الكاتب المسرحي علي عبد النبي الزيدي في حوار مع «الصباح الجديد«:
حاوره ـ عبد العليم البناء:
يتواجد الان الكاتب العراقي علي عبد النبي الزيدي ( مؤلفا ) في تونس والمغرب وسوريا وسلطنة عمان والعراق، عبر سبعة نصوص مسرحية وهو ربما لم يحظ به أي كاتب مسرحي عراقي أو عربي من قبل وهذه النصوص هي: تشابه اسماء ( المغرب) وحقائب باردة ( سوريا ) وكوميديا الايام السبعة ( سلطنة عمان ) وواقع خرافي تونس ( عرض لفرقة كلية الفنون بجامعة واسط العراقية وقد حازت على جائزة افضل نص في مهرجان المسرح الجامعي ) وكوميديا الايام السبعة ( سلطنة عمان ) نفس النص لفرقة مسرحية اخرى و لهيب الروح ( اطفائثيوس ) تونس.- صفاقس والمسرحية الاخيرة هي (آخر نسخة منا) التي عكف على اخراجها وتقديمها المخرج الشاب علي صبيح في منتدى المسرح التجريبي في دائرة السينما والمسرح مؤخرا واداء مجموعة من شباب وطلبة الفنون الجميلة منهم الفنان الشاب محمد لواء عبدالله الرسام وشهد العبيدي والاضاءة لاحمد سامر والموسيقى الزهير النوري وادارة المسرح لغيث كاظم في ثاني تجربة له مع المخرجين الشباب بعد نجاحه مع المخرج الشاب مصطفي الركابي في مسرحية (يارب) التي نافس فيها نخبة من مخرجي المسرح العربي بمهرجانها الذي اقامته الهيئة العربية للمسرح مطلع هذا العام بدورته التاسعة في مدينتي وهران ومستغانم الجزائريتين ومسرحية (آخر نسخة منا) كانت نقطة انطلاقنا لحوار جديد ومتجدد لكاتب عراقي أصيل جبل على الجرأة والاقتحام وإثارة الجدل والكثير من الاسئلة الاشكالية التي لا ترضى بالسكان والثوابت التي أجدبت ارواحنا وعقولنا منها ولعل هذا هو السبب الكامن في جعل نصوصه محل استقطاب كثير من مخرجي المسرح والعربي والتي جاوزت حتى الان أكثر من (70) عرضا وهذا رقم حسب علم الكاتب وعلمي لم يحظ به أي كاتب عراقي عاش في الداخل وهو محط اعتزاز وسعادة للزيدي ذاته ولنا نحن معاشر العراقيين عامة والمثقفين والفنانين خاصة.. لا أريد أن استعرض المنجز الفريد والاستثنائي شكلا ومضمونا لمبدعنا علي عبد النبي الزيدي ولكن محاورتي له هنا هي تسليط مزيد من الاضواء على مشروعه في (الالهيات) و(مابعد الالهيات) ورؤيته المتحضرة والنبيهة للمقدس ولتوابعه في حياة الشعوب المغلوبة على أمرها حين يستباح الحب الذي يراه الزيدي بمعناه الانساني الحل الامثل لمشكلاتنا كافة ولهذا نحن نتفق معه حين يؤكد :»ستقرأني الاجيال القادمة بهدوء ودون انفعال بعيدا عن الاتهامات وسوء الفهم الذي يحصل عادة لأن أعيش مع جيل محتدم ومنفعل على طول التلقي بسبب حياتنا المنفعلة أصلا «
ما الذي تنطوي عليه المسرحية من فكرة ومعالجة درامية؟
– نص (آخرُ نسخةٍ منّا )، ينطلق من فكرة الجسد بمعناه الانساني وهو يشير الى الجسد العراقي الذي شوِّه منذ 2003 الى الآن بفعل ( الأفكار )، والأفكار هنا بشتّى تسمياتها تذهب الى التطرف في أفعالها ، وقد استهواني كثيرا أن أؤكد أن الوطن هو جسد يحمل ثنائية جميلة ورائعة في وجودها ، ولكنها خرّبت بفعل الصراع القائم بين هذه الثنائية نتيجة لنوازع القتل والكراهية التي استطاع التطرّف أن يصنعها بين الطرفين ، وعندما أؤكد هذه الثنائية أزعم بأن الإنسان لا يمكن له العيش معزولا دون الاخر .. هذا هو مبدأ الحياة أصلا مع ميل الفرد الأول الذي عاش في الكهوف الى تكوين جماعات من أجل الاستئناس وطرد الخوف ، ومن هنا ينطلق هذا النص من فكرة انسانية مهمة وهي أن الانسان كمخلوق هو كائن يميل للحياة مع الآخر بسلام ومحبة منذ الأزل ، ولكن هذه الفكرة دمّرها التطرف بشتى تسمياته وحاول أن يهدم هذه الثنائية الجميلة بطرق بشعة ومؤلمة الى حد كبير ، حاول النص ان يرمز للوطن عموما من خلال ( الجسد الانساني الواحد ) فجعل هذا الجسد ملتصقا مع جسد آخر بمعنى انه ( سيامي منذ الولادة ) وعاش وكبر على هذا المنوال على اعتبار ان الانسان كائن اجتماعي وبعد ان دخل التطرف الفكري بدأ هذا الكائن يعيش صراعا محتدما مع بعضه الاخر من خلال تكفيره وقتله من دون أي سبب سوى انه لا يؤمن بأفكار الطرف الثاني ، النص هنا يشتغل على مفهوم التهكم من هذه الافكار التي أخذت تجتاح العالم بأسره وتحوّلت الى أدوات لتهديد حياته ويحذر من خطرها على حياة الناس ، بل راح النص يسخر من فكرة التطرف ويعلن ان لا مكان لها في حياة الاوطان المتمدنة والتي تهتم بالاستقرار والسلام والمحبة.
وما الذي يميز هذا النص عن بقية نصوصك المسرحية أم انه يصبُّ في أطار ما أسميته بالإلهيات؟
– هو ضمن هذا المشروع .. بل هو آخر نصوص ( الإلهيات ) التي كتبتها وقد ظهر ضمن كتاب ( ما بعد الإلهيات ) .. وما يميزه عن باقي النصوص ذهابه الى ( التهكّم ) من فكرة التطرف التي أخذت اعمارنا بالحديث عنها ، وكيف يمكن للإنسان أن يتحوّل الى ( إله ) يُحيي ويميت كما يظن ، يحكم بما يشاء ويكفّر من يشاء ، يجد لنفسه كل التبريرات التي من شأنها سحق الانسان الاخر أو ما اسميته بـ ( ثنائية الجسد ) وتدمير حياته وشطب أحلامه . وبعد رحلة طويلة مع الألم في نصوص ( الإلهيات ) وهي رحلة متعبة جدا لقلبي وروحي وجدت من التهكم ملاذا مع التأكيد على وجود المقدس في هذا النص ولكن من زاوية أخرى تختلف عن النصوص الأخرى.
اذا كان الامر كذلك فما الذي دعاك الى تكرار المحاولة في منح الثقة لمخرج شاب وممثلين شباب كما فعلت في مسرحية ( يا رب ) التي سلمت قيادها لمخرج شاب ولكن الممثلين كانوا محترفين؟
– العمل مع مخرجين شباب أتعلم منه ويستهويني كثيرا ، ولا تستغرب من كلمة ( أتعلم ) ، نعم مازال البحث جاريا عندي وأجدني أكتشف الكثير حينما أتعامل مع مخرجين شباب مع ايماني ان الابداع هو التعريف الأفضل هنا بدلا من الذهاب الى مصطلح مخرج شاب أو مخرج كبير في السن ، والمسرح بنحو خاص لا يحفل بالعمر على الاطلاق ، فهناك من بلغ من العمر عتيا وهو مازال يفكر بروح الشباب في تقديم عروضه بل ويعمل مع الشباب معهم ليعطوه طاقة وحيوية ، ومخرج مثل مصطفى الركابي في عرض ( يا رب ) أكد هذه الفكرة التي تحدثت عنها ، وذهب للجزائر لينافس كبار المخرجين العرب ويمثل العراق خير تمثيل ويعطي صورة مشرقة لمسرحنا ، أما المخرج علي صبيح مخرج مسرحية ( آخر نسخة منا ) بالرغم من أنني لم احضر بروفاته إلا أنني اثق بقدراته وافكاره وهو مخرج عاشق للمسرح وينتمي له بشكل عجيب وقد تواصل معي طيلة شهورالبروفات الطويلة. شباب المسرح اليوم تجدهم في كل محافظات العراق وهم من سيشكّلون المشهد المسرحي العراقي في المستقبل القريب ويجددون في بنيته وافكاره وتصوراته وروحه وربما يغادرون الكثير من مناطق الاشتغال التي سبقت جيلهم.
في هذا السياق ما الرسالة التي تريد ايصالها عبر هذه المسرحية شكلا ومضمونا؟
– فكرة الحب أجدها هي الحل لكل مشكلاتنا اليوم ، الحب بمعناه الانساني ، هي فكرة سامية لخلق حياة مستقرة وآمنه بعد مشوار طويل من القتل وانهار الدماء ، لا حلول على الاطلاق سوى الحب ان يكون هو دستورنا العظيم ، أن ننظف قلوبنا من الكراهية والحقد والتطرف وتكفير الاخر ، نغسل أرواحنا بماء المحبة ونتمنى للآخر مثلما نتمنى لأنفسنا من أجل خلق حياة فاضلة ، نحن نحتاج الى ثورة كبرى يقودها العشاق ننظف من خلالها رؤوسنا وشوارعنا وبيوتنا من فكرة إلغاء الآخر وسحقه وتدميره.
نشرت على صفحتك ان سبع مسرحيات تقدم لك الان داخل وخارج العراق مما يجعلك ربما أكثر كتاب المسرح العراقيين والعرب انتشارا واستقطابا لاهتمام المخرجين كيف تنظر لهذا الامر؟
– المسرح العربي أخذ ينتبه لنصوصي ما بعد 2003 وقدم لي حسب الوثائق المتوفرة لدي أكثر من ( 70 ) عرضا مسرحيا لشتى مخرجي الوطن العربي من أقصاه الى أقصاه وهذا رقم حسب علمي لم يحظ به أي كاتب عراقي عاش في الداخل وهو محط اعتزاز وسعادة عندي، هذا الاهتمام المتزايد ربما لأنهم يجدونني مختلفا أو يرون أن أفكاري فيها جرأة كبيرة تنسجم مع ما يحدث اليوم من كوارث في المشهد السياسي العربي يعطيهم جرعة من البوح بحرية أمام قمع الافكار وتكميم الارواح، برغم ايماني ان هناك كتابا على قدر من الروعة والأهمية عراقيا وعربيا. انسحب هذا الاهتمام ايضا للمشهد النقدي العربي وبدأت اقرأ بفرح عارم الكثير من الدراسات على مستوى الصحف والمجلات العربية لنقاد شكلوا الحياة النقدية عربيا، ناهيك عن الدرس الاكاديمي في بعض جامعات العرب المتخصصة بالمسرح وسواها التي راحت تدرسني في دراساتها العليا . المخرج العربي كما أرى يميل الى النصوص التي تشكّل مغايرة وجدّة في بنائها وافكارها ومشاكساتها حتى تلك النصوص التي كتبتها مطلع التسعينيات ما زالت تقدم على خشبات المسارح العربية . المسرحيات السبع الأخيرة عربيا وعراقيا وفي وقت واحد التي ذكرتها في سياق سؤالك تعزز عندي قيمة ما أكتب بصفتي شاهد عيان وليس كاتبا مسرحيا فقط ، وهو احتفاء مسرحي عربي بي كما يحلو لي أن اصنفه يجعلني أقف أمامه بتواضع جم.
ولكن ذلك كله لم يدفعك الى الغرور فواظبت على الكتابة والنشر بموضوعية يندر وجودها لدى نظرائك…
– ولن يدفعني ذلك للغرور أبدا ، أنا عاشق للمسرح وللكتابة والعشّاق لا يدخل لقلوبهم الغرور لأنهم يترفعون عن ذلك ، الغرور مرض يصيب البعض ويجعله أسيراً له مدى العمر ويكون مع مرور الوقت أداة لوأد موهبته . الكتابة للمسرح عندي مشروع حياة وفي وسط هذا المشروع ما زال هاجس التعلّم والاكتشاف والذهاب لما هو أبعد مستمرا ، وما زلت أرى ان المستقبل سينصفني أكثر مما انا عليه الآن خاصة بعد رحيلي عن الحياة ، ستقرأني الاجيال القادمة بهدوء ودون انفعال بعيدا عن الاتهامات وسوء الفهم الذي يحصل عادة لأن أعيش مع جيل محتدم ومنفعل على طول التلقي بسبب حياتنا المنفعلة أصلا لذلك أجد بعض ( التلقي ) هو رد فعل فيه الكثير من الانفعالات التي نعيش في وسطها ، وكل تلك الاتهامات والتشويهات هي ضريبة قالها لي مرة الدكتور مرسل الزيدي رحمه الله عندما كنت أشكو له بعض الكتابات التي تهاجمني وتتهمني ظلما وعدوانا وحسدا ، ابتسم لحظتها وقال هذه ضريبة المبدع في العراق فلا تحزن وكن قويا وصلبا أمامها ولا تهتم لها . وعلى أية حال أنا أفتخر بأنني الآن ضمن جيل مهم من كتّاب المسرح العراقي وجزء من احلامهم ومشروعهم التنويري وأعتز بكل حرف يكتبونه ولا اريد كتابة الاسماء لأنهم يعرفون أرائي بهم واحدا واحدا. *وما جديدك ضمن مشروعك المسرحي هذا ؟
– الجديد .. أستعد الان للدخول الى تجربة جديدة ومهمة مع المخرج مصطفى الركابي في مسرحية ( فلك أسود ) من تأليفي وهي ايضا انتاج دائرة السينما والمسرح – قسم المسارح – منتدى المسرح ، وهو النص الفائز بجائزة الهيئة العربية للمسرح عام 2015 وستبدأ بروفاتها مطلع الشهر التاسع ، هذه التجربة ستكون ربما فيها شيء من روح مسرحية (يا رب) من حيث المناخ العام لهذا النص وهو ضمن مشروع الالهيات وفيه ايضا استدعاء للمقدس ولكن من زاوية أخرى .مصطفى الركابي – كما ارى – يريد أن يؤكد بإصرار على اسلوبيته وبعض مفرداته التي تخلق له مناخه الخاص ، الركابي سيكون اشكاليا أكثر في عرضه الجديد بل ومتمردا كعادته، سيقف معه الدكتور احمد شرجي ويحيى ابراهيم صنّاع لجمال العرض كممثلين لهما ثقلهما البارز وثقافتهما العالية.
كلمة أخيرة.
– شكرا لك استاذ عبد العليم البناء بحجم كل ورود العالم لاهتمامك المتواصل ولحوارك الجميل بجمال روحك…