البخلاء….!!

يرجح بعض المؤرخين بأن اسباب تفشي ظاهرة البخل في المجتمع العربي بدل الكرم والجود هو مادفع صاحب الذكر الطيب الجاحظ الى تاليف اشهر كتب التاريخ ظرافة وفكاهة ومتعة اطلق عليه عنوان (البخلاء ) ، الذي يعد اهم وثيقة واقعية تراثية مهمة جسدت صورة المجتمع في تلك الحقبة من تاريخ الأمة سواء على الصعيد الاجتماعي او الاقتصادي او السياسي ، باسلوب فني وادبي جميل ، مستعينا بالاجناس الادبية المختلفة ومنها توظيف الحكاية والشعر والحديث والطرفة باسلوب مشوق وسلس ومهضوم، اضافة الى توثيقه للشخصيات والعادات والمدن والاطعمة والادوات وغيرها ..ويبدو ان ما شجع (الجاحظ ) على الاقدام لتاليف كتابه هذا هو لاستظراف وميول المجتمع للهجاء والتندر به واتخاذه سلاحاً للهجوم على الخصوم والدفاع عن الذات ، وفنّاً للفكاهة والإضحاك .
لاادري كم كان عدد الكتب التي سيؤلفها الجاحظ لو كان يعيش بيننا وهو يتمتع بمشاهدة الحلم الديمقراطي والربيعي (سكوب ملون) وبنجاح ساحق ! وكم من الطرائف اليومية النادرة والجاهزة التي كان يمكن ان يوظفها في كتبه وهو يتعايش مع المشهد السياسي !، وكم من الشخصيات التي طفت على ساحتها الفوضوية كانت ستدخل التاريخ عبر حكايات كتبه الظريفة عن جدارة واستحقاق انتخابي وانتحابي متفوقة على (الحطيئة ) و(ابو دلامة) و(ابوقاسم الطنبوري ) ! .
يصف المعنيون (البخلاء) بانهم..شريحة تعاني من امراض وعقد عديدة ، منها اجتماعية ونفسية واقتصادية ، والصورة الظاهرة للعيان هي حب هؤلاء للمال والرغبة المفرطة في جمعه ، والاحتفاظ به وعدم انفاقه أوالتصرف به لحين لقاءهم عزرائيل !
و من قادة البخل رجل من بني هلال يدعى (مادر ) ، كان مفرطا في البخل إلى حد بعيد .. فقد حكي عنه أنه سقى إبلا له ، فبقي في أسفل البئر ماء قليل ، فمدره أي (ملأه) بالطين والحجر حتى لا ينتفع بمائه أحد ياتي من بعده …وراح يضرب به مثلا… أبخل من مادر !!
ومن قصص البخل الطريفة التي اتذكرها دائما .. كلما التقيت احدا منهم …(كان البخيل وولده يمشيان في جنازة .. فسمع الولد زوجة الميت تقول : آه يا زوجي .. سيذهبون بك إلى بيت ليس فيه ماء ولا طعام ولا فراش ولا كساء …فقال الولد لأبيه البخيل : ” هل سيذهبون به إلى بيتنا ؟) .
لايرتبط (البخل) بحب المال واكتنازه وعدم الجود به فقط ، وانما يتعلق ايضا بجميع السلوكيات والفعاليات التي يقوم بها الافراد في المجتمع ، فهناك من يبخل عليك بالمساعدة وهو قادر عليها ، وهناك من يبخل عليك بالعلاج وانت تعاني من الالم ، وهناك من يبخل عليك بالثناء والشكرعلى عمل انجزته له، ،وهناك من يبخل عليك بالتهنئة لتكريمك اولفوزك بجائزة ما ، وهناك من يبخل عليك بالحب وانت تغمره بها ، ولعل اقسى انواع البخل هو .. عدم تفقد الراعي لرعيته !
والبرلماني الذي لايعرف مافي قدورفقراء مدينته ، والمسؤول الامني الذي ينام قرير العين وجاره مهدد بالكاتم !
ووزير التموينية الذي يغط شبعانا ، وحصة المواطن لاتشبع جوع اطفاله !
يبدو ان الصورة السيئة للبخل دفعت باحد الشعراء الى رفض هذا السلوك منشدا يقول :
ارى الناس خلان الجواد ولاارى بخيلا له في العالمين خليل
واني رايت البخل يزري باهله فاكرمت نفسي ان يقال اني بخيل !
• ضوء
هناك .. من يبخــل على وطـــنــه، وهناك مـن يفتديـه!
عاصم جهاد

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة