(شهرزاد تخرج من عزلتها)

والانفتاح على تقنيات السرد الشعري
علوان السلمان

النص الشعري..وسيلة تعبيرية ذات طبيعة جمالية ودلالة اجتماعية تعبرعن الذات وتجلياتها الكاشفة عن صيرورتها من خلال افراز الوعي الجدلي القائم على التقنية الفنية والجمالية..وجدانياً وروحياً..عبر فعل ابداعي متقاطع مع الواقع والذاكرة باستنطاق اللحظة الشعورية المحققة لفعلها التأثيري المستفز للذات الجمعي الآخر(المستهلك) بتوظيف نسق لغوي قادر على توكيد المعاني من اجل توسيع الفضاء الدلالي لجمله النصية المتسامية..القائمة على التجاوز لجغرافية المكان المألوف لتحقيق مسعاه الذي يكمن في مخاتلته التي تنم عن اشتغال عميق برؤية شعرية..تجريبية ترقى من المحسوس الى الذهني..لذا فهو تجسيد للشعرية والشاعرية(الاداء واللغة والصورة والدلالة..) ..اللذان يحققان بتمازجهما حركيته وفعله المؤثر ..المنبثق من ذات المنتج(الشاعر)بوصفه مهارة وطاقة فنية منتجة,,
وباستحضار المجموعة الشعرية(شهرزاد تخرج من عزلتها) التي انبثقت عوالمها الشعرية من ذهنية فاعلة ومتفاعلة وجوداً مجتمعياً..ونسجت صورها انامل منتجها الشاعر حبيب السامر..واسهمت دار الشؤون الثقافية في نشرها وانتشارها/2017..كونها تقدم بوحاً وجدانياً تجلت عوالمه برومانسية شفيفة مع اكتناز برمزية منطلقة من مرجعيات فكرية واجتماعية وثقافية اسهمت في اتساع عوالمها عبر صورها المنصهرة في بوتقة جملها الشعرية الفاعلة في السياق..والموجهة في دلالاتها على وفق دوافع نفسية تتفاعل عناصرها الفنية والتجربة الذاتية..
يبدو أنك تستيقظ كعادتك مذهولا
تلملم بقايا نهار متكرر
واغنية خضراء
لتمنح قلبك قليلا من كتاب الضوء
وتفتش مراراً عنك..
يبدو أنك تتناوب اسفارك
والقصائد سواحل حبر
حروف تسبح نحوك
وأخرى تنزل الى القاع
يبدو أنك لا تجد مساحة كافية
كي تصرخ /ص6
فالنص يتأثث من تلاحق الصور القابضة على لحظة الانفعال..مما يمكنها من الانفتاح على تقنيات السرد الشعري..البصري(المشهدي) الذي يتطلب حضور المكان الحاضنة للفعل الشعري وانفعالاته وتفاعلاته باعتماد الامتداد الزمني الذي تمركز في مقاطعه المتناوبة..المعتمدة البنى الداخلية التي يبدو فيها عنصر الفكرة متقدماً على غيره من عناصر الشعر..ابتداء من المستهل(يبدو انك..) الذي شكل لازمة النص من جهة واضفى دلالة مزدوجة تمثلت في الفعل والحركة من جهة اخرى بوعي شعري يكشف عن اتحاد وتصارع ثنائية الذات والموضوع باعتماد اللفظ المكتنز بابعاده ودلالاته عبر التكثيف الذي يستفز الذاكرة ويحث على اشغالها لاستنطاق ما خلف صوره والكشف عن جمالياته واسراره الفكرية التي تتسلط على ذهنية منتجه..
قبل ليلة
كان القلق رصاصاً
والجمر اشتياقاً
يا للذائذ الشمس
تظلل قامات النخل
صوته
ابيض كان
ندياً مثل الدم الدافق من جبين احدهم
وكان الهتاف
يحيط بسلالة الجوع
يقمط لهاث التعب
ويضمد بهاءات الروح
هي الغيمة برغم سوادها
تنقر وجوهنا
بمطر بلون الحرية /ص40 ـ ص 41
فالجملة الشعرية في خطاب الشاعر تتنوع اشكالها ولا تخضع لمعايير التقليدية..فضلا عن تميزها بالتدفق الخيالي والتشكيل البلاغي واللوني الدال..مع توظيف المكنون السردي والحوارالدرامي الذاتي..اضافة الى الفنون الحسية والبصرية والمكانية لخلق عوالمه الشعرية القائمة على اساس جمالي قوامه اللمحة الفكرية التي تعلن عن حالة نفسية بلغة تشكل وسيلة تبليغ وغاية في حد ذاتها والتي يسعى المنتج(الشاعر) على تفجير قدرتها الايحائية والانزياحية كي يكشف عن وظيفتها الجمالية والفكرية المضافة..
الزنابق سلم الماء
والماء نضح الجبل من صخور السطح تضيق المساحة
تستطيل مثل غبار ينحت على الشاطيء بلاهات هلامية
تأخذنا بيد قلقة نحو الوقت لتتصاغر بنعومة
أمهلني فراقك وخذ الحجر
أمهلني صمتك وخذ الاقنعة والريح وتقلبات الموج
واحصر قاب قوسين هذا النداء
ودع خلوتك تمسك بالزنابق
لم تكن يقظتك باذخة في انقباض الرقصات
المكان واسع والروح لطيفة وشهرزاد تخرج من عزلتها
لتسرد موتها المؤجل /ص111
فالنص يسبح بين عالمين شعريين متداخلين:اولهما حسي وثانيهما وجداني..مع تجاوز حدود الزمان والمكان باعتماد اللحظة الشعرية المتوهجة التي هي(مغامرة الشاعر الظرفية في اللحظة الممتلكة لا تقادها الوجداني..) ..فضلا عن انه معبأ بتسابيح الذات وانثيالات تكشف عن دلالته من خلال الدوال المتلاحقة ابتداء من العنوان المتناص و(شهرزاد الف ليلة وليلة)..المفتاح التأويلي والعتبة الاولى المسهمة في فك مغاليق الخطاب..كونه دلالة منتزعة من جسده المندرج ضمن الحقل الدلالي تم اختياره على وفق ارتباط الذات وتوجهاتها كي يحقق البعد الوجداني والفكري من خلال اشارته الى حمولة نفسية مأزومة تعبر عن صراع الانسان والزمن.. فضلا عن انه يتخذ من المكان حيزاً فاعلا بتداخله والبعد النفسي من اجل تعميق التناغم في ايقاع الصور والافكار.
وبذلك قدم الشاعر نصوصاً شعرية تميزت ببعدها الجمالي والفني والدلالي والانساني مع اتساق منظم بصور جزئية(تتشابك فيها الدلالات الفكرية والعاطفية في لحظة من الزمن..)على حد تعبير ازرا باوند.. مقترنة بوحدة عضوية وتعابير وافعال مشحونة بالتوتر من اجل المحافظة على العاطفة المتمردة على الواقع بلغة ايحائية الالفاظ. اضافة الى توظيفه اساليب و تقانات فنية كالنداء والاستفهام والتكرار الدال على التوكيد الملفوظ الذي يشكل ظاهرة ايقاعية تثري النص وتصل به الى ذروة التعبير عن الذات..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة