سايمون هندرسون
يبدو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يغيّر مفهومنا لكيفية حكم المملكة العربية السعودية. وسعياً منه إلى توطيد سلطته، رمى بالحذر وببناء التوافق في الآراء، وهي الأساليب التقليدية للقيادة السعودية، من النافذة منذ أشهر، وبدلاً من ذلك مضى قدماً بسرعة متهورة تقريباً متجاهلاً بشكلٍ واضح كسب دعم أعمامه والكثير من أبناء عمومته. ويشير اعتقال 11 أميراً في نهاية الأسبوع الماضي بتهم الفساد كما أفادت التقارير إلى أن العائلة المالكة، آل سعود، لم تعد فوق القانون.
وقد انقسمت الآراء حول التحركات الأخيرة التي قام بها ولي العهد بين التوقعات بأنه يقود البلاد نحو الديكتاتورية أو نحو الثورة الأسرية. ولكن يشير التدقيق الوثيق في أفعال الأمير محمد بن سلمان وتصريحاته خلال العام الماضي إلى أنه ليس متهوراً بل يحسب خطواته بتأنٍ. وفي هذا الصدد، أفاد النائب العام السعودي – قبل أيام من كتابة هذه المقالة – بأن التحقيقات المتعلقة بالفساد كانت مستمرة منذ ثلاث سنوات، في حين تكلّم الأمير محمد بن سلمان عن حملة واسعة النطاق ضد الفساد في مقابلة أجراها في أيار/مايو حيث قال: «إنني اؤكد لكم أن أي شخص متورط في قضية فساد سواء كان وزيراً أو أميراً أو أياً كان لن يفلت من العقاب.»
وفي الوقت نفسه، منذ شهر نيسان/أبريل، قام ولي العهد، الذي يبلغ الثانية والثلاثين من عمره حالياً، بتنسيق مجموعة من الأمراء الشباب في أواخر العشرينات أو الثلاثينات من عمرهم وتعيينهم في السلطة بتكتّم تام. وستكون هذه التعيينات حاسمة على الأرجح لنجاح إعادة تشكيله للمملكة، كما وقد يصبح هؤلاء الأمراء حكاماً للسلطة على مدى عقود قادمة. فهُم جميعاً أحفاد أو أبناء أحفاد مؤسس المملكة ابن سعود الذي توفي في عام 1953. والجدير بالذكر أن ولي العهد حريص تماماً على دعم أبناء عمومه الأصغر سناً، ومناشدة طموحهم وغرورهم، وضمان ولائهم. فهذه هي الطريقة المناسبة لاستيعاب أي منافسة بين السلالة الأسرية. وفي هذا السياق، يُذكر أن بن سعود أنجب ٤٠ ابناً ولديه مئات الأحفاد. وحتى الآن، تمكّن الأمير محمد بن سلمان من حجب ثورة عائلية جماعية، مما أثبت مرة أخرى أهمية القول المأثور «فرّق تسد».
وكما هو الحال في جميع الأنظمة الملكية، غالباً ما تكون السلالة أكثر أهميةً من كفاءة القادة المحتملين في المملكة العربية السعودية. وربما يريد الأمير محمد بن سلمان دعم الكفاءات هذه المرة. ولكن، سيتعيّن عليه أيضاً أن يولي اهتماماً لكيفية صرف السخط أو أي تلميح لمعارضة تلوح في الأفق. لذلك، يخفّف دعمه للأبناء بعض الألم الذي يشعر به آباؤهم جرّاء تهميشهم.
وفي هذا السياق، شهد بيت آل سعود تحوّلات صعبة في السابق. وما يختلف هذه المرة هو أن العمر لم يعد مرادفاً للأقدمية بل أصبح عائقاً. وحيث يدلّ عنصر الشباب على نقصٍ نسبيٍ في الخبرة، يبدو أنّ الأمير محمد بن سلمان قد قرر أنه بإمكانه التعامل مع مثل هذه المخاطر.
أمّا الأمراء المتوقّع نجاحهم والذين ينبغي مراقبتهم فهم (حسب الترتيب الأبجدي):
*عبد العزيز بن فهد هو ابن حفيد بن سعود ونائب حاكم منطقة الجوف المتاخمة للأردن، منذ حزيران/يونيو 2017. وقد عُيّن والده، وهو عسكري، قائداً للقوات البرية السعودية في نيسان/أبريل 2017.
*فيصل بن سطّام، عُيّن سفيراً لدى إيطاليا في حزيران/يونيو 2017. وكان أول من أبدى تعاطفه إزاء صعود الأمير محمد بن سلمان. إذ بصفته عضواً في «مجلس الوصاية» (تجمع لكبار أفراد الأسرة)، صوّت ضدّ حصول الأمير مقرن على منصب نائب ولي العهد في عام 2014، وهي إشارة أولية للانتماء إلى جانب سلمان. (أصبح مقرن ولي العهد عقب وفاة الملك عبد الله في كانون الثاني/ يناير 2015، لكنّ الملك سلمان حل محله بعد ثلاثة أشهر. وأفادت بعض التقارير أن الملك الراحل عبد الله قد خطّط لاستبدال مقرن بسلمان، مما أدى إلى فسح المجال أمام متعب، وهو ابن الملك، ليصبح ولي العهد، والذي أقيل كوزير للحرس الوطني في عطلة نهاية الأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، كما هو أحد المحتجزين.)
*عبد العزيز بن سعود، 30 عاماً، عُيّن وزيراً للداخلية في حزيران/يونيو عام 2017. وقد حلّ محل عمّه، شقيق والده، وولي العهد آنذاك محمد بن نايف الذي أُجبر على الاستقالة. أمّا والد عبد العزيز بن سعود فهو حاكم المنطقة الشرقية الغنية بالنفط حيث يشكّل فيها الشيعة السعوديون أغلبيةً محلية. وقد تمّ تقليص صلاحياته الجديدة في غضون أيام من تعيينه من خلال نقل بعض مسؤولياته إلى منظمة جديدة لأمن الدولة، إلاّ أنه لم يظهر أي استياء علناً.
*عبد العزيز بن تركي، 34 عاماً، عُيّن نائباً لرئيس الهيئة العامة للرياضة في حزيران/يونيو 2017. وكان والده تركي بن فيصل، سفيراً في واشنطن ولندن، ورئيس جهاز المخابرات الخارجية في المملكة. وفي الآونة الأخيرة، شارك تركي بن فيصل في مناقشات علنية مع مسؤولين إسرائيليين سابقين.
*أحمد بن فهد، وهو ابن حفيد بن سعود، عُيّن نائباً لحاكم المنطقة الشرقية في نيسان/أبريل 2017. وقد توفي والده عام 2001 بعد أن كان نائب حاكم المنطقة الشرقية من عام 1986 إلى عام 1993.
*بندر بن خالد، 52 عاماً، عُيّن مستشاراً للمحكمة الملكية في حزيران/يونيو 2017. أمّا والده فهو حاكم مقاطعة مكة المكرمة.
*خالد بن بندر، وهو ابن الأمير بندر بن سلطان، عُيّن سفيراً لدى ألمانيا في حزيران/يونيو 2017. تخرّج خالد بن بندر من جامعة أوكسفورد. وكان سفيراً سابقاً لدى الولايات المتحدة. وهو من عزز العلاقات مع عدد كبير من الرؤساء الأمريكيين.
*خالد بن سلمان، 29 عاماً، عُيّن سفيراً للسعودية لدى واشنطن هذا العام. وهو طيار سابق للطائرة المقاتلة «F-15» والأخ الشقيق للأمير محمد بن سلمان.
*سعود بن خالد، عُيّن نائباً لحاكم المدينة المنورة في نيسان/أبريل 2017.
*تركي بن محمد، 38 عاماً، عُيّن مستشاراً للمحكمة الملكية في حزيران/يونيو 2017. وكان والده، وهو ابن الملك الراحل فهد، حاكم المنطقة الشرقية من 1985إلى 2013.
وكانت هذه القائمة لتشمل قبل عشرة أيام الأمير منصور بن مقرن، وهو نائب حاكم مقاطعة عسير، لكنه قُتل في حادث تحطم مروحية في 5 تشرين الثاني/نوفمبر. وكان قد شغل منصب نائب حاكم منذ عام 2013، وعُيّن مستشاراً للملك سلمان في نيسان/أبريل 2015 عندما تم إعفاء والده من منصب ولي العهد. وهناك تكهنات كثيرة بأنه لم يكن معجباً بالأمير محمد بن سلمان، وقد يصحّ هذا الأمر نظراً للتهميش الذي تعرّض له والده. كما وتسري شائعة أخرى أن وفاته لم تكن عرضية، ولكن لا يوجد أي دليل يثبت ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه القائمة من الأمراء تدلّ أيضاً على الأمراء الغائبين. فهي لا تشمل أي من أبناء أو أحفاد الملك الراحل عبد الله، وتتضمّن حفيداً واحداً للملك فهد. كما أن أقارب الدرجة الأولى للأمير أحمد بن عبد العزيز، المعروفين باسم السديريون السبعة، هم أيضاً غائبون. ويمكن تفسير هذا الغياب بسهولة، حيث يُعتقَد أن الأمير أحمد بن عبد العزيز قد صوّت في «مجلس الوصاية» ضدّ تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في حزيران/يونيو من هذا العام.
وفي هذا الإطار، من الواضح أنّ الأمير محمد بن سلمان يرى نفسه الملك القادم للمملكة العربية السعودية، وهذه نظرة والده أيضاً. وتقول الشائعات الأخيرة أن التغيير قد يحدث قريباً. وتقليدياً، يعتمد نجاح عملية الانتقال على قبول وتأييد الأسرة المالكة على نطاق واسع. ولكن نفاد صبر الأمير محمد بن سلمان وطموحه يشيران إلى أن ذلك لن يكون خياراً. وعوضاً عن ذلك، ستعتمد سلطته على دعم الموجودين في هذه القائمة.
وفي السياق نفسه، هناك مجموعة أخرى قد تكون حاسمة وهي مجموعة الأمراء المنضمّين إلى صفوف الجيش. ويصعب تحديدهم، وهم أساساً في مناصبهم لوقف أي عملية انقلاب. وفي هذا الصدد، تعطي برقية نشرتها ويكيليكس وصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 1985، وإن كانت قديمة نوعاً ما، لمحةً عامةً وصحيحةً عن الوضع القائم، إذ تخلص إلى التالي: «إن مجرد وجود الأمراء في القوات المسلحة يوفّر قدراً من الاستقرار لنظام آل سعود».
ويُعتقد أن الملك سلمان يرى الأمير محمد بن سلمان بمثابة إبن سعود المعاصر، أي يُحتمل أن يكون قائد عظيم لا حدود لطموحه، وبأنه يَعِد بأمور أفضل بكثير من أي شخص آخر، ولديه إمكانيات كبيرة تتخطى كبار المنافسين المحتملين على العرش. ولكن حتى الأمير محمد بن سلمان يبدو أنه يدرك أنه من أجل تحويل اقتصاد مملكته والتصدي لتحديات الفوضى الإقليمية، يتعين عليه أن يكون قائداً لفريق ملكي.
*سايمون هندرسون هو زميل «بيكر» ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.