أوهام قاتلة، بل هو بعودة واضحة من هذا الشباب إلى العمل الميداني الواضح والقادر على تحقيق أولويات الجيل الصاعد، ولا سيما من حيث تناسب التعليم والتدريب مع الفرص المتاحة للعمل المنتج، وصولاً إلى تعزيز الاقتصاد الوطني على أساس تأطير الدولة المبادرة الفردية، لا استيلاء الدولة عليها، ولا التخلي عن مسؤولية التطأير تحت شعار حرية الاقتصاد.
ولكن هذا الشباب يحتاج إلى يد داعمة، من داخل تونس كما من خارجها. فالثورة التونسية إنجاز لا يمكن السماح لأي طرف لا بالاستيلاء عليه ولا بالانقلاب عليه. وللمجتمع الدولي، والذي ساهم في دعم النظام الأبوي ثم تحمّس للتحول واندفع مؤيداً قبل أن يفقد حماسه ويتراجع، دور هام لا بد من ممارسته بثبات وانتظام للمساعدة في تحقيق الوعد التونسي.
المسؤولية هي أولاً مسؤولية الشباب التونسي لوضع الشؤون الحياتية في الواجهة، وتجنب الهروب منها، لا باتجاه أوهام الخلافة، ولا باتجاه أحلام الفضاء الافتراضي. الشباب التونسي قلق بشأن الشغل والأمن والبيئة والاستقرار. وحيث طرحت هذه المسائل، فإن النقاش يأخذ طابعاً عملياً يتجاوز الاعتبارات العقائدية. والمطلوب هو تحديداً المزيد من المواضيع العملية والقدر أقل من النقاشات العقائدية.
*عن منتدى فكرة.