الاعتذار الرسمي في العلاقات الدولية

د. صلاح عبد الرزاق
(1ـ2)

الاعتذار الاجتماعي
يعرف الاعتذار بأنه إقرار أو اعتراف بحدوث قول أو فعل خاطئ بحق شخص أو جهة أو دولة.
وهو فعل نبيل وكريم يعطي الأمل بتجديد العلاقة وتعزيزها . فهو التزام من الجهة التي ارتكبت الخطأ. وهو أسلوب يشجع على تحسين العلاقة مع الآخر من خلال التوصل إلى صيغة ترضيه.
فالاعتذار يتضمن الشعور بالندم أو الذنب على فعل أو قول تسبب في ألم أو إساءة لشخص أو جهة أخرى، وذلك بطلب العفو . فالاعتذار تقويم لسلوك سلبي يجعل من شجاعة الفرد في قمتها اتجاه نفسه واتجاه المجتمع.
الاعتذار من الصفات السامية في عالم البشرية. طبيعة الإنسان الخطأ، ويتميز العقلاء بالعودة للصواب ولكن يرتقي الإنسان ويتميز نبله بقدرته على الاعتذار لمن اخطأ بحقه ، وان كان اصغر منه عمراً أو مكانة.. والاعتذار يمثل مظهراً حضارياً ، وهو انعكاس لمستوى النضج والثقة في النفس.

أنواع الاعتذار
1 – الاعتذار السريع
وهو مراجعة النفس مباشرة عند وقوع الخطأ الغير مقصود أو السلوك السلبي عند حالة الغضب.
2 – الاعتذار بعد مراجعة النفس
وهو ما يأتي متأخراً نوعا ما ، بعد أن يقضي المخطي حالة مراجعة للموقف ومحاكمة النفس. حيث ينتابه حالة تأنيب الضمير. وقد يبدى اعتذاراً رسمياً أو يدبر موقفاً غير مباشر ليبين رغبته في تصحيح سلوكه.
3 – الاعتذار القولي ، ويكون عادة باستعمال عبارات الاعتذار والأسف في كلمة أو خطاب أو تصريح.
4 – الاعتذار المكتوب، ويكون بإرسال خطاب أو كتاب رسمي يتضمن عبارات الاعتذار عن الفعل أو القول . وتكون الرسالة بإمضاء الشخص المعتذر.
5 – الاعتذار الفعلي، ويكون من خلال فعل جسدي كالمصافحة أو الاحتضان أو التقبيل ، وكل حسب عادة الشعوب وتقاليده. الأمر الذي يعطي انطباعاً أن الشخص قد قدّم اعتذاره للشخص الآخر.

عدم الاعتذار
هذا النوع ما نعانيه في مجتمعاتنا ، حيث يبدو الشخص مدرك تماماً لحجم أخطائه ، لكنه يكابر ويمتنع عن الاعتذار، ويطالب الناس أن تتقبله كما هو . بلا شك ان النوع الثالث من الناس يعاني من ضعف الشخصية ، وعدم القدرة على مواجهة المواقف . وكذلك يمكن أن نصفه بـا (الغرور) . فليس عيباً أن يخطأ الإنسان ، ولكن العيب ان يستمر في الخطأ.

ميزات الاعتذار
يختزن الاعتذار الصادق ما يأتي:
• القوة للاعتراف بالخطأ.
• ثم الشعور بالندم على تسبيب الأذى للآخر .
• والاستعداد لتحمل مسؤولية الأفعال من دون خلق أعذار أو لوم الآخرين.
• ويجب أن تكون هناك الرغبة في تصحيح الوضع من خلال تقديم التعويض المناسب والتعاطف مع الشخص الآخر.
• أن لا يكون اعتذاراً زائفاً قد يؤدي إلى ضرر أكبر ، ويعقّد إصلاح الخطأ. إن الاعتذار الحقيقي يهدف إلى تحمّل مسؤولية الخطأ وإزالته.
• تجنب تبرير ما حدث أو سرد الأسباب التي أدت إلى حدوثه . فهذا الأمر يعطي الانطباع بعدم الاعتذار بل هي محاولة لاقناع الآخر بأن مرتكب الخطأ هو ضحية أيضاً. كما يتضمن أن الطرف المسيء لا يريد تحمل مسؤولية الخطأ. إذ يجب تقديم الاعتذار أولاً ثم توضيح مختصر للأسباب. إن التبرير يزيد من ألم المتضرر.
• قد يستوجب الاعتذار تقديم تعويض مالي يجبر خاطر المتضرر، ويزيل مشاعر الألم والظلم لديه.
• قد يتأخر تقديم الاعتذار لكنه في كل الأحوال أفضل من عدم الاعتذار. صحيح أن تأخير الاعتذار لفترة طويلة تجعله يفقد قيمته، وتكون المواقف قد تعقدت بشكل قد لا ينفع معها الاعتذار.
الإعتذار في المجتمع فن له قواعده ومهارة يجب تعلمها ، فهو ليس مجرد لطافة بل هو أسلوب تصرف راقي.. فالاعتذار ثقافة وقواعد سلوك حضاري تمارسه الشعوب والدول التي تشعر بمسؤوليتها تجاه المجتمعات البشرية الأخرى. وعادة ما يطلق عليه (إعتذار رسمي).

الاعتذار الرسمي
وهو خطاب موجه إلى الجهة المتضررة يتضمن إبداء التأسف والاعتذار مما لحق بها من أضرار معنوية أو مادية بسبب قرار أو سياسة أو إجراء قامت به الجهة المعتذرة. ويسمى بالاعتذار الرسمي لأنه علني وصادر من جهة رسمية.

الاعتذار الرسمي الديني
وهو اعتذار يصدر من جهة ذات صفة دينية يقدم لجماعات دينية نالها ظلم أو حيف أو تعسف أو سوء فهم. ولا يشترط أن يكون الاعتذار معاصراً للجريمة أو الظلم بل قد يكون اعتذار لحدث وقع قبل عقود أو قرون أو حتى ألفي سنة.
من المؤسسات الدينية التي اشتهرت بتقديم اعتذارات للأفراد والجماعات والدول هي الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان. وهذه مجموعة من الاعتذارات الرسمية الدينية التي قدمتها:
1 – في 28 تشرين الأول 1965 أصدرت اعتذاراً أو بالحقيقة تبرئة لليهود من قتل السيد المسيح.
2 – في 31 تشرين الأول 1992 قدمت اعتذاراً للعالم الفلكي والفيلسوف غاليليو الذي أدين عام 1633 .
3 – في 9 آب 1993 قدمت اعتذاراً عن تورط الكاثوليك في تجارة الرقيق في أفريقيا.
4 – في عام 1994 أعلنت الكنيسة المسيحية أنها ستعيد النظر في دورها علاقتها بالمسلمين ، وأن تعترف بالمسؤولية حيث هي مستحقة. وكانت مجموعة مسيحية أوربية قدمت اعتذارها عن الحروب الصليبية التي أودت بحياة مسلمين ويهود ومسيحيين قبل 900 سنة.
5 – في أيار 1995 قدمت اعتذاراً عن الاضطهادات والحروب الدينية التي تلت قيام البروتستانتية في القرن السادس عشر.
6 – في 10 تموز 1995 اعتذرت إلى كل امرأة عن انتهاك حقوق المرأة خلال القرون الوسطى على يد محاكم التفتيش.
7 – في عام 1997 قدم البابا اعتذاراً لليهود عما لحق بهم من ظلم أثناء الحقبة النازية. وقد سميت بــ (وثيقة الندم والاعتذار) التي أبدت (الأسف عن معاناة الشعب اليهودي في المحرقة خلال الحرب العالمية الثانية). كما وصف اليهود ( بأنهم أعزاؤنا وأشقاؤنا المحببون ، وهم بحق الشقيق الأكبر).
8 – في 16 آذار 1998 قدمت اعتذاراً عن تقاعس الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا عن مساعدة اليهود خلال الهولوكوست.
9 – في 12 آذار 2000 قدمت اعتذاراً عن المآسي التي رافقت الحروب الصليبية.
10 – في 21 آذار 2017 قدمت اعتذاراً لحكومة رواندا عن دورها خلال الإبادة الجماعية التي حدثت فيها عام 1994.
هذه المواقف الانسانية تعبر عن الشعور بالمسؤولية تجاه أحداث وقعت على مجموعة من البشر.

