(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 27.
جاسم محمد*
شبكة تجنيد داخل المانيا
الاستخبارات الالمانية كشفت في وقت سابق عن وجود شبكة عمل داخل المانيا تقوم بتجنيد الشباب داخل المانيا وخاصة من النساء السلفيات لغرض الالتحاق بالقتال في سوريا. الدراسات اظهرت بان بعض الفتيات ومنهن القاصرات توجهن للقتال في سوريا، بعد ان تعرفن على شباب مقاتلين على النت وشبكة التواصل الاجتماعي، ليختلط عندهن “الجهاد” برومانسية العلاقة مع المتطرفين.
وقال وزير الداخلية الالماني” توماس دي ميزير” في اعقاب حادث شارلي ابيدو بان اعداد “المتطرفين” الذين يسافرون من اوروبا الى العراق وسوريا في تزايد مستمر بالرغم من ازدياد درجة وحشية اعمال تنظيم “داعش”. واضاف “دي ميزير” ان عدد المقاتلين الذين سافروا من المانيا وصل الى نحو 550 حالة معروفة للسلطات الالمانية، لكن احصائيات استخبارية اخرى ذكرت بان، تدفق المقاتلين الاجانب ومنهم الالمان صعد بنسبة 70% منذ مطلع عام 2015، بعض التقارير اكدت ان عدد المقاتلين الاجانب في المانيا وصل الى 750 مقاتل بينهم مايقارب 100 امرأة من بين حمسة الاف مقاتل اجنبي في عموم اوروبا. المقاتلون الاجانب في المانيا لم يعد فقط انتحاريين في سوح القتال بل مازالوا يمثلون خطر محتمل على امن المانيا من وجهة نظر اجهزة الاستخبارات مما دفع الحكومة الالمانية بإعادة سياساتها في مكافحة الإرهاب.
الاستنتاج والتحليل
كان عام 2014 نقطة تحول في تنظيم الشباب بإعلان بيعته الى تنظيم داعش، بعد بضعة سنوات من بيعته الى تنظيم القاعدة. وفقا الى “توماس” الخبير في الشؤون الصومالية في واشنطن ومدير مدونة “صوماليا نيوزروم” ان النقاش كان محتدم بين الشباب حول الاستمرار في تأييد القاعدة او بالعكس الالتحاق بتنظيم داعش، لكن التنظيم حسم امره لإعلان البيعة الى داعش من اجل الحصول على الدعم المالي وربما كان هذا وراء اندفاع تنظيم الشباب لتنفيذ عمليات ارهابية في كينيا اخرها تنفيذ عملية ارهابية في ابريل 2015 بقتل 148 شخصاً معظمهم من الطلبة في هجوم على جامعة “غاريسا” في كينيا، اما في الصومال فتزايدت العمليات الانتحارية والهجمات المسلحة على الفنادق والمباني الرسمية والاهداف الامنية. العمليات تشهد تصعيدا عادة عند هذه الجماعات قبل اعلان البيعة وبعدها لإثبات ولائها.
ان بيعة الشباب الى داعش يعني حصولها على خدمات شبكة داعش في اوروبا ودول اخرى، فالتنظيم نجح باستقطاب المقاتلين والانتحاريين من اوروبا، ويبدو هذه المرة استعمل تنظيم الشباب احد انصاره المقيمين في المانيا، لتسهيل مهمة حركته واستهداف الفنادق من الدرجة الاولى كون وثائق سفره تجعله خارج دائرة الشبهات. وهذا يعني ان تنظيم داعش والجماعات التي اعلنت بيعتها له مثل تنظيم الشباب بدء يركز في عملياته الانتحارية على المقاتلين الاجانب او الحاصلين على الجنسية الاجنبية اكثر من المقاتلين المحليين باعتبارهم بعيدوا عن دائرة الشبهات. يذكر ان تنظيم داعش يعمل حالياً على استعمال وثائق سفر اجنبية الى مقاتليه ممن قضى نحبهم بعد تزويرها، لغرض العبور الى دول اوروبا ودول اخرى لتنفيذ عمليات لصالح التنظيم. بات متوقعا ان يتكرر مشهد الانتحاريين الاجانب في سوريا والعراق والصومال ودول اخرى وهذا ما يتطلب من دوائر الهجرة والمطارات واجهزة الاستخبارات التركيز على حاملي وثائق السفر الاجنبية عند زيارة مسقط راسهم.
