ماثيو ليفيت
بالرغم من هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، أولا في الموصل والآن في الرقة، يتصاعد خطر التطرف المحلي العنيف. وكما يقول المدير السابق للمركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب ماثيو أولسن هناك احتمال كبير جداً بأن تشهد الولايات المتحدة تنفيذ هجمات إرهابية نابعة من الداخل في العامين المقبلين. وقد دعا قادة كل من تنظيم «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» الجماعات التابعة لهما إلى تنفيذ هجمات في البلدان التي ينشطون فيها بل ونشروا تعليمات ونصائح حول كيفية استهداف المدنيين بفعالية، وقد فاقم الإرهابيون الأجانب العائدون لبلدانهم خطر تلك الظاهرة. وهناك تحقيق جار حول نحو 1,000 متطرف عنيف محتمل نابع من الداخل في خمسين ولاية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، ولا يشكل هؤلاء حول العالم تهديداً أمنيا فقط، ولكن أيضاً عدداً من التحديات الفريدة لأجهزة إنفاذ القانون ولوكالات الاستخبارات.
لنأخذ في الاعتبار، على سبيل المثال، الأداة ذات الفعالية الطويلة الأجل لتعقب أنماط سفر المشتبه في كونهم إرهابيين والمرتبطين بهم. ولا تزال هذه أداة فعالة، خاصة في الحالات النادرة المتزايدة المرتبطة بالمتنقلين الإرهابيين الأجانب. ولكن التهديد المتنامي لإرهاب المتطرفين المحليين لا يحتاج في الغالب إلى تنقل خارجي، ووفق تقرير لوزارة الأمن الداخلي الأميركية فإن “معظم المتطرفين المحليين المولودين خارج الولايات المتحدة يتشددون بعد سنوات عديدة من دخولهم أميركا”. وتماثل نتائج وزارة الأمن الداخلي الأمريكية تقرير لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب الأمريكي من كانون الأول/ديسمبر 2016، والذي خلص إلى أن “الولايات المتحدة تواجه مناخاً إرهابياً هو الأخطر منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001، وأن معظم ذلك ينجم عن الأفراد الذين تشددوا في الداخل”. وهكذا، فإن أشد سياسات الهجرة صرامة تفشل في التعامل مع هذه القضية لأن التشدد يتم هنا.
ولكن أبرز التحديات التي يمثلها المتطرفون المحليون بالنسبة للمحققين هي مواجهة تمويل الإرهاب. فعندما يتشدد شخص أو خلية ويقرر تنفيذ هجوم إرهابي، تكون هناك طرق عديدة يستطيعون من خلالها تمويل الهجوم. وعلى النقيض من هجمات 11 أيلول/سبتمبر بالغة التنظيم والتي كلفت حوالي 500 ألف دولار وسنوات من التخطيط، فإن الإرهابيين المنفردين والجماعات الصغيرة يمكنهم تنفيذ الهجمات بسرعة وبتكلفة وتجهيزات بسيطة.
ويمكن لهؤلاء أن يخفضوا تكلفة الهجمات لأن لديهم عدد أقل من الأفراد الذين يحتاجون إلى التدريب والتجهيز، ويعتمدون على أسلحة بسيطة مثل السكاكين في مقابل المنظمات الإرهابية الكبيرة التي ترتبط بتكاليف غير مباشرة للحفاظ على كياناتها الإرهابية وتطويرها.
وبسبب الكلفة الضئيلة نسبياً للهجمات، يلجأ المهاجمون المنفردون والخلايا الصغيرة عادة إلى التمويل الذاتي وهو ما قد يشمل الرواتب الشخصية وتلقي الدعم من أفراد الأسرة والأصدقاء والانخراط في أنشطة إجرامية أو استغلال قروض شرعية. وعلى نحو أقل شيوعاً، قد يتلقى بعض المهاجمين المنفردين والخلايا المرتبطة بمنظمات إرهابية أكبر، دعماً مالياً من الخارج.
وفي حالة محمد مراح الذي نفذ عمليات إطلاق نار في فرنسا في عام 2012، اعتمد المهاجم بشكل كبير على الأنشطة الإجرامية ومنها السرقة وتجارة المخدرات ليمول هجماته، إذ حصل مراح على 58 ألف دولار من تهريبه للمخدرات بين إسبانيا وفرنسا، وكان عضواً في شبكة إجرامية كبيرة في فرنسا. وبالإضافة إلى الأموال التي حصل عليها من الجريمة، تلقى مراح دعماً مالياً من أفراد أسرته وكذلك أموالاً في إطار نظام المعونات الحكومية.
إن نقل الأموال أمر هام للمهاجمين المنفردين والخلايا الصغيرة التي تتلقى دعماً من منظمات إرهابية أكبر. وقد قال تقرير لمجلس الأمن الدولي في آب/أغسطس: “بالرغم من الضغوطات العسكرية وتراجع المدخولات، لا يزال تنظيم «الدولة الإسلامية» يرسل أموالاً إلى فروعه في جميع أنحاء العالم باستخدام مزيج من خدمات نقل الأموال وكذلك نقل الأموال نقداً”. وأضاف التقرير الأممي أن “ تنظيم «الدولة الإسلامية» أرسل أموالاً إلى أماكن لا يوجد له فروع فيها وهو ما يعد، وفق تقدير إحدى الدول الأعضاء، محاولة للاستعداد لهزيمته العسكرية” في سوريا والعراق. ومن الواضح أن تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يتهيأ فقط لنقل الأموال إلى أماكن وجوده الأخرى، بل إلى أماكن يمكن لأتباعه الجدد فيها أو للمقاتلين العائدين تنفيذ هجمات في أوطانهم.
وفي الوقت الذي قد تعني فيه الهزائم العسكرية أن مركز تنظيم «الدولة الإسلامية» قد أصبح أضعف، ستستمر عمليات المهاجمين المنفردين والخلايا الصغيرة في تشكيل تحد للأدوات التقليدية التي تستخدمها سلطات مكافحة تمويل الإرهاب.
وبما أن الهجمات الصغيرة يمكن أن تنفذ في وقت ضئيل نسبياً وبأقل قدر من التجهيزات، فإن لدى السلطات وقت قليل لإجراء تحقيق فعال وقد لا تتمكن أيضاً من تتبع مسارات مهمة كالتنقلات والاتصالات والأموال المستخدمة في تنفيذ تلك العمليات الصغيرة.
وغالباً ما يكون الإرهاب المحلي أقل تعقيداً على مستوى التخطيط بالمقارنة مع الإرهاب الذي تقوم به الجماعات المنظمة، ولكن من المرجح أن يكون أكثر تكراراً، وكما أكدت الهجمات الأخيرة حول العالم، قد يكون أكثر نجاحاً. ومن شبه المؤكد أن الانتصارات العسكرية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لن تؤدي في الغالب إلى تراجع في النشاط الإرهابي في الغرب. يجب أن تكون مواجهة التحديات التي تمثلها خطط المتطرفين المحليين أولوية بالنسبة لأجهزة إنفاذ القانون وضباط الاستخبارات، خصوصاً الآن بعد أن تم تحرير الموصل والرقة من سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية».
* مدير “برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في معهد واشنطن.