صدر عن دار ضفاف
إتضح لي ان جميع الانقلابات التي تقع هدفها السلطة وليس غير السلطة، صحيح ان البعض يبرر ذلك ويقول من اجل تنفيذ الاهداف التي يحملها الانقلابيون العسكريون حزبا كانوا ام كتلا عسكرية ، لكن في النتيجة هي القفز الى السلطة ولو على حساب رفاق الدرب والخندق الواحد او الرفاق العسكريون الذين اقسموا واتفقوا فيما بينهم على التغيير عن طريق الدبابة ما يلبثون بعد مرور اسابيع اذا لم نقل ايام على امور تواجههم ويتحول حل هذه الامور والمشكلات الى الخلافات ،وبالتالي انتصار احدهم واقصاء بقية رفاقهم كما جرى بين الزعيم عبد الكريم قاسم الذي ابعد رفيق دربه عبد السلام عارف.
ثم جاء البعثيون بعد اسقاط قاسم واستدعوا عبد السلام من بيته ليتولى رئاسة الجمهورية فدب الصراع بينهم على السلطة وتخلص منهم بالتعاون مع العسكريين البعثيين وغير البعثيين . وما ان سيطر عبد السلام على السلطة حتى دب الصراع بين اهل الحكم واخذ يصفي رفاق دربه ومن ساعده في الوصول الى السلطة فقام اللواء الركن الطيار عارف عبد الرزاق بمحاولة انقلابية ضد الرئيس عارف الذي ظل ماسكا بالسلطة، حتى لقي مصرعه في حادث الطائرة وجاء بعده شقيقه عبد الرحمن عارف حيث دب الصراع بين مجموعات وتكتلات الضباط انتهت بسقوط عارف ومجيء حزب البعث ثانية الى السلطة ونشب الخلاف بينهم ايضا تمكن وصدام من التخلص من منافسيه او معارضيه رفاقه في الحزب والثورة من اجل البقاء في السلطة.
وكتابي هذا يتناول اول انقلاب عسكري قاده الفريق بكر صدقي وما تبعه من انقلابات عديدة كلها تهدف الى القفز على السلطة.
ويتضمن الكتاب أول إنقلاب عسكري في العراق والوطن العربي، قاده الفريق بكر صدقي قائد الفرقة الثانية ،بالتعاون مع الفريق عبد اللطيف نوري قائد الفرقة الاولى، والذي راح ضحية هذا الانقلاب وبأمر من الفريق بكر صدقي وزير الدفاع الفريق جعفر العسكري، في حكومة ياسين الهاشمي التي أسقطها الانقلاب، وحل محله حكمت سليمان رئيسا للوزراء، الذي لعب دوراً خطيراً في تحريض صدقي على الانقلاب، لكون الهاشمي رفض طلب حكمت سليمان منصب وزارة الداخلية، فمنحها الى رشيد عالي الكيلاني .ثم الانقلاب الثاني الذي اطاح بحكومة حكمت سليمان بعد إغتيال بكر صدقي .
وآخر انقلاب وقع في 14 تموز 1958، الذي أسقط النظام الملكي وأقام النظام الجمهوري.
أما دوافع بكر صدقي وجماعته للانقلاب فجميعها شخصية وصراع على السلطة ، فبكر صدقي أراد من ياسين الهاشمي منصب رئيس أركان الجيش حيث أنه كان يشغل منصب وكيل رئيس أركان الجيش إضافة الى قيادة الفرقة الثانية ، إلا أن الهاشمي منحه المنصب لشقيقه طه الهاشمي . أما الفريق عبد اللطيف نوري فقد حنق على حكومة ياسين الهاشمي، التي رفضت له طلب العلاج في الخارج، على نفقة الحكومة ،فتعاون مع بكر صدقي في إسقاط حكومة الهاشمي.
ويتضمن الكتاب تاريخ تأسيس الجيش العراقي وحصة العراق من العسكريين في العهد العثماني.وكذلك بدايات دخول السياسة في صفوف الجيش العراقي، وخاصة التوجهات القومية فيه.إذ
دخل الضباط العراقيون، حقل العمل السياسي في وقت مبكر، عندما كانوا يعملون في الجيش العثماني ويتواجدون في الاستانة ، في وقت ظهور النزعة العنصرية التركية ، الأمر الذي دفع هؤلاء الضباط الى البحث عن السبل والوسائل للحفاظ على الهوية العربية، والوقوف ضد سياسة التتريك، فكان ذلك دافع .
وبرزت نواة كتلة الضباط القوميين في الجيش العراقي بين سنتي 1927 و1933 ، بعد أن شغل صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد منصب معلمين في الكلية العسكرية وكلية الاركان ، وصاغ هؤلاء ” الميثاق القومي العربي” الذي تضمن تخليص الوطن العربي من العناصر الفاسدة ، وتوحيد الاقطار العربية، من خلال السيطرة على الجيش وتوجيه سياسة البلاد.
هذه الكتلة القومية من الضباط، هي التي دبرّت إغتيال الفريق بكر صدقي، وقائد سلاح الجو العراقي محمد علي جواد في 11/8/1937 في مدينة الموصل ، وكان يقودها آنذاك الفريق حسين فوزي واللواء أمين العمري والعقداء صلاح الدين الصباغ وعزيز ياملكي وفهمي سعيد وكامل شبيب ومحمود سلمان ، وذلك لانهم رأوا في حركة بكر صدقي أنها ” لا تؤمن بالعروبة ولا بالدين” وبحسب تعبير صلاح الدين الصباغ.
أما بدايات العمل السياسي في داخل القوات المسلحة العراقية ، فقد بدأ في أوائل الثلاثينات من القرن الماضي، بفعل الاحداث الخطيرة التي إجتازتها البلاد العراقية، خلال تلك الفترة وقبلها.. وفي طليعة تلك الاحداث، التوقيع على معاهدة التحالف العراقية البريطانية ( معاهدة 1930) التي تركت أثرها العميق في نفوس العديد من ضباط الجيش، والهبت حماسهم الوطني، وأججت في ارواحهم نيران ثورة .عارمة
كما يتناول الكتاب بدايات التنظيم السياسي داخل الجيش العراقي ، فيذكرأنه بدأت أول محاولة للتنظيم السياسي في الجيش في أواسط العشرينات بين صغار الضباط المتخرجين من الكلية العسكرية، التي فتحت أبوابها للشباب سنة 1924. كان هؤلاء الضباط من ذوي الأفكار القومية، وقد تعاطف معهم عدد من الضباط الذين خدموا في الجيش العثماني، خلال السنوات الأخيرة من الحرب قبل أن يلفظ أنفاسه. ومن أبرزهم صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد وعبد الرزاق حسين ومحمود الدرة وعبد المجيد الهاشمي وأكرم مشتاق، إلا أن هذه الكتلة لم يكن لها رأي سياسي واضح وهدف محدد تناضل من أجل تحقيقه، بل جلّ ما كانوا يفكرون به هو تحرير العراق من السيطرة الاستعمارية، والسعي من أجل وحدة الأمة العربية، فربطوا في بداية تكوينهم مصيرهم ببعض السياسيين القدامى، الذين عرفوا باتجاهاتهم القومية، أمثال ياسين الهاشمي ونوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني . ولم تتبلور في أذهانهم فكرة إستخدام الجيش لقلب نظام الحكم، الى أن تمكنت جماعة( الاهالي) غير المتجانسة والتي تحمل أفكاراً إشتراكية عامة من إقناع الفريق بكر صدقي قائد الفرقة الثانية، بالقيام بثورة عسكرية سنة 1936 لاسقاط حكومة ياسين الهاشمي . فكانت تلك الحركة البداية العملية لتدخل الجيش في السياسة العراقية.
كما يتضمن الكتاب حركة رشيد عالي الكيلاني، والانقلاب الذي قام به العقداء الاربعة ضد حكومة طه الهاشمي، والمجيء برشيد عالي الكيلاني رئيسا للوزراء بتشكيل حكومة الدفاع الوطني ، برغم معارضة الوصي على عرش العراق آنذاك الامير عبد الاله والحكومة البريطانية .وما تبع ذلك من أحداث وتداعيات مأساوية وخطيرة على الساحة العراقية.
كما يتضمن الكتاب بدايات تشكيل منظمة الضباط الأحرار، حين كان النقيب المهندس رفعت الحاج سري، الذي إشترك في حرب فلسطين عام 1948 ، أول من بدأ خطواته نحو تشكيل تنظيم سري داخل الجيش ، أثناء حرب فلسطين ، ففاتح زملاءه وهم في جبهة الحرب ،على تنظيم عسكري سري يطيح بالنظام الذي خان قضية العرب الكبرى ، قضية فلسطين.
ومن هؤلاء الضباط الفريق نجيب الربيعي والملازم خليل ابراهيم حسين والمقدم إسماعيل علي والمقدم خليل ابراهيم الجبوري والرائد طاهر يحيى والرائد عبد الوهاب الامين والمقدم صالح عبد المجيد السامرائي والمقدم اسماعيل العارف والمقدم طارق سعيد فهمي والمقدم عبد الكريم قاسم والنقيب داوود الجنابي والنقيب محسن الرفيعي .قام بعضهم بإجتهاده الشخصي ، بطبع وتوزيع نشرات تدمغ نظام الحكم العراقي وتدعو الى الثورة عليه ووأده.
وتبلورت فكرة الثورة على نظام الحكم العراقي إثر نجاح ثورة مصر عام 1952 وإنتفاضة تشرين 1952 في العراق ، فإتصل كل من المقدم رفعت والرائد محيي الدين عبد الحميد ، رئيس أركان الفرقة الثالثة ، بالفريق نجيب الربيعي قائد الفرقة الثالثة في بعقوبة، وأقنعاه على تولي زعامة الحركة الثورية في الجيش، فوافق على الفكرة على أن يبقى النظام الملكي قائماً،إلا أن الربيعي رفض إقتراحاً قدمه رفعت ومحيي عبد الحميد والعقيد خليل ابراهيم حسين للزحف على بغداد، للاطاحة بالحكم القائم أثناء إنتفاضة تشرين.
وفي نهاية عام 1956 بعد العدوان الثلاثي على مصر وبداية عام 1957 دبّ النشاط مجدداً في التنظيم ، فإنضم اليه عدد من قادة الوحدات والتشكيلات في الجيش ، العميد الركن ناظم الطبقجلي والعميد الركن عبد العزيز العقيلي والعقيد خليل سعيد والعقيد طاهر يحيى والعقيد عبد الرحمن عارف . ومن القوة الجوية إنضم اليها المقدم الطيار عارف عبد الرزاق والرائد الطيار حردان التكريتي ، وقام هذان الضابطان بتنظيم عدة خلايا في معسكر الحبانية إنضم اليها النقيب محسن الرفيعي والرائد حسين خضر الدوري.
ويتضمن الكتاب المحاولات الانقلابية التي جرت لاسقاط النظام الملكي بدءا من محاولة عام 1952 مرورا بمحاولة عام 1954 وانتهاءا بانقلاب 1958 الذي اطاح بالحكم الملكي.