عبد الأمير رويح
ما يزال العراق وفي ظل تقلب أسعار النفط في الأسواق العالمية، يعاني من تفاقم الازمات والمشكلات المالية، التي اثرت سلباً على خطط واجراءات الحكومة العراقية، التي تواجه الكثير من التحديات الامنية والسياسية والاقتصادية المتزايدة، بسبب استمرار الخلافات والصراعات السياسية والحرب ضد تنظم داعش الارهابي، خصوصا وانها تعتمد بنحو اساسي على النفط الذي يشكل اكثر من 97% من ايرادات الموازنة العامة، هذه الازمات اجبرت الحكومة العراقية على اتخاذ اجراءات وخطط جديدة، في سبيل تقليل العجز في الميزانية العامة للدولة والايفاء بمتطلبات الانفاق العام.
وفيما يخص آخر تطورات ملف النفط في العراق، قالت وزارة النفط إن العراق أعفى فلاح العامري من منصب المدير العام لشركة تسويق النفط (سومو)، لكنه سيظل محتفظا بمنصب محافظ العراق لدى منظمة أوبك. وقال متحدث باسم الوزارة إن العمري سيبقى أيضا مستشارا في وزارة النفط بينما سيصبح علاء الياسري مديرا بالوكالة لسومو. وقال مسؤول كبير في وزارة النفط إن قرار تنحية العمري يأتي في إطار خطة على نطاق أوسع لتعيين مديرين جدد في مناصب رئيسية بالوزارة.
وأصدر وزير النفط جبار اللعيبي قرارا بتعيين إحسان عبد الجبار رئيسا جديدا لشركة نفط الجنوب التي تديرها الدولة. وقال المسؤول الوزير اللعيبي لديه خطة جديدة لإدارة وزارة النفط. تحتاج الخطط الجديدة إلى مديرين جدد ودماء جديدة. سيتخذ اللعيبي مزيدا من القرارات قريبا في إطار عملية التغيير لإعادة هيكلة الوزارة.
من جانب اخر أكدت ستاندرد اند بورز تصنيفها الائتماني للعراق عند B-/B مع نظرة مستقبلية مستقرة لكنها توقعت أن يؤثر خفض إنتاج النفط على النمو الاقتصادي في 2017. وعزت وكالة التصنيفات الائتمانية منح نظرة مستقبلية مستقرة إلى التوقعات باستمرار جهود ضبط الميزانية في السنوات القليلة المقبلة. وأوضحت ستاندرد اند بورز أن التصنيف يتلقى دعما من أن إنتاج النفط العراقي يتركز في مناطق تحت السيطرة الأكيدة للحكومة الاتحادية.
خام البصرة
الى جانب ذلك يواجه اقتراح العراق بخصوص تغيير طريقة تسعير نفطه الخام في آسيا معارضة من شركات التكرير التي تخشى تعرضها لمزيد من المخاطر بسبب إطالة الفترة بين التسعير والتسليم. وفاجأت شركة تسويق النفط (سومو) التجار بسعيها لاستطلاع الآراء بخصوص خططها لتغيير سعر القياس لخام البصرة في آسيا ليتم تسعيره بناء على بورصة دبي للطاقة ابتداءً من يناير كانون الثاني 2018 بدلا من التسعير على أساس تقييمات وكالة ستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس.
ومن شأن هذه الخطوة أن تؤثر على سعر نحو مليوني برميل يوميا من إمدادات النفط الخام إلى آسيا، لاسيما تلك المتجهة إلى الهند والصين وكوريا الجنوبية. وقال أويستاين برنستن العضو المنتدب لشركة سترونج بتروليوم في سنغافورة ”التغيير مهم وسيحظى بمراقبة عن كثب، ليس فقط من منتجي الشرق الأوسط ولكن من جميع المعنيين بالأمر“. وبموجب الطريقة الجديدة، سيتم تسعير خام البصرة باستخدام المتوسط الشهري لأسعار العقود الآجلة للخام العماني في بورصة دبي للطاقة قبل شهرين من تحميل النفط. ويسعر منتجون آخرون بالشرق الأوسط مثل السعودية والكويت وإيران خاماتهم بناء على شهر التحميل.
ويعني هذا أن الخام العراقي تحميل أكتوبر تشرين الأول سيتم تسعيره على أساس العقود الآجلة في بورصة دبي للطاقة في أغسطس آب. ويعرض ذلك المشترين لمخاطر، إذ لن يتم إخطارهم إلا بحلول منتصف سبتمبر أيلول بما إذا كان قد تم قبول عروضهم لشراء الشحنات، بما يجعل من الصعب عليهم التحوط مسبقا من تغيرات الأسعار. وقال مشتر كبير للخام في مصفاة آسيوية ”لسنا مؤيدين لذلك. عليهم أن يصلحوا برنامجهم (للإمدادات) أولا قبل أن يحاولوا تغيير سعر القياس“. وطلب المشتري عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام في هذا الأمر.
ويقول تجار إن اختلاف توقيت التسعير عن المنتجين الآخرين يجعل من الصعب أيضا المقارنة بين تقييمات الخامات. وينتاب القلق بعض المشترين من أن نحو 80 بالمئة من الخام المستخدم في تسعير عقود عمان الآجلة في بورصة دبي للطاقة تتجه إلى الصين، بما يعكس العوامل الاقتصادية والأساسية لمشتر آسيوي واحد فقط. وقال آدي إمسيروفيتش من مركز اقتصاديات الطاقة بجامعة سري في بريطانيا ”التحول إلى عقود عمان في بورصة دبي للطاقة طموح جدا. أعتقد أنه سيسبب بعض الصعوبات القليلة لأنه سيكون صعبا جدا من الناحية الفنية“.
ولم تعلق سومو على دوافعها للتغيير. وقد يجلب التحول إلى بورصة دبي للطاقة أسعارا أعلى لسومو. فالمتوسط الشهري لأسعار عقود الخام العماني في بورصة دبي للطاقة بلغ مستويات تزيد نحو 20 سنتا فوق متوسط تقييمات خامي عمان ودبي على منصة بلاتس في الفترة بين آذار وتموز من العام الحالي.
ويؤيد بعض التجار هذه الخطوة. فمعرفة أسعار الخام العراقي قبل شهرين من التسليم تعطي التجار الذين يحوزون شحنات من خام البصرة دون وجهات محددة لها مزيدا من الوقت لتحديد الوجهة التي سيبيعون لها النفط بناء على فروقات الأسعار في المنطقة. ولم يتحدد بعد ما إن كانت سومو ستمضي قدما في هذه الخطوة، إذ من المتوقع أن تحل الشركة المشكلات التي تطرق إليها الزبائن، وفقا لما ذكره مصدر مطلع على الخطة العراقية.
وقد يغير العراق سعر القياس لكن مع الحفاظ على فترة التسعير الراهنة في الوقت الحالي، مما يعني أن الخام سيظل يسعر بناء على شهر التحميل نفسه. وأحجمت بلاتس، التي تهيمن على التسعير العالمي للنفط في السوق الحاضرة، عن التعقيب على كيفية ردها على الانسحاب المحتمل لثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
سوق السندات
من جانب آخر بدأ العراق تسويق سندات بمليار دولار في أول إصدار دين دولي يبيعه منفردا منذ عام 2006 وذلك في محاولة لتجاوز عقود من الاضطرابات. ويسعى العراق، في ظل حيازته لاحتياطيات نفطية ضخمة، من وراء إصدار السندات إلى اجتذاب مستثمري الأسواق الناشئة بأرباح مغرية وهو ما سيكون ضروريا لتهدئة المخاوف بسبب سجل الحروب. وأصدر العراق سندات بمليار دولار في يناير كانون الثاني الماضي لكن هذا الطرح ضمنته الحكومة الأميركية بالكامل. والعراق بمفرده هذه المرة.
وأظهرت وثيقة أصدرها أحد البنوك التي تدير العملية أن التسعير الاسترشادي المدئي للسندات، التي يبلغ أجل استحقاقها خمسة أعوام ونصف العام، يقع عند أوائل السبعة بالمئة. وهذا المستوى «جذاب» من منظور بعض مديري الصناديق حيث يدر عائدا جيدا مقارنة مع أسواق ناشئة أخرى تعاني من صراعات مثل أوكرانيا. ومن المتوقع أن تجتذب الصفقة طلبا كبيرا من المستثمرين الأميركيين والأوروبيين الذين يتطلعون إلى أسواق ناشئة تدر عائدات لا يستطيعون الحصول عليها في أنحاء أخرى.
وقال مديرو صناديق إن من المرجح أن تستحوذ صناديق معاشات التقاعد ومديرو الصناديق وصناديق الثروة السيادية على نصيب جيد من الإصدار. ويحتاج العراق إلى تمويل خارجي لسد عجز متسع في الميزانية حيث أدى هبوط أسعار النفط منذ 2014 وتباطؤ وتيرة الإصلاحات المالية التي تحتاجها البلاد بشدة إلى تضخم العجز ليصل إلى 25 تريليون دينار (21.44 مليار دولار) لعام 2017 بحسب نشرة إصدار السندات. وهناك أيضا 23.3 تريليون دينار من المنتظر جمعها من خلال الاقتراض المحلي والخارجي بحسب ميزانية العراق التكميلية لعام 2017.
ومن المتوقع أن تسهم البنوك التجارية ومستثمرو السندات والمقرضون الدوليون، ومن بينهم مؤسسات مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بنحو 11.5 تريليون دينار. والدعم الذي يحصل عليه العراق من مؤسسات تمويل مشروعات التنمية يعد بمنزلة ضمان مفترض للمستثمرين. وعند مقارنته بدول ذات تصنيف مماثل على مستوى الأسواق الناشئة مثل أوكرانيا وغانا فإن العراق يملك ميزة غياب بواعث القلق بخصوص قدرته على السداد وتوافر تعهدات كبيرة من المانحين فيما يتعلق بإعادة البناء.
ويتسم العراق بانخفاض مخاطر الإئتمان عن دول أخرى مماثلة لكن الانتخابات البرلمانية القادمة في ربيع 2018 وما قد يعقبها من عدم استقرار سياسي تشكل مخاطر ستؤخذ في الحسبان عند التسعير النهائي حسبما قال مديرو صناديق. وقد تستفيد سندات العراق أيضا من سيولة زائدة تأتي من قيام المستثمرين المتعطشين للعوائد بالخروج من أصول عالية المخاطر. وقام ممثلون عن العراق بجولة ترويجية اجتمعوا خلالها مع مستثمري أدوات الدخل الثابت في الولايات المتحدة في وقت سابق وأجروا أيضا مقابلات في لندن وبوسطن ونيويورك. ويتولى سيتي جروب ودويتشه بنك وجيه.بي مورجان إدارة العملية. والعراق حاصل على تصنيف B-مع نظرة مستقبلية مستقرة من وكالتي التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز وفيتش.
* كاتب عراقي/ وكالات