انمار رحمة الله
إنه لصٌّ محترف، لم يستطع أحد كشف وجهه، ولا معرفة وصفٍ لهيئته. بالرغم من كل التدابير في المدينة وتكثيف جولات التفتيش والمراقبة في أزقتها. لم يستطع رجال الأمن رؤية ظله حتى، بل لم يستطع السكّان التنبؤ بوقت ومكان قدومه. صحيح أن السكّان أغلبهم خائفون من سطو اللص هذا على منازلهم، ولكن بالرغم من خوفهم صاروا يحترمونه، بل إذا ذُكِر اللص في مجلس أو أي اجتماع للناس، نسمع عبارات الاعجاب في تفنّن اللص في سرقة أشيائهم الثمينة. وحين عرف اللص بفشلنا في كشف وجهه، أو التنبؤ بشخصيته والعثور على مكانه، صار يسرقنا في النّهار، سرق صاحب دكّان بقالة في شارعنا قبل شهر، وسرق زوجةَ مدير مدرسة جارتنا أيضاً. وحين تأكد هذا اللص من عجزنا في مطاردته صار أكثر صلافة، لقد صار يسرقنا بالجملة.
قبل مدة حين كانت سيارة أجرة عائدة من مدينة محاذية، اكتشفوا أنهم قد سُرقوا جميعاً، في سوق المدينة الكبير، في زحمة التبضع والعمل، اكتشف عدد متفرق من الناس سرقتهم ثم تجمهرنا حولهم ورأيناهم متخشبين هلعاً على نفائسهم التي سرقها ذلك اللص.. لقد كان منظرهم مبكياً، من المؤسف أن يسرقك لص جبان يخاتلك وينتظر حين تغفو في سكينتك وغفلتك ليخطف منك شيئاً نفيساً ويهرب. ماهي السمات التي تظهر على وجهه بعد سرقة كل ضحية من ضحاياه ؟ هل يضحك أو يكتفي بابتسامة صغيرة ماكرة؟. هل يتنفس مرتاحاً بعد كل عملية سرقة ؟. أم تراه يحزن ويضجر من تأنيب ما تبقى من ضمير لديه؟!. لا أعتقد أن هذا اللص صاحب ضمير، الضمير إحساس يعيش ويرتع في ذوات سليمة، وهذا اللص كائن غريب عجيب، لا يردعه أمن ولا نظام ولا خوف من سلطة أو مكانة للشخص المسروق.. لهذا قررتُ أن أتدبر أمري في هذه المحنة، ولن أكون كسكّان المدينة نائماً على أذني حتى يأتي اللص ويسرقني وأنا لا أدري. لقد وضعت في منزلي بضع كاميرات مراقبة حديثة، واتفقت مع شخص يجيد التوصيل بالأشعة لينصب لي فخاخاً ليزرية في مداخل الأبواب، مربوطة بجهاز إنذار يصدر صوتاً عالياً. ولم أنس حشو مسدسي ووضعه تحت وسادتي كل ليلة، المسدس ذاته الذي تركه لي والدي، لقد كان هذا المسدس أرثاً عائلياً ثميناً، صحيح أن والدي لم يطلق منه طلقة واحدة، لكنه يظل شيئاً نفيساً لم نفرط به يوماً، وأعتقد أن وقت عازته قد حان.. أنا الآن في عزِّ يقظتي، أنتظر اللص العجيب خوف أن يأتي متخفياً…ولكن كيف يتخفى لص كهذا؟. هل يضع على وجهه لثاماً ؟. لقد صار صلفاً جداً إلى درجة أنني أعتقد أنه يسرق بلا لثام. بل أنا أتوقع، سيأتي يوم ما ويقف هذا اللص في وسط سوق المدينة ويصرخ بأعلى صوته (أنا اللص …أنا الذي أسرقكم كل يوم، وأتحدى قوياً منكم أن يمسك طرف ثوبي …جربوا إن استطعتم هذا ). وبالفعل أنا اتوقع أن الشرطة والسكّان سيهربون منه، ويتجنبون ملاقاته وجهاً لوجه.. ما هذا ..؟ هناك صوت غريب في صالة المنزل؟. لعله اللص ؟! ماذا أفعل ؟ هل أفاجئه بمسدسي أم أخنس في غرفتي؟. ولكن أين صوت الإنذار؟!. هل من المعقول تجاوز اللص المجسّات الليزرية عند مداخل الأبواب ؟!. أين هيئته وجسمه ؟. لم أر شيئاً في كاميرات المراقبة !!. سأنزل إلى الصالة وأرى..لا… سأنتظر هنا لأن كلَّ شيء نفيس أملكه موجود معي هنا في غرفتي، سأنتظره وأصوب مسدسي نحو الباب، ما إن يفتح الباب أطلق عليه طلقة أو أكثر لكي أرديه قتيلاً، وأكون أول من كشف هوية هذا اللعين.. هناك خدر عجيب يتسلل في أطرافي السفلى !. الخدر يصعد شيئاً فشيئاً نحو بطني وصدري، يا للغرابة إنه يتوزع على أطرافي العليا، لم اعد قادراً على مسك المسدس بنحو شكل جيد، ولم تعد ساقاي قادرتين على حمل جسمي.. مقبض الباب يدور؟!. يا ألهي سيفتك بي اللص إن لم أقاومه دفاعاً عن ممتلكاتي. إنه يتقدم أمامي بحزم ووقار عجيب. مع كل محاولاتي للضغط على زناد المسدس وقتله، إلا أنني أفشل في كل مرة، ولن يصدقني أحد حين أعترف أن هذا اللص يجبر ضحاياه على احترامه!!. هل يتمتع اللصوص مثله بهذه الهيبة الكبيرة ؟!. لماذا يشير إلى فمي..؟ هل لأن فمي هو الجزء الوحيد في جسمي القادر على الحركة؟. إنه يمسك بيد باردة الجزء الأسفل من وجهي ثم يلتقط شيئاً من فمي ويغادر من نافذة الغرفة ..عجيب..!! لماذا إذن كل هذه الضجة مادام هذا اللص ينجز عمله بسهولة ولين. لم يفعل شيئاً سوى مسكي من وجهي والسلام. جميل أنه لم يسرق كدس المال والحاجيات الثمينة في دولابي. لقد غادر وتركني بلا حِراك ليتحول الخدر في جسمي إلى برد.. شعور بالنعاس… شهية إلى نوم عميق…عميق بلا قااااااااع.