جماعة الإخوان ونشاطها في المانيا
وصل الرئيس المصري بعد الفتاح السيسي مساء امس الثلاثاء الى العاصمة الالمانية برلين في زيارة رسمية تستمر يومين. ويستقبل السيسي من قبل الرئيس الالماني يواخيم غاوك اليوم الاربعاء (الثالث من يونيو 2015) في قصر بيليفه بمراسم رسمية قبل ان ينتقل الى مكتب المستشارية ليلتقي المستشارة انغيلا ميركل.
تحولت اوروبا الى حاضنة للإخوان المسلمين في عقد الخمسينيات من القرن الماضي وشكل التنظيم شبكة من خلايا العمل التنظيمية نحن واتجاهات الجمعيات الخيرية والاسلامية والمشاريع التجارية. هذا النوع من العمل يعكس قدرة التنظيم على التخفي والعمل الاستخباري. الواجهات التجارية والمنظمات كانت وما تزال احد اساليب عمل اجهزة الاستخبارات برغم عولمة المعلومات وتطور اساليب عملها. استضافت اوروبا موجات اخرى من الاخوان والاسلاميين لاحقا، بعد ان توسعت شبكات عملهم التنظيمية.
بدأت الجماعة في التسلل الى اوروبا من خلال بعض الطلاب الوافدي خاصة في ايام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في مصر، فنشأت حركة الاخوان المسلمين في اوروبا منذ بداية الخمسينيات، وبدأت في بعض الدول الغربية كبريطانيا تتشكل بصورة منظمة في بداية عام 1963. وتدير الجماعة شبكة علاقاتها من خلال اتحاد المنظمات الاسلامية في اوروبا ( FIOE ) الذي يعد مركزًا لتنسيق الانشطة “الاخوانية”.
مركز ميونخ ـ المانيا
يعدّ ”التجمع الاسلامي” في ميونخ والمركز الاسلامي التابع له هناك البوابة الرئيسة في نشاط الاخوان في المانيا و اوروبا. وبات يسيطر على العديد من التنظيمات الاسلامية الاخرى واندرج تحت مظلته مراكز اسلامية بأكثر من ثلاثين مدينة المانية. الاخوان احرزوا نشاطاً ملموساً في المانيا اكثر من بقية دول اوروبا وبدأت تستقطب مجموعات اسلامية اخوانية من دول اوروبية اخرى منها من فرنسا وهولندا وبلجيكيا. ويعدّ سعيد رمضان حفيد حسن البنا، من مؤسسي رابطة المسلمين العالمية في المانيا، المركز الاسلامي ـ ميونخ ثم خلفه ابنه هاني رمضان و سمير الفالح بالاشتراك مع السوري غالب حمت، يحمل الجنسية الايطالية، اللذان يعدّان من اكثر الاشخاص تأثيراً ونفوذاً لتنظيم الاخوان في المانيا.
وتكشف المعلومات، ان زعيمي “الجمعية الاسلامية في المانيا”، رمضان وحمت، هما من بين اكثر اعضاء تنظيم الاخوان المسلمين نفوذا خلال نصف قرن بوجود صلات بين الجمعية الاسلامية في المانيا والاخوان. وان تقارير صادرة عن وكالات الاستخبارات الداخلية في عدد من المقاطعات الالمانية تُطلق علنا وصف “فرع من الاخوان المسلمين” على الجمعية الاسلامية في المانيا. وتبعا لاحد التقارير الاستخباراتية، ان الفرع المصري للإخوان المسلمين كان قد هيمن على الجمعية الاسلامية في المانيا منذ ايامها الاولى.
وامتدت نشاطاتهما الى دول اوروبية اخرى ابرزها سويسرا بهدف ادارة اموال الاخوان ومنها بنك التقوى. “المركز الاسلامي” في ميونخ ـ المانيا هو احد اهم المراكز الاسلامية في المانيا، التي تمثل الفرع الرئيس للإخوان المصريين في المانيا. الجمعية تنامت بنحو لافت عبر السنين وتتعاون الان مع عدد كبير من التنظيمات الاسلامية في البلاد. واندرج تحت مظلتها مراكز اسلامية من اكثر من ثلاثين مدينة المانية.
وبينما اختار الفرع المصري للاخوان المسلمين من ميونخ قاعدة لعملياته في المانيا، فان مقرات الفرع السوري تقع في مدينة “اخن” وهي بلدة المانية قرب الحدود الهولندية. وكان اول من انتقل الى “اخن” هو عصام العطار في الخمسينيات عندما كان زعيما للفرع السوري من الاخوان المسلمين. وسرعان ما تبعه اعضاء اخرون من الاخوان المسلمين ومع الوقت، اتخذ اسلامويون من بلدان اخرى من مسجد العطار الذي يسمى الان ب مسجد بلال، في “اخن” قاعدة لعملياتهم. ونتيجةً للتمويل الاجنبي حققت منظمات الاخوان تقدما في نشاطاتها داخل المانيا و اوروبا.
وبالتوازي مع مساعي الاتحاد الاوروبي الى الاندماج الاجتماعي، سعى الاخوان الى توحيد وكلائهم المتعددين في اوروبا. فقد انشا الاخوان خلال الاعوام السابقة سلسلة من المنظمات في اوروبا، مثل فيدرالية المنظمات الاسلامية في اوروبا، حيث يمكن لممثلين من المنظمات القومية ان يلتقوا ويخططوا لمبادراتهم .وربما كان اكبر ارتباط لتنظيم الاخوان المسلمين عبر اوروبا كلها هو ارتباطهم مع منظمتهم الشبابية، كما مع الجمعية الاسلامية في المانيا.
علاقة الاخوان بالحكومة الالمانية
ويوضح الباحث الالماني” غيدو شتاينبرغ” من المركز الالماني للسياسات الامنية خلال الفصل الذي حرره في كتابه “الغرب والاخوان بعد ثورات الربيع العربي”، العلاقة بين الاخوان والحكومة الالمانية من جهة، واجهزة استخباراتها من جهة اخرى، قائلا: (مرت العلاقة بين الحكومات “الالمانية”، والقيادات “الاخوانية” القابعة في “برلين”، بثلاث مراحل رئيسية ، اذ تميزت المرحلة الاولى ( اواخر الخمسينيات، وحتى العام 1979) بعدم الفهم العميق لظاهرة “الاسلام السياسي”، فضلا عن “جماعة الاخوان”. لذلك كان ان اقتصرت العلاقات (الالمانية ـ الاخوانية) على اتصالات عدد من عناصر الجماعة واجهزة الاستخبارات الالمانية، دون بقية مؤسسات الدولة. وبعد الثورة الاسلامية في ايران – عام 1979م – اكتسبت جماعة” الاخوان” مزيدا من اهتمام الحكومة الالمانية، برغم ان العديد من صانعي القرار كانوا ولا يزالون ينظرون الى الحركة على انها تمثل نهجا متخلفا لا يمكن ان يلعب اي دور رئيسي في مستقبل العالمين (العربي و الاسلامي).. لذلك اقتصرت المرحلة الثانية 1979 ـ 2011 بنحو عام، على الجانب الاستخباراتي ايضا.
* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة