سلام مكي
منذ السنين الأولى لسقوط النظام وحتى اليوم، يحاول الحزب الديمقراطي النفخ في فكرة الانفصال، وفي يوم 25 أيلول وصل النفخ الى ذروته ليرتفع بعدها لهيب الانفصال عن الحكومة الاتحادية. وهو ما حصل فعلا، حيث شارك ملايين الكرد في الاستفتاء بينهم وزراء ونواب في البرلمان العراقي اقسموا بأنهم سيحافظون على وحدة البلاد وصيانة الدستور والقوانين. السلطة الكردية، قررت بعدها انها مستعدة للحوار ذلك ان بيدها ورقة الاستفتاء لقناعتها ان تلك الورقة تعد سلاحا مهما يمكنها ان تأخذ من الحكومة ما تريد، خصوصا وان الحكومة لا تملك اية ورقة ولا سلاح لمجاراة ذلك السلاح. ما حصل لم يكن في حسبان تلك السلطة، حيث ان الحكومة رفضت ومازالت ترفض الاستفتاء ونتائجه ولا تعترف به. وبمجرد انتهاء يوم 25 أيلول، هبت رياح الحكومة، معلنة قلع الكثير من مغروسات وأبنية سياسية وإدارية، في الأصل غير دستورية، لكن حكومة الاقليم احدثتها بالقوة في جسد العراق، منها الاستئثار بالموارد النفطية في الاقليم، اضافة الى ما يحصلون عليه من نسبة 17% من الموازنة، اضافة المنافذ الحدودية والمطارات ولازالت القرارات تتوالى والرياح مستمرة في الهبوب. كان آخرها طلب الحكومة العراقية من تركيا وإيران حصر التعامل مع الحكومة الاتحادية فقط، خصوصا في المسائل النفطية والحدودية.
استفتاء فاقد للشرعية
النصوص الدستورية التي خرقها الاستفتاء كثيرة، وهو خطوة تعبر اساسا عن موقف حزبي وشخصي، لا عن ارادة شعب. فالجهة التي تولت تنظيمه ممثله برئيسه مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان، فإن ولايته القانونية منتهيه منذ سنتين ولا يملك اي صفة قانونية او دستورية تؤهله لاتخاذ اي قرار سياسي، ناهيك عن وجود برلمان هو الأحق باتخاذ مثل هكذا قرارات، على الرغم من ان برلمان الاقليم انعقد قبل اجراء الاستفتاء بأيام بعد ان كان معطلا لسنين بسبب منع رئيس الاقليم رئيسه من دخول اربيل، ومنعه من الانعقاد، وكان الانعقاد لأجل اضفاء الشرعية على قرار الاستفتاء فقط!
حق تقرير المصير
يتمسك الأكراد بحق تقرير المصير، الذين حاولوا تضمنيه في الدستور الدائم، لكنهم لم يفلحوا بسبب رفض الكتل السياسية له. وانهم يستندون في اجرائهم للاستفتاء الى مبدأ حق تقرير المصير. رغم ان هذا المبدأ لا ينطبق عليهم وان له شروطه الخاصة المنصوص عليها في المواثيق الدولية والقانون الدولي العام. وبرغم هذا، فإن الكرد مارسوا هذا الحق فعلا، حين قرروا التصويت بنعم لصالح الدستور عام2005 حيث قرروا مصيرهم وهو البقاء ضمن عراق موحد، والتمسك بالدستور الضامن لوحدة البلاد. فهم وقعوا على عقد سياسي واجتماعي ولا يمكن التراجع عنه مستقبلا، الا بعد الرجوع الى الأطراف الأخر في ذلك العقد وتعديل وثيقة العقد.
رياح الحكومة
في الوقت الذي تهب رياح عاتية من داخل بعض الكتل، تطالب باستخدام القوة مع الأكراد تباكيا على وحدة البلد، وان الحكومة ضعيفة وغير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية ومهمة لحفظ وحدة البلاد، يبدو ان الحكومة تدرك جيدا انها لا يمكن ان تجازف بأهم ورقة وسلاح تملكه لمواجهة الاقليم وهو الدعم الدولي ذلك ان مجرد استخدام القوة العسكرية والصدام المسلح خصوصا في المناطق المتنازع عليها، سيؤدي الى نشوب حرب بين الحكومة الاتحادية والاقليم، وهذا ما سيضعف موقف العراق كثيرا داخل المحافل الدولية وان نسبة وقوف المجتمع الدولي مع العراق في حالة نشوب الحرب ضئيلة جدا مقارنة بموقفه الحالي المؤيد بنحو تام لكل اجراءات الحكومة. ففي الاقل، سيتم التعامل مع الطرفين بنحو متكافئ في حين ان موقف الحكومة الحالي جعل من كل الدول تتعامل مع العراق بوصفه صاحب حق في اتخاذه للإجراءات التي قام بها ضد السلطة الكردية. ثم ان الحرب ليس عسكرية فقط، بل هناك حرب اقتصادية، تجارية، سياسية، يمكن ان تؤدي الى نتائج اهم بكثير من نتائج الحرب العسكرية وهو ما تسعى الحكومة الى القيام به، ناهيك عن انشغال القوات المسلحة بالحرب على داعش، حيث ان الحويجة وقت اجراء الاستفتاء، لم تكن محررة بنحو كامل، وان هنالك جبهات قتال مستمرة مع داعش، فلا يمكن اقحام الجيش بحرب إضافية في وقت يفترض ان يكون الجهد العسكري منصبا على داعش فقط.
ضرورة توحيد المواقف
الموقف الرسمي للعراق تجاه الأكراد، لا يقتصر على الحكومة فقط، بمعنى ان على جميع السلطات، التنفيذية والتشريعية التي يقودها رؤساء الكتل السياسية ان توحد من خطابها وموقفها تجاه الاقليم، ولا يمكن ان ينفرد رئيس الوزراء بموقف في حين يخالف آخرون موقفه. فرئيس البرلمان ونائبا رئيس الجمهورية ذهبوا الى أربيل للقاء رئيس الاقليم، وأكدوا على ضرورة استئناف الحوار بين الطرفين بعيدا عن قرارات البرلمان والحكومة، حيث ان اهم شرط وضعته الحكومة لاستئناف الحوار، الغاء نتائج الاستفتاء والرضوخ للحكم الاتحادي، في كل المجالات المالية والسياسية. اما التصرف بنحو شخصي، من قبل مسؤولين حكوميين فهذا أمر يؤدي الى فوضى سياسية وعدم توحيد في المواقف، بالنتيجة يؤدي الى إضعاف موقف الحكومة.
المناطق المتنازع عليها
بعد سيطرة داعش على الموصل والمناطق المحيطة بها، واستعادة بعض تلك المناطق من قبل قوات البيشمركه الكردية، قامت تلك القوات بالبقاء في المناطق التي حررتها، خصوصا (المناطق المتنازع عليها) وقد صرح رئيس الاقليم ان البيشمركه قامت بتطبيق المادة 41 من الدستور ولا حاجة لتطبيقها من قبل السلطة التنفيذية، في خطوة مخالفة للدستور الذي نص على مجموعة من الاجراءات التي يتم من خلالها تحديد إرادة مواطني تلك المناطق. ما حصل ان تلك المناطق تم شمولها بالاستفتاء برغم انها مازالت دستوريا ضمن سلطة الحكومة الاتحادية. ثم ان صلاحية المادة 41 التي تتذرع سلطات الاقليم بأن عدم تنفيذها ادى بها الى سلوك طريق الاستفتاء، انتهت صلاحياتها في عام 2007 ولا يمكن تنفيذها دستوريا الا عبر تعديل الدستور.
إجراءات الحكومة
مازالت الحكومة مستمرة في اتخاذ القرارات التي من شأنها محاسبة مروجي الاستفتاء، والمصوتين له على اعتبار ان الاستفتاء هو طريق للانفصال ومخالفة واضحة للدستور، خصوصا من قبل النواب والوزراء الذين اقسموا على الحفاظ على وحدة البلاد والتمسك بالدستور. كما تضمنت تلك الاجراءات مخاطبة ايران وتركيا لغرض حصر تعاملاتها مع بغداد وغلق المنافذ الحدودية وجعل شبكات الهاتف المحمول تحت اشراف السلطة الاتحادية ومتابعة حسابات مسؤولي الاقليم في البنوك والمصارف، اضافة الى اجراءات اخرى مهمة. ننتظر من الحكومة ان تستمر في نهجها الدستوري تجاه الازمة، واتخاذ كافة الاجراءات القانونية لحماية السكان العرب والتركمان في المناطق المتنازع عليها من الاعتداءات المتكررة من قبل بعض الفصائل المسلحة وضمان سلامة كافة المواطنين في تلك المناطق.