بات بحكم اليقين أن العراق يقترب من الولوج في النافذة أو ما يعرف بالهبة الديموغرافية والتي تعني إن نسبة السكان الشباب تصل إلى 60% من مجموع السكان ، ومؤدى هذا اليقين متأتٍ من خلال المعطيات المتوفرة حاليا والتي تشير إلى ان نسبة السكان النشطين اقتصاديا الذين تتراوح اعمارهم بين 15 إلى 60 سنة وصلت إلى نحو 58% ، فضلا عن أن أعداد المتخرجين سنويا من الشباب تصل إلى زهاء 200 الف خريج ، ولهذا فإن الدخول إلى النافذة الديموغرافية لا تفصلنا عنه سوى سنوات قليلة وقليلة جدا .
ومما لا يقبل الشك أن الشباب يعدون قوة مؤثرة جدا في الواقع بجميع تفاصيله فهم يمثلون واحدا من اكبر المحركات التنموية والسياسية والاجتماعية كونهم يمتلكون القدرة على احداث التغيير على وفق توجهاتهم ، ومن هنا ينبغي ان يكون التعامل مع هذه الشريحة المهمة قائما على أسس سليمة تؤدي في نهاية المطاف إلى توجيه هذا المحرك الوجهة الصحيحة ، بما يؤدي إلى احداث البناء المطلوب ، وعكس ذلك علينا ان نتوقع المزيد من المشكلات والتحديات الجسام .
ولكن السؤال الأهم في قضية الشباب هو ، كيف تدار هذه القوة والثروة البشرية المؤثرة ؟ .. التجارب أثبتت ان قيادة الشباب ليست سهلة أبدا ، كما اثبتت التجارب ايضا ان للشباب قدرة كبيرة في تغيير الواقع في جميع أبعاده – سياسيا ، اقتصاديا ، ثقافيا ، اجتماعيا .. الخ ، ولو القينا نظرة إلى الاحداث التي شهدها العراق على مدى الاربعة عشر عاما المنصرمة لوجدنا ان دور الشباب كان بارزا ، لاسيما في الحراك الشعبي والتظاهرات وحتى في محاربة الارهاب ، ولكن نجد هذا الدور خجولا ومنكفئا في الجانبين السياسي والاقتصادي مع استثناءات لا تمثل ظاهرة ، بسبب هيمنة الاحزاب الكبيرة وعدم تركها الفرصة لشريحة الشباب للمنافسة والمشاركة في عملية صناعة القرار تحت عناوين شتى ومبررات لا تصمد امام منطق الواقع والتاريخ ، وعلى الرغم من الخطوط والمحددات التي تم وضعها امام الشباب إلا انهم استطاعوا تخطيها ، وتمكنوا من عبور الاسوار والوصول إلى مفوضية الانتخابات لينتزعوا جزءا مما يجب ان يكونوا عليه ، فقد منحت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاجازة لمجموعة من الكيانات والأحزاب والتشكيلات الشبابية وصل عددها إلى اكثر من 9 كيانات اعرف بعضا منها، وهي تضم شبابا لديهم رؤية ناضجة للكثير من الملفات المهمة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية ، وبالتالي سيكون بإمكانهم خوض غمار الانتخابات المقبلة ،وان نجاحهم مرهون في مدى تأثيرهم في الرأي العام الذي تغيرت الكثير من مفاهيمه وحتى ايدولوجياته ولم يعد فريسة سهلة للكتل والأحزاب التي بنت لحم اكتافها من خلال الخطاب الطائفي او القومي .. فالجمهور اليوم يبحث عن احزاب تمتلك القدرة على التغيير الايجابي ، احزاب عابرة للطائفية والمحاصصة التي دمرت الكثير من الاشياء الجميلة في البلد ، لذلك من المتوقع ان تشهد المرحلة المقبلة تغييرا في خطوط خارطة العمل السياسي في العراق في ظل تنامي الوعي السياسي لدى الشارع العراقي ، وهذا من شأنه ان يتيح الفرصة امام الشباب للنزول إلى الساحة والتصدي لشؤون الحياة ، ومن المؤكد ان شبابنا لديهم القدرة على احداث التغيير المنشود في واقعنا الذي يعاني الكثير من الاشكالات البنيوية نتيجة التأسيس الخاطئ لمسارات العملية السياسية منذ عام 2003 .. وقد اوصلنا ذلك التأسيس إلى منعطف خطير ، فمصير الوطن أصبح مهددا بالتقسيم ، ما لم نتدارك امرنا ، ومن هنا سيكون لدور الشباب وأحزابهم الناشئة مساحة جيدة لضبط ايقاع ومسارات الحياة ، بما ينسجم والتطور الذي يشهده العالم في جميع المجالات ، وبما يمتلكه العراق من امكانات بشرية واقتصادية لا يستهان بها ابدا.
عبد الزهرة محمد الهنداوي
الشباب .. والسياسة
التعليقات مغلقة