دأب الزعماء والقادة ورؤساء الدول على تدوين سيرهم الذاتية، أو إملائها على شخص ما، بعد اعتزالهم السلطة. وكثيراً ما صادفت هذه الأعمال نجاحاً واسعاً، وحققت إيرادات عالية، لم يسبق لكتب أخرى أن حظيت بها من قبل. وقد تخطى البعض منها حاجز المليون نسخة خلال الشهرين الأولين مثل مذكرات الرئيس الأميركي بيل كلينتون. بل إن مبيعات كتاب « نقاط القرار» للرئيس جورج بوش الابن جاوزت حاجز المليوني نسخة. وفي العادة فإن هذه الكتب مرتفعة الثمن. وقد اقتنيت نسخة من الكتاب الأخير حال صدوره من إحدى مكتبات عمّان ب 36 دولاراً أميركياً فقط!
إن القارئ الذي يحرص على الاطلاع على هذه الكتب إنما يبحث عن سر نجاح هؤلاء بالدرجة الأولى، وبصماتهم المميزة في السياسة العالمية. وعدا ذلك فإن حقبة ما بعد السلطة مهيأة للبوح بأسرار تبقى طي الكتمان لضرورات الأمن أو الدفاع أو السياسة لوقت غير قصير.
ولكن الواقع أن التاريخ لا يكتبه هؤلاء وحدهم. فهناك إلى جانبهم رجالات الصف الثاني أو الثالث من موظفي الدولة وقادة الجيش ورموز الثقافة وغيرهم. وهؤلاء يمتلكون تجارب حياتية غنية، وإن كانت الأيام لم تسمح لهم بتخطي مواقعهم الوظيفية. فالنجاح لا يتحقق بالمؤهلات الجيدة فحسب، بل بعوامل أخرى تحتمها ظروف الزمان والمكان. ويجد القارئ في سيرهم الكثير من المتعة والدرس والفائدة.
ذات مرة قرأت كتاباً لأحد المقربين من زعماء العهد الملكي، وكان ذا نفوذ كبير غير أنه لم يحظ إلا بوظائف ثانوية. وقد كشف في مذكراته الكثير من الأسرار التي أحاطت بتلك الحقبة. لكنه كان دائم الشكوى من إعراض الوظائف العليا عنه. كما قرأت مذكرات أحد قادة الفرق العسكرية في الحقبة وقد ملأها بالتظلم من أولي الأمر، لقلة احتفائهم بشخصه، برغم إخلاصه الشديد لهم. ولم تخل هذه اليوميات من مفارقات جميلة، لكن هاتين السيرتين لم يكتب لهما الانتشار، لإخفاق صاحبيهما في الوصول إلى قمة هرم السلطة.
إن أي تجربة حياتية مهما كان حجمها هي في الأصل تجربة نافعة. وليس هناك ما يبرر الإعراض عنها بهذا الشكل. فالتاريخ الحقيقي لأي شعب لا يقتصر على الحوادث الكبرى، التي يصنعها الملوك والرؤساء فحسب. بل بإسهامات كل فرد منتج فيه، مهما كان موقعه في الدولة أيضاً.
محمد زكي إبراهيم
ثمن النجاح
التعليقات مغلقة