الامتناع عن الاعتذار
للأسف لن نتوقع اعتذارات رسمية من جرائم مروعة وكوارث بشرية.
1 – لم تعتذر إسرائيل عن الاضطهاد الذي مارستها ضد المسلمين الفلسطينيين منذ عام 1948 في الأراضي المحتلة.
2 – لم تعتذر بريطانيا للشعب الفلسطيني عما سببته من آلام ومشاكل وخسائر مادية وبشرية واستيطان إسرائيلي شرّد الفلسطينيين من بلادهم منذ إصدارها وعد بلفور عام 1917 .
3 – لم تعترف تركيا بالإبادة التي ارتكبتها الدولة العثمانية ضد المواطنين الأرمن عام 1916.
4 – لم يعتذر صدام للعراقيين الشيعة عن المقابر الجماعية وتهديم المدن المقدسة بعد الانتفاضة آذار 1991 .
5 – لم يعتذر صدام للعراقيين الكرد عن استخدام الغازات الكيمياوية في مدينة حلبجة عام 1987.
6 – لم يعتذر حزب البعث عن الجرائم والاعدامات والملاحقات والسجون والتعذيب والتهجير التي نالت غالبية الشعب العراقي منذ عام 1968 لغاية 9 نيسان 2003 .
7 – رفضت أمريكا الاعتذار لليابان بسبب استخدام القنبلة النووية في الحرب العالمية الثانية والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من سكان هيروشيما وناغاساكي اليابانيتين عندما ألقت القنبلة النووية عليها عام 1945 .

الاعتذار الرسمي الحكومي
تاريخياً بدأ هذا التقليد عام 1077ميلادي، عندما اعتذر الإمبراطور الروماني هنري الرابع لقداسة بابا روما غريغوري السابع، عن صراعات نشبت بين الدولة والكنيسة، وقد عبر عن اعتذاره بأن وقف حافياً في الثلج ثلاثة أيام.
تلجأ بعض الحكومات إلى تقديم اعتذار إلى أشخاص أو جماعات أو دول بهدف إزالة أضرار الآلام التي سببتها سياساتها في وقت ما . وهذا يعبر عن مدى الشعور العالي بالمسؤولية تجاه المجتمع الانساني عامة ، والجهة المتضررة خاصة.
ويساهم الاعتذار في حل كثير من الاشكالات والقضايا الانسانية والحقوقية. فهو يمثل تنازلاً وندماً من الجهة المعتذرة . كما يساهم في تخفيف معاناة المتضررين ، واستعادة الثقة بالعدالة والانصاف في المجتمع البشري.
أما بالنسبة لاعتذار دولة إلى دولة أخرى فيأتي عادة في حالة حدوث خطأ أو قول أو فعل يمس هيبة ومصالح الدولة الأخرى. كما يساهم في تهدئة غضب واستياء الدولة الأخرة، إضافة إلى متفادي أي تصعيد من شأنه التأثير على العلاقات الثنائية ، والمحافظة على المصالح المشتركة. كما أن الاعتذار قد يمنع إقامة دعاوى قضائية ، في حين يمكن حلها بصورة ودية وحضارية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة