متابعة-الصباح الجديد:
اتجهت انظار العالم صوب إقليم كردستان العراق، بعد الزوبعة التي أثيرت اثر اجراء الاستفتاء المتعلق بموضوع الانفصال عن دولة العراق، وكان لوسائل الاعلام العربية والعالمية اراء ورؤى حول مجرى الاحداث قبل وبعد الاستفتاء، وقد أكد الكاتب الايرلندي باتريك كوكبيرن، مراسل صحيفة «الإندبندت» البريطانية في الشرق الأوسط، أن الاستفتاء على مصير كردستان العراق كان سوء تقدير من القيادة الكردية، وأن الدوافع له كانت لخدمة مصالح رئيس الإقليم مسعود بارزاني لا السكان.
ويقول كوكبيرن في مقاله، إن الاستفتاء الكردي كشف عن حنين للاستقلال، لكن من دون وجود قوة لتنفيذه، مشيرا إلى أن البارزاني قدم لجيران العراق فرصة للتهديد والحصار، حيث منعت الحكومة العراقية الرحلات الدولية إلى مدينة أربيل عاصمة الإقليم، بنحو عزله بطريقة لم يشهدها منذ الإطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003.
ويشير الكاتب إلى أن العزلة هي سياسية وجيوسياسية أيضا، حيث عارض حلفاء الأكراد، الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وبريطانيا، الاستفتاء، فيما تحرك جيرانهم، تركيا وإيران والحكومة العراقية، للضغط عليهم وتركيعهم.
ويقول كوكبيرن إن الاستفتاء كشف عن تطلع الأكراد، ليس في العراق فقط، بل في تركيا، وإيران، وسوريا أيضا، للاستقلال، مستدركا بأن النتائج كشفت عن قوة تطلعهم، وضعفهم في القدرة للحصول عليه.
ويلفت الكاتب إلى أن «حكومة إقليم كردستان نجحت في الماضي باللعب على التناقضات بين الدول، وتعاونت مع الجميع، وإن كانت غير راضية عن بعضهم، ففي الماضي كان المبعوث الأميركي يخرج من مقابلتهم، ليدخل من الباب ذاته قائد الحرس الثوري الإيراني، وأوقف الاستفتاء هذا التوازن الحساس الذي لعبه قادة الأكراد بمهارة وذكاء، وشجبت الولايات المتحدة الأميركية الاستفتاء قبل عقده، بنحو جرأ تركيا وإيران والحكومة العراقية لمعاقبة الأكراد على الاستفتاء المطالب بالاستقلال».
ويقول كوكبيرن إنه «من المبكر معرفة إن نجحت مقامرة الأكراد أو فشلت، فالأقليات والقوى الصغيرة عليها أن تركل القوى الكبرى في الفم، وإلا ظلت قوى وكيلة للأبد، لكن المهارة لدى القوى الصغيرة هي ألا تدفع الثمن الكبير، لأنها قررت المضي في طريقها، حيث هددت كل من تركيا، وإيران، والعراق، باتخاذ إجراءات صارمة، والمضي في الحرب، وبعض هذه التهديدات مجرد كلام، إلا أنها تستطيع ضرب الأكراد وبقوة إن أرادت». ويضيف الكاتب أن «الأكراد لديهم اعتقاد أن الولايات المتحدة الأميركية ستهرع لنجدتهم، لكن السياسة الخارجية في عهد دونالد ترامب، أصبحت غير واضحة، ومن الصعب التكهن بها، والأسوأ من هذا كله أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد محتاجة للأكراد كما كانت قبل السيطرة على مدينة الموصل، أو هكذا يعتقد الأكراد، وعلى أي حال فإن من حقق النصر في الموصل هو القوات العراقية، وللمرة الأولى منذ أربعة عشر عاما توجد قوات عراقية في الشمال، وقد لا نشاهد اندلاع حرب بين العرب والأكراد، إلا أن الميزان العسكري مهم ويميل في هذه الحالة لبغداد».
وتبين الصحيفة أنه في الوقت الذي يتكهن فيه الدبلوماسيون والصحافيون بقرب حدوث مواجهة، إلا أن كوكبيرن قلل من فرصها، بخاصة أن المناطق المتنازع عليها تمتد من الحدود السورية إلى الإيرانية.
ويقول كوكبيرن إن «الاستفتاء كان دائما خطوة محفوفة بالمخاطر، وبالتأكيد سيشعل أزمة، لكن المسألة تتعلق بالطريقة التي تحدث فيها البارزاني عنه، فعندما كان يتحدث الى الأكراد، كان يقول لهم إنهم سيتخذون خطوة تاريخية نحو الاستقلال، أما عندما كان يتحدث للمجتمع الدولي وجماهير المنطقة، فإنه كان يتحدث بلغة مدجنة، وبأنه عبارة عن استطلاع للسكان، وإن كانوا مع الاستقلال في المستقبل، لكن البارزاني بلعبه الورقة القومية جعل جماهيرية، تبتعد عن لغته التي تريد إرضاء المشاهدين في الخارج، حيث صرخت الجماهير في ليلة الاستفتاء بالعاصمة أربيل (مع السلامة يا عراق)».
ويعتقد كوكبيرن أن «عملية الاستفتاء تتعلق بالسياسة الداخلية الكردية، فهي محاولة من بارزاني التفوق على منافسيه، والظهور بمظهر حامل راية القومية الكردية، وبالتأكيد سينتفع من تحديه العالم في الانتخابات، التي ستعقد في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر». ويستدرك الكاتب بأن «الثمن سيكون باهظا، فالبارزاني ليس وحده الذي يواجه عمليه انتخابية، بل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي سيخوض انتخابات برلمانية في عام 2018، ولا يريد أن يتهم بعدم اتخاذ إجراءات متشددة ضد الأكراد، وحظر الطيران الجوي إلى أربيل، يظل خطوة أقل مما يريده العراقيون منه».
ويجد كوكبيرن أن «قرار شمل المناطق المتنازع عليها جعل من الموضوع رئيسا لدى حكومة بغداد، برغم ما يقوله المتفائلون من أن الحرب ليست واردة بين العرب والأكراد، لأن الحكومة العراقية وإقليم كردستان يعتمدان على الدعم الخارجي، صحيح أن القوات العراقية المسلحة والبيشمركة لم تكن قادرة على مواجهة تنظيم الدولة من دون غطاء جوي من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، إلا أن وضع البارزاني مستقبل الإقليم للاستفتاء منح كلا من حكومة بغداد، وتركيا، وإيران، فرصة للتهديد». ويلفت الكاتب إلى أنه «في الوقت الذي تخشى فيه الدول الأربع المحيطة بإقليم كردستان من المشاعر الانفصالية بين الأكراد على أراضيها، إلا أنها تخشى من تحول الإقليم لفلك معاد إن حصل على استقلال كامل، فإيران تخشى من تحوله إلى قاعدة أميركية على نحو يهدد مصالحها، أما الحكومة العراقية فتخشى من سيطرة الإقليم على مدينة كركوك الغنية بالنفط، بصورة تجعله معتمدا وعلى نحو كامل على تركيا في تصدير النفط».
ويقول كوكبيرن: «حلمت حكومة إقليم كردستان بأن تصبح دبي جديدة، بمراكز تسوق لامعة وفنادق، لكن ومنذ عام 2014 بدت مثل (بومبي/ الإيطالية)، فالأجواء تحفل ببنايات لم تكتمل إلى جانب الرافعات الصدئة، والمعدات التي تركت في مكانها، واختفى الازدهار عام 2014، عندما انهارت أسعار النفط، وتوقفت الأموال من بغداد، وسيطر تنظيم «داعش» على الموصل، وأصبح الإقليم فقيرا، وتأخر دفع الرواتب، وسيزيد الوضع سوءا الآن مع إغلاق المعابر كلها، وتوقف رواتب 35 ألف موظف فيدرالي». ويختم الكاتب مقاله، بالقول: «تحولت الحرب ضد «داعش» إلى صراع سلطة بين العرب والأكراد، على نحو غيَّر المشهد السياسي في المنطقة».