(1 ـ 2)
وليام برانيف
لا تملك الولايات المتحدة استراتيجيةً شاملة في ما يخص الإرهاب. فخلال السنوات الست عشرة منذ اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001، عوّلت الولايات المتحدة على نظامها للعدالة الجنائية والمجتمعات العسكرية، متسلحةً بجهاز استخباري أكبر وأفضل، من أجل عرقلة أخصامها الإرهابيين والحؤول دون حصول اعتداء كبير آخر. غير أنه في خضم ذلك، وصل الإرهاب العالمي إلى أعلى مستوياته التاريخية، ما أدّى إلى بروز أعمال عنف رجعية وحدوث جدالات حول شؤون الهجرة واللاجئين والقومية والأممية والأمن والحرية والدين. وتُعتبر أدوات مكافحة الإرهاب التقليدية ضرورية، لكن يبدو أنها غير كافية لجهة الحدّ من عنف الإرهابيين وتداعياته السياسية المضرة مع مرور الوقت.
وبهدف إتمام الجهود العسكرية وجهود إنفاذ القانون — أي سبل مكافحة الإرهاب التقليدية — انتهجت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي نموذجًا مختلفًا هدف إلى تقليص عدد الأشخاص الذين يحشدون لأعمال العنف في المقام الأول من خلال معالجة العوامل الفردية والمجتمعية والاجتماعية التي يستغلها الإرهابيون. ولم يحظَ هذا النموذج البارز – مكافحة التطرف العنيف – بالمصادر الكافية، ولم يجرِ مدّه سوى بعدد قليل من الموارد البشرية واستُخدم كأولوية ثانوية بعيدة بالنسبة لمكافحة الإرهاب التقليدية. ومنذ اعتماد نموذج مكافحة التطرف العنيف، هاجمه النقاد الذين لم يعتبروه صوابًا سياسيًا مثاليًا بشكل خطير أو وسيلة ملطفة لمكافحة الإرهاب بضراوة.
وترتبط هاتان المشكلتان، أي عدم كفاية مكافحة الإرهاب التقليدية وانعدام زخم مكافحة التطرف العنيف، مباشرةً بتقدير غير ملائم لطبيعة الإرهاب الجوهرية. فالإرهاب هو في الأساس شكل من أشكال السياسة العنيفة. وبالتالي، يجب أن تكون استجابتنا سياسيةً في المقام الأول. ونظرًا إلى تركيز مكافحة التطرف العنيف على عوامل سياقية تتيح الإرهاب على المستوى الفردي والمجتمعي والاجتماعي، بإمكانها تغيير الظروف السياسية التي تسمح بالتعبئة العنيفة. أما مكافحة الإرهاب التقليدية، فتفتقر إلى هذا البعد السياسي. وبإمكان نموذج مكافحة التطرف العنيف، إن تمّ حصره بمبدأ توجيهي، أن يشكّل مباشرةً الأساس لاستجابة استراتيجية جديدة شاملة للإرهاب، حيث تضطلع مكافحة الإرهاب التقليدية بدور ضروري إنما ثانوي.
ويجب أن تهدف الاستراتيجية الشاملة الجامعة، داخل الحكومة وخارجها، إلى تهميش الإرهاب. وستساعد استراتيجية تهميش شاملة على بذل جهود «بالحجم المناسب» لمكافحة الإرهاب التقليدية. فلا يشير وضع استراتيجية شاملة إلى أنه يجب أن يبقى الإرهاب متصدرًا سلّم أولويات أجندتيْ الأمن الوطني والقومي على حساب تحديات أخرى. لا بل على العكس، يعترف نموذج التهميش بأن الإرهاب لا يشكل تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة، ويمكن إيلاؤه أهميةً ثانوية بالنسبة لمخاوف أمنية قومية أخرى في منطقة ما، كما أنه يسمح بالمزيد من الدعم المعدّ وفق سياق إقليمي والمقدم للشركاء الذين ربما يكون أو لا يكون الإرهاب من أبرز أولوياتهم.
سيموس هيوز
أصبحت مكافحة التطرف العنيف مستحيلةً على المستوى الفيدرالي. ففي حين اضطلعت إدارة ترامب بدور في القضاء على مكافحة التطرف العنيف، تقع هذه المسؤولية على عاتق عدد من الجهات الفاعلة. ففي أوائل عهد إدارة أوباما، على سبيل المثال، أوقف الرئيس برامج مكافحة التطرف العنيف، واستغرق إطلاق استراتيجية وطنية لـ»تمكين الشركاء المحليين من منع التطرف العنيف في الولايات المتحدة» سنتين. والآن، تجد إدارة ترامب نفسها في وضع مشابه، حيث أنها أوقفت برامج مكافحة التطرف العنيف وتفتقر عمومًا إلى كافة أنواع تنسيق الجهود الرامية إلى مكافحة التطرف العنيف على المستوى الفيدرالي.
وبالفعل، قد يساهم المصطلح الجديد لمكافحة التطرف العنيف الذي تمّ اعتماده في ظل إدارة ترامب، أي «منع الإرهاب»، في تقليص هذه المشكلة. فيوضح هذا المصطلح أن النقاش يتمحور حول البرامج والأفراد الذين يجتازون عتبةً محددة. غير أنه لا يعالج سوى مسألة العنف، ويفشل في الإقرار بأن التطرف يشكّل بدوره جزءًا كبيرًا من المسألة.
ونظرًا إلى غياب مناصرين متأصلين لبرامج مماثلة داخل الحكومة الفيدرالية، لا بدّ من إيجاد طريقة لتوفير الحوافز الضرورية لإشراك مكافحة التطرف العنيف. فقد تنازلت إدارتا أوباما وترامب عن مسؤولية مكافحة التطرف العنيف لصالح القطاع الخاص، وطلبتا مثلًا من شركات التكنولوجيا حذف أي محتوى متطرف من مواقعهما. غير أن هذا الهدف كان سهل المنال. فالعمل الشاق، الذي لم ينفذ بعد، يسفر عن بروز برامج وقاية لمعالجة التطرف في مهده.
ورغم هذه التحديات، يمكن إنقاذ برامج مكافحة التطرف العنيف المحلية. فقد تبتعد هذه البرامج عن نموذج البرنامج المدار فيدراليًا القائم على التعاون بين الوكالات، لكن الجهود الجديدة قد تمكّن الشركاء المحليين من تنفيذ العمل، كما هي الحال في برامج قائمة في نيويورك ودنفر. غير أنه على الحكومة الفيدرالية الانخراط في مسألة مراقبة الجودة، وتشجيع أفضل الممارسات لإشراك المجتمع ودعم التعاون بين المسؤولين على مستوى الولايات والمستوى المحلي.