(2 ـ 2)
علي محسن العلاق
بذلنا قصارى جهدنا من أجل إقصاء كافة شبكات تمويل [تنظيم «الدولة الإسلامية»] من نظامنا، بما في ذلك مئات من محلات الصرف [المشبوهة] وشركات التحويل الإلكتروني. ورفعنا أيضاً بعض الحالات إلى المحاكم، لنسهّل بذلك قيام سابقة بالنسبة لبلادنا وهي: جلسات استماع لمثل هذه القضايا أمام المحكمة … مما يقدّم مؤشراً على أن القوانين الجديدة التي تمّ سنّها، والتدابير والأنظمة الجديدة، وكذلك الإشراف على القطاع المصرفي، قد تمّ تشديدها جميعاً للسماح بالوصول إلى مثل هذه النتيجة.
أعتقد أننا أنجزنا الكثير بمساعدة شركائنا الدوليين. فنحن نتشارك المعلومات على أساس يومي مع هؤلاء الشركاء، حيث نساعد جميع الأطراف المشاركة على بلوغ مستويات التعاون الحالية. وفي هذا السياق، جاء التقرير الأخير الصادر عن «فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية» إيجابياً للغاية فعلاً – مما يعكس أن البلاد اتخذت العديد من الخطوات في هذا الصدد.
ومن أجل تعزيز اقتصادنا بشكل عام، ننفذ مبادرة رئيسية ترمي إلى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم. ولهذا الغرض، أي البرنامج الأكبر في تاريخ البلاد، خصصنا نحو 6 مليارات دولار من أجل تمويل هذه المشاريع. كما اتخذنا خطوات جدية للغاية ضمن «البنك المركزي» من أجل إنشاء وحدات جديدة للتعامل مع مهام ووظائف لم يسبق أن غطاها «البنك المركزي» من قبل – مثل الإدماج المالي، وإدارة المخاطر، والامتثال، وحماية المستهلك، والأنظمة الخاصة بالمحافظات، إلى جانب عمليات التدقيق القائمة على المخاطر. وأعتقد أنه من خلال هذه التدابير، انتقل «البنك المركزي» فعلياً من القرن العشرين إلى القرن الواحد والعشرين. ومن خلال إضافة هذه الوظائف، جعلنا من «البنك المركزي» مؤسسة تتعامل مع كافة التحديات والمهام الجديدة التي غطتها المصارف المركزية الأخرى على مدى التاريخ.
وأخيراً، أود الإشارة إلى التطورات الأخيرة في كردستان، التي نشعر بالحزن الشديد إزاءها. لقد أوشكنا على هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»؛ وتعمل البلاد جاهدةً على إعادة البناء والسماح للناس بالعودة إلى منازلهم. ولسوء الحظ، نواجه الآن تحدياً آخر، نأمل حلّه بطريقة سياسية وليس عن طريق الصراع، حيث سيكون هذا المسار الأخير صعباً للغاية بالنسبة للبلاد التي تكبّدت أثماناً باهظة خلال العقود الثلاثة الماضية.
وعقب الاستفتاء، نحن في «البنك المركزي» راسلنا على الفور رئيس وزراء «حكومة إقليم كردستان» سائلين عما إذا كان بإمكاننا، كبنك مركزي، مواصلة القيام بعملنا هناك. ويعود السبب إلى ذلك لأننا عملنا بجد مع «حكومة الإقليم» لنحو عام من أجل ممارسة رقابتنا ضمن «إقليم كردستان العراق». وقبل ذلك، كان الإقليم فعلياً خارج نظام الرقابة الذي يطبقه «البنك المركزي العراقي». لذلك، شخصياً، عقدتُ العديد من الاجتماعات مع رئيس وزراء «حكومة إقليم كردستان» بهدف تطبيقنا الرقابة والإشراف على القطاع المصرفي في الإقليم. وبعدها وقّعنا اتفاقاً، قبل شهرين أو ثلاثة أشهر فقط، لفتح فرع لـ «البنك المركزي» في أربيل. وكنا نعدّ كافة الترتيبات اللوجستية من أجل بدء العمل هناك – وبالفعل بدأنا هذا العمل. ومن ثم، حين حصل الاستفتاء، أرسلتُ كتاباً إلى رئيس الوزراء سائلاً إياه، كما قلتُ، عما إذا كان بإمكاننا مواصلة عملنا. وجاء الردّ إيجابياً. نعم، يمكنكم مواصلة عملكم. لذلك أوضحنا من جانبنا أنه لا مانع لدينا. تحدثتُ إلى الحكومة، وإلى رئيس الوزراء، وأيضاً إلى مجلس النواب، بشأن احتمالات ربط كردستان بدستورنا، بحيث كلما كانت لدينا استجابة إيجابية، وهو ما يُعتبر مؤشراً جيداً، يمكننا الاستمرار في القيام بعملنا هناك.
وبالتالي، نشعر في «البنك المركزي» أنه إذا كان لا يزال بإمكاننا القيام بعملنا، فلا مانع لدينا. فلن نتعامل مع الوضع هناك بطريقة سلبية. ولكن التصعيد يسير بشكل سريع حالياً، لا سيما في وسائل الإعلام، لذلك علينا أن نرى أين ستنتهي الأمور. ونأمل، كما أقول، أن تنتهي بشكل سلمي.
بصراحة، أشعر أن ما حصل مؤسف للغاية، لكن يمكنه أن يؤدي إلى حلول دائمة لعلاقتنا بين الإنماء الاتحادي و«حكومة إقليم كردستان» – لأن أشياء كثيرة حدثت خلال الأعوام الماضية خارج حدود دستورنا. وقد حصلت معظم هذه الأنشطة بموجب ترتيبات سياسية، وهو ما يُعتبر برأيي مساراً محفوفاً بالمخاطر – وهذا ما نراه في الوقت الحالي. لقد عبّرتُ شخصياً عن وجهة النظر هذه في عدة مناسبات، فقد سبق أن شغلت منصب الأمين العام لمجلس الوزراء لمدة ثماني سنوات، وفي ذلك الوقت استمريت بالقول إنه يجب أن نلتزم بدستورنا لكي لا نراكم مشاكل يمكنها أن تؤدي إلى أزمة مستقبلية. وهذا ما نواجهه الآن.
لذلك نأمل أن يؤدي ما يحدث حالياً إلى حلول دائمة، وترتيبات دائمة، تمشياً مع دستورنا – حتى لا نواجه هذه الأنواع من المشاكل في كل مرة.
* محافظ البنك المركزي العراقي