كان الفن الآشوري متعدد المظاهر، فقد شيّد ملوك آشور أبنية رفيعة المستوى زادت الزخرفة في تألقها، وكان الآجر الرمادي هو «الخامة» الأساس في البناء أما العناصر الجمالية المضافة إليه فتزيده بهاءً، ويرجح أن الأخشاب والستائر كانت تغطي الجدران من الداخل في المعابد والقصور، ولكن من المؤكد أن الآشوريين تبنوا فن التصوير الجداري، الموروث عن أسلافهم من شعوب بلاد الرافدين، في تلوين جدران قصورهم في كل المواقع التي مرّ ذكرها، ولكن المجموعة المهمة التي عثر عليها في قصر تل برسيب على الفرات الأعلى في أقصى المملكة (تل أحمر في سورية اليوم)، تعد مثالاً للفن الآشوري، وتشكل مساحة مئة وثلاثين متراً من التصوير على الجدران، ويستشف من تجميع القطع أنها تمثل رحلات صيد وتربية خيول، كما تعكس جمال الملابس التي كانت سائدة آنذاك (بعض تلك القطع موجود في متحف حلب وكثير منها في متحف اللوفر في باريس).
أما الواجهات الخارجية فقد لجأ الآشوريون إلى فن زخرفي آخر في تزيينها وهو الآجر المزجج، الذي تؤلف مجموع قطعه «إذا ما رصفت» زخارف هندسية، وحيوانات أسطورية ذات بروز خفيف، وكانت المشاهد تلمع في الضوء بأبهى الألوان الترابية، والزرقاء، والمائلة إلى الخضرة، كما في واجهات بعض معابد خورسباد.
واستعمل الآشوريون كذلك فناً أتى من الشمال السوري وهو النحت الحجري البارز من الهيصم alabâtre(نوع من المرمر). وقد أقيمت المنحوتات orthostates على الجدران الآجرية فوق أساساتها الحجرية حول الساحات، أو داخل القاعات. وكانت الحقبة الذهبية لهذا الفن، الذي انطلقت فيه العبقرية الآشورية، بين القرنين التاسع والسابع قبل الميلاد. وامتاز بالابتكار وبراعة التأليف مبيناً قوة المملكة، ورفعة الملك وذلك في نينوى ونمرود، مثال ذلك النحت البارز الذي يمثل مشهد صيد الأسود، وهو من الهيصم بارتفاع 92ـ95سم من عهد آشور ناصر بال الثاني(اليوم في المتحف البريطاني في لندن) وكان يزين قاعة العرش في قصر الملك في نمرود، ويمثل الملك لابساً سترة متواضعة، وهو يرمي بالقوس السباع من على عربته، والنحت البارز الآشوري بما تحلّى به من دقة، يعد معيناً للمعلومات عن المواد التي كانت تستعمل في تلك الحقبة كالخشب، والجلد، والقماش، ولم يعد لها اليوم أثر يذكر.
أما النحت المدوّر (التماثيل) فكان نصيبه أقل من النحت البارز، ومنه تمثال آشورناصربال الثاني في نمرود من القرن التاسع قبل الميلاد، وتمثال شلمنصر الثالث. وظهر النحت كذلك في شخوص سباع مجنحة، وثيران برؤوس آدمية متوّجة، وكانت تلك الشخوص تحتل موقع الحراسة على البوابات التي أحكمتها أبواب خشبية، مزينة بزخارف من البرونز كما في مدينة أم غربل Balawat (في العراق). مثال ذلك ثور ذكر مجنح ذو رأس آدمي ولحية مستعارة، من قصر صرغون الثاني في خورسباد (القرن الثامن قبل الميلاد)، وهو اليوم في متحف اللوفر في باريس، ومن صفاته المميزة أن له خمس قوائم، تظهر أربعٌ منها إذا شوهد من الناحية الجبهية، والخامسة مجاورة أنسيّاً للقائمة الأمامية، تظهر إذا ما شوهد من الناحية الجانبية. وإلى جانب ذلك وجد في المواقع الآشورية تماثيل حيوانات من الجص بحجوم صغيرة، وأختام أسطوانية وتمائـم تثيـر الدهشة لما فيها مـن دقـة في تمثيل المخلوقات الخياليـة، والمشاهـد الأسطوريـة.
واستعمل الآشوريون كذلك فن الترصيع والتنزيل بالمعدن والعاج في الأثاث الخشبي، أما الحلي والأسلحة، فقد وجد منها من القطع القليل، وفي المنحوتات البارزة تمثيل لقطع متقنة الصنع من تلك الأنواع التي كان الآشوريون يملكونها.
لقد خضع الفنان الآشوري للفكر الشرقي في التصوير الجداري، والنحت البارز، والنقش على المصغرات من الأختام الأسطوانية والتمائم، فمثل الوجه، والعين، والساقين جانبيا،ً والجذع جبهياً، وبدا الفن الآشوري بمظاهره المتعددة معبراً عن قوة المملكة ورفعة الملك.
الفن في العراق أحد أسس تأريخه القديم.. الفن الآشوري أنموذجاً
التعليقات مغلقة