طموحات روسيا لاستعادة دورها في شمال أفريقيا

(1 ـ 2)
سارة فوير و آنا بورشفسكايا

منذ استلامه السلطة رسمياً في أيار/مايو 2000، سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إحياء نفوذ روسيا في المناطق التي خسرها الكرملين خلال تسعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من أن جهوده كانت أكثر وضوحاً في الشرق الأوسط، إلّا أنّه استهدف أيضاً شمال أفريقيا حيث توجد لموسكو مصالح جيوستراتيجية واقتصادية وسياسية.
وقد أدّت أحداث «الربيع العربي»، التي انطلقت من شمال أفريقيا، إلى تقويض النفوذ الذي سعى بوتين جاهداً إلى استعادته وعززت تصوّر الكرملين بأن الغرب يقف وراء جميع الحركات الاحتجاجية التي استهدفت تفكيك الأحكام الاستبدادية. ووفقاً لتقديرات بوتين، يعتمد تفوّق روسيا على مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. ويخدم توسيع رقعة النفاذ إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط هذا الهدف الأشمل من خلال إرساء موطئ قدم في منطقة نفوذ أوروبية والحدّ من قدرة الولايات المتحدة على المناورة عسكرياً. ومن الناحية الاقتصادية، توفر منطقة شمال أفريقيا فرصة لروسيا لبيع الأسلحة، وبناء شراكات في قطاع الطاقة، والاستثمار في تطوير البنية التحتية. ويمكن لموسكو أيضاً أن تدّعي أنها متواجدة في المنطقة لمكافحة الإرهاب.
إن علاقات روسيا الأكثر قوة هي مع ليبيا والجزائر، الحليفتان السابقتان من فترة الحرب الباردة. ولكن حتى الروابط الثنائية مع المغرب وتونس قد نمت خلال السنوات الأخيرة.
ليبيا
إن الانتفاضة الليبية في عام 2011، والتدخل اللاحق الذي قامت به منظمة حلف شمال الأطلسي بهدف ردع قوات معمر القذافي عن ارتكاب مجزرة في بنغازي، وانهيار نظام القذافي، كلها عوامل لم تفسد الوضع القائم في البلاد فحسب — بل وضعت حداً أيضاً لسلسلة اتفاقات اقتصادية وعسكرية كان بوتين قد أبرمها مع الدكتاتور الليبي. وقد حاولت موسكو خلال السنوات الست الماضية إنقاذ هذه الصفقات. ففي تموز/يوليو 2017، بدأت شركة النفط والغاز الروسية الحكومية «روسنفت» بشراء النفط من «المؤسسة الوطنية للنفط» الليبية، ويتطلع بوتين إلى مرفأ طبرق وغيره من الموانئ لإبرام اتفاقات محتملة لرسو السفن. ومن شأن هذا التطور الأخير أن يؤدي إلى استثمار روسي كبير، لكن التواجد بشكل دائم في المياه الليبية قد يجعل من روسيا صاحبة نفوذ في المنطقة ولا يجب الاستهانة بها.
ومن الناحية السياسية، تميل موسكو إلى حدّ كبير نحو الجنرال خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني الليبي» في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط. فروسيا ترى فيه رجلاً قوياً ناشئاً يعلن كراهية مشتركة تجاه الجماعات الإسلامية. (أما الحقيقة فهي أكثر تعقيداً، إذ إن حفتر تعاون عن كثب مع السلفيين، وعموماً سيتحالف بوتين مع أي جهة فاعلة تميل، مثله، إلى تقويض نفوذ الغرب). وقد تحالف «الجيش الوطني الليبي» بقيادة حفتر مع «مجلس النواب» في مدينة طبرق، الذي لم يصادق بالكامل على «حكومة الوفاق الوطني» المعترف بها دولياً ومقرها طرابلس بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج. وقد زار حفتر روسيا ثلاث مرات خلال عام 2016، وفي كانون الثاني/يناير 2017، صعد على متن حاملة الطائرات الروسية «الأميرال كوزنستوف»، التي رست حينئذ قبالة ساحل طبرق. وفي آذار/مارس، أفادت بعض التقارير أن القوات الخاصة الروسية تمركزت غرب مصر لمساعدة قوات حفتر عبر الحدود. ومع ذلك، بقيت موسكو على تواصل مع «حكومة الوفاق الوطني»، وذلك جزئياً لتقديم نفسها كصانع سلام بديل عن الأمم المتحدة، والجزء الآخر للتحوط ضد حفتر. وفي نهاية المطاف، إن أكثر ما يهم موسكو هو بسط نفوذها في لبيبا، بغض النظر عمن يتولى دفة الحكم في البلاد. ومن بين المنافع الإستراتيجية الكثيرة لليبيا، تبدو فرصة التأثير على الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر المجاورة فرصة مهمة.
الجزائر
منذ عام 2001، عندما وقعت روسيا والجزائر إعلاناً للشراكة الاستراتيجية، توطدت العلاقات الثنائية في القطاع العسكري بشكل خاص. وفي عام 2006، أبرمت روسيا اتفاق أسلحة مع الجزائر بقيمة 7.5 مليار دولار – وهو أكبر عملية بيع للأسلحة الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي – شمل برنامج لتحديث الجيش الجزائري وتدريبه، إلى جانب إلغاء دين مستحق لموسكو منذ الحقبة السوفيتية بقيمة 4.7 مليار دولار. وقد ساهمت مبيعات الأسلحة في الأعوام 2010 و 2012 و 2013 و 2015 في تزويد الجزائر بمعدات عسكرية إضافية، شملت طائرات هليكوبتر ودبابات وغواصات. وفي عام 2016، بدأت الجزائر وروسيا تتبادلان المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء شمال أفريقيا وأعلنتا خططاً إضافية للتعاون العسكري الأعمق.
كما سعت روسيا إلى ترسيخ حضور أوسع لها في قطاعي النفط والغاز اللذين يكتسيان أهمية كبيرة في الجزائر. غير أن هذه الأخيرة، كونها ثالث أكبر مزود للغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد النرويج وروسيا، نظرت إلى روسيا على أنها منافس أكثر من شريك في مجال الطاقة. فشركة «غازبروم» الروسية تملك أصولاً في الجزائر، وقد فازت بعقود للتنقيب عن النفط والغاز وتطوير [استخراجهما]، لكن القوانين الصارمة التي تحكم الاستثمارات الأجنبية في الجزائر تحدّ من الإمكانات الاستثمارية لهذه الشركات.

*سارة فوير هي زميلة «سوريف» في معهد واشنطن، و آنا بورشفسكايا هي زميلة «آيرا وينر» في المعهد